لم تعد «الليلة أشبه بالبارحة»، بالنسبة إلى صناديق التحوط الاستثمارية، فالأحوال تبدلت على أرض الواقع، وانتفت حال الرفاهية، التي طالما أحاطت مديري صناديق التحوط، في ظل منافسة شرسة باتت تنتقص من أرباحهم الطائلة، التي هيأت معيشة فائقة الفخامة لمن ظلوا سنوات طويلة يطلق عليهم «ملوك الاستثمار».
كما غدت تلك الصناديق «نوع من الصناديق تدخل في استثمارات تحتوي على بعض المخاطر» وهي محاطة بقدر هائل من الانتقادات، بل والاتهامات أيضا، التي قادت بعضها للمثول أمام المحاكم في أرجاء متفرقة بدعاوى تتراوح بين التلاعب والمبالغة والإهمال، ما حدا بعدد ليس بالقليل من الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى فرض تشريعات صارمة ومقيدة لحركة تلك الصناديق، بل وصل الأمر إلى إغلاق بعضها ووقف عملها، مثلما حدث في أيرلندا.
فواقع الحال، يشير إلى أن حال مديري «صناديق التحوط» الاستثمارية، الذين يستثمرون ثروات أثرياء العالم والشركات العملاقة والعائلات الأرستقراطية، بدت أكثر صعوبة في وقتنا الراهن، ولم يعد بوسعهم لملمة الكثير من الأموال، كما كان في الماضي، بعدما تبنى كثيرون منهم استراتيجيات استثمارية سيئة ومعقدة عرضتهم للمساءلة والانتقاد والاتهام والقيود والتشريعات المتشددة.
وعلاوة على ذلك، هناك عنصر آخر يتمثل في احتدام حدة المنافسة، بانضمام المزيد من «صناديق التحوط» التي تولد كل يوم، بحسب ما أوردته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية فإن عددها بشأن العالم وصل حاليا إلى أكثر من 8 آلاف صندوق، وتدير أعمال واستثمارات عملاقة يقدر حجمها بنحو 1,5 تريليون دولار، فيما تتبع تلك الصناديق الجديدة الناشئة، الاستراتيجيات ذاتها ما يقلل العائدات إلى الكثير منها، في الوقت الذي تقفز فيه كلف توفير خبرات إدارية بارعة إضافة إلى كلفة توفير مساحات المكاتب الباهظة. ولم تكن «صناديق التحوط» على مر السنين الماضية، بمنأى عن الاتهامات، فهي تصدرت قائمة المتهمين في جميع الاضطرابات المالية جميعها التي شهدها العالم، ابتداء من الأزمة المالية العاتية التي انطلقت من شرق آسيا العام 1997، وانتهاء بالصعود القوي لأسعار النفط في 2005. كما أن رؤساء الشركات والمؤسسات تتعالى شكواهم دوما، بأن تلك الصناديق خلقت من أجل «تدمير أعمالهم وتحقيق مكاسب سريعة»، على حد تعبير «الإيكونوميست».
ولعل أشهر القضايا المثارة حديثاً ضد صناديق التحوط الاستثمارية على مستوى العالم، تلك القضية التي رفعتها شركة الأدوية الكندية «بيوفال» المدرجة في بورصتي نيويورك وتورونتو، ضد عدد من صناديق التحوط وشركات أبحاث الأسهم، بدعوى أنها خططت لخفض أسعار أسهم الشركة من أجل التلاعب وتحقيق مكاسب طائلة على حساب سمعة الشركة ومستقبلها.
وفي إطار استعراضها لقضية صناديق التحوط، تتناول مجلة «الإيكونوميست» تفاصيل قضية شركة «بيوفال» التي رفعتها نهاية فبراير/ شباط الماضي، لتطالب بتعويضات قدرها 4,6 مليارات دولار من كل من شركة «اس إيه سي كابيتال مانجمنت» - صندوق التحوط الذي يقدر استثماراته بنحو 10 مليارات دولار، ومؤسسة أبحاث «كاميلباك ريسيرش»، المعروفة حاليا باسم «جرادينت اناليتكس»، و«بنك أوف أميركا»، إضافة إلى متهمين آخرين.
واعتمدت الشركة الكندية على ادعاء 5 موظفين سابقين في «جرادينت»، قالوا إن شركة الأبحاث قامت في يونيو/حزيران 2003 إلى نشر تقرير سلبي عن «بيوفال»، بتوصية من شركة «اس إيه سي» معتمدا على معلومات من «صندوق التحوط». كما يقولون إن « جرادينت» وافقت على تأجيل نشر التقرير لتعطي الفرصة لشركة «اس إيه سي» للحصول على رصيد دائن كبير من أسهم «بيوفال».
ومن جانبهم، ينفي المتهمون بشدة تلك الاتهامات، معتبرين أن هناك أسبابا أخرى لهبوط أسهم «بيوفال»، وفي مقدمتها: سلسلة نتائج الأرباح المخيبة للآمال التي بدأت في الربع الثاني من العام 2003 وخفض المحللين لتقييم أسهمها ليس فقط من قبل «بنك أوف أميركا»، وأخيرا التحقيقات التي واجهتها الشركة الكندية بشأن ممارسات عدم الافصاح لحساباتها وأوضاعها المالية من قبل المجالس الأميركية للأوراق المالية والبورصة ولجنة «أونتاريو» للأوراق المالية الكندية.
وتعكس تلك القضية مزيدا من القلق حيال استخدام، أو «سوء» استخدام، التعليقات والآراء تجاه أداء الشركات، إذ تقوم «صناديق التحوط» بشكل روتيني ونمطي، بتبادل الأفكار طويلة وقصيرة الأجل فيما بينها، وبدورها تمرر تلك الآراء ووجهات النظر إلى المحللين والصحافيين والمشرعين. ويقر بعض المحللين بأن عملاءهم من مديري «صناديق التحوط» يضغطون عليهم لكتابة تقارير تتماشى مع وجهات نظرهم، وهو بالضبط ما تدعيه شركة «بيوفال»، معتبرة أن ذلك يشكل نوعا من أنواع التلاعب بالسوق، وهو أمر ربما يصعب إثباته.
ويشيرون إلى أن هناك مسألة أخرى، تتمثل في طبيعة عمل شركات الأبحاث المحايدة ذات الصيت الذائع في الأسواق، إذ يتعين عليها التيقن والتحقق من المعلومات الواردة من صناديق التحوط، غير أنه ليس هناك قواعد منظمة تحاسبها حال إهمالها أو تجاهلها تلك المهمة وعموماً فإن شركات الأبحاث، مثل «جرادينت»، تهدف إلى الفوز بالشركات كعملاء لها بدلا من العملاء الأفراد والسماسرة المستقلين، لذلك فإنهم لا يقعون تحت طائلة لوائح الهيئات ذاتية التنظيم مثل بورصتي نيويورك وناسداك. ويرى محللون أن صناديق الاستثمار وشركات الأبحاث يجب أن تعاقب بصورة رادعة على تعمدها نشر معلومات كاذبة وسلبية عن الشركات. وترى «الإيكونوميست» أنه في ضوء سيل الاتهامات والادعاءات والمنافسة الأكثر ضراوة التي يعيشها قطاع صناديق التحوط الاستثمارية في العالم، فإن الهيئات التشريعية والتنظيمية شرعت في التدخل من أجل وضع قيود على تلك الصناديق المثيرة للجدل. فمع مطلع فبراير الماضي، ظهرت قوانين جديدة وضعت سقفا جديدا للكلف ولوائح الخضوع للمحاسبة بالنسبة إلى الكثير من الصناديق. فالمجلس الأميركي للأوراق المالية والبورصة يلزم، بموجب قوانين جديدة، معظم مديري «صناديق التحوط» بالتسجيل لديها في حال زيادة المستثمرين لديهم عن 15 مستثمرا أميركيا، ما يتيح لها إمكان مراقبة تلك الصناديق ذات الأعداد الكبيرة من المستثمرين بصورة لصيقة وعن قرب، وترك المجال أمام تلك الصناديق ذات الأعداد القليلة التي من المفترض أن تركز جهودها على البقاء في الأسواق.
وفعلاً تقول اللجنة إن أكثر من 2100 صندوق قامت بالتسجيل قبل الموعد النهائي من بينها صناديق أجنبية تضم مستثمرين أميركيين، فيما حصلت جماعات الضغط في الصناعة على إعفاء مؤقت من هذه القوانين لصالح الصناديق الأميركية، وليست الأجنبية، التي يقل حجم استثماراتها المدارة عن 25 مليون دولار لأجل أقل من عامين.
ويقول بعض مديري «صناديق التحوط» إن القانون الجديد يعني زيادة الكلف واحتمال التأثير سلبا على خلق استراتيجيات استثمارية جديدة، مشيرين إلى أن المجلس الأميركي للأوراق المالية والبورصة، يفتقد للموارد الكافية لمراقبة هذا العدد الكبير من الصناديق، كما أن المتطلبات الجديدة ستحول دون دخول مستثمرين صغار في تلك الصناديق
العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ