بدأت القصة في العام 2004، عندما انضمت البحرين إلى الحملة الإقليمية لحق المرأة في الجنسية، في ذلك الوقت بدأت الحملة أعمالها بناء على تضرر أقلية من النساء من قانون الجنسية الذي لا يمنح ابناءهن جنسيتهن البحرينية في حال تزوجن من أجنبي، ولم يكن في الحسبان أن يتم اكتشاف ظاهرة بدأت تنتشر في البحرين، وتحتاج إلى حل.
نعم، زواج البحرينية من أجنبي أصبح ظاهرة، وواقعاً ملموساً بشكل كبير، وبعيداً عن تقييم صحته أو خطئه، أو سلبياته وإيجابياته، علينا أن نتعاطى مع هذا الواقع بشكل عقلاني، لنستمع إلى فئة بدأ صوتها يعلو مطالباً، وشاكياً، وباكياً في أحيان كثيرة، صاحباته نساء بحرينيات، قدر لهن الزواج من أجنبي.
تترقب حملة الجنسية لأبناء الأم البحرينية بخوف وقلق، موعد الجلسة النيابية التي سيناقش فيها قانون الجنسية بتعديلاته الجديدة، وأخشى ما تخشاه الحملة، أن يتم تمرير القانون «على علاته»، بناء على ما يتوقع من النواب من تسريع إقرار مشروعات القوانين في نهاية دور الانعقاد وقريباً من الانتخابات. والحق أن قانون الجنسية البحريني، ضمن ما يعتريه من مشكلات، منذ إقراره في 16 سبتمبر/ أيلول 1963، منع أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي من الحصول على الجنسية البحرينية التي تكفل لهم إمكانية التمتع بحقوقهم الأساسية وقيامهم بالواجبات التي يقررها الدستور. فعلى رغم مرور أكثر من 40 سنة على صدور هذا القانون تخللها صدور أول دستور للبلاد فى العام 1973، فإنه على رغم التعديلات التى أجريت عليه في عامي 1981، 1989 ظلت المادة المتعلقة باكتساب الجنسية ما بين أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي وأبناء الأب البحريني المتزوج من أجنبية على حالها. فوفقا لنص المادة (4) من القانون والمستبدلة بموجب المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 1989 يتبين أن المشرع ميز بين الرجل والمرأة في مجال حق الجنسية فهو يقرر الجنسية لمن يولد لأب بحريني متزوج من أجنبية من دون قيد أو شرط، أما من يولد لأم بحرينية ولأب معلوم الجنسية فإنه لا يكتسب الجنسية إلا إذا كان أبوه مجهولا، أو لم تثبت نسبته إليه قانونيا، بل إن التعديلات التي تمت على هذه المادة بموجب المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 1989 ألغت حال حصول من يولد لأم بحرينية على الجنسية إذا كان أبوه لا جنسية له.
وعلى رغم أن وزارة الداخلية قدمت تعديلات مقترحة على قانون الجنسية في مارس/ آذار الماضي، ورفعت تلك التعديلات إلى المجلس التشريعي لمناقشتها والبت فيها، فإن هذا المشروع الجديد احتفظ بالبنود نفسها المتعلقة بمنح أبناء المرأة البحرينية الجنسية، بل إنه بحسب أعضاء الحملة، أضاف بنوداً أكثر تشديداً وصرامة.
المطلب القانوني والرئيسي الذي تسعى الحملة إلى تطبيقه والضغط من أجله، هو تغيير المادة رقم (4) من قانون الجنسية والتي تنص على أنه «يعتبر الشخص بحرينيا إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أبوه بحرينيا عند تلك الولادة»، بإضافة عبارة «أو كانت أمه بحرينية» ضمن نص المادة، حتى تتساوى الحقوق بين المرأة البحرينية والرجل البحريني في منحهما الجنسية لأطفالهما.
يقول المحامي حسن علي إسماعيل في هذا الصدد إن ما جاء في البند الأول من المادة السادسة من القانون نفسه لا يحل المشكلة إطلاقاً على رغم أن هذا البند المتعلق أساساً «بالبحرينيين بالتجنس» يعطي الملك الحق في منح الجنسية البحرينية لكل شخص كامل الأهلية إذا طلبها وتوافرت فيه شروط منها: الإقامة المشروعة المستمرة في مملكة البحرين مدة 25 سنة إن كان أجنبيا، و15 سنة إن كان عربيا، و3 سنوات إن كان من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي، مضافاً إليها «ويكتفى بنصف مدة الإقامة إذا كان مولودا لأم بحرينية بصفة أصلية أو متزوجا من بحرينية بصفة أصلية مضى على زواجه منها 5 سنوات وله منها ولد».
ويعلق اسماعيل على هذا البند بقوله إنه «للوهلة الأولى قد يفهم من هذا النص المعدل لقانون الجنسية، وبصفة خاصة عبارة (ويكتفى بنصف مدة الإقامة إذا كان مولودا لأم بحرينية بصفة أصلية) أنه عالج مشكلة أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي كما نشرت الصحافة أو كما كتب بعض كتاب الأعمدة في حين أن هذا النص لا يعالجها بل يزيدها إشكالا». ويضيف اسماعيل «ما يستفاد منه ضمن هذه المادة هو أن المولود لأم بحرينية بصفة أصلية يحصل على الجنسية لا بصفة أصلية بل بالتجنس، اي لا تنتقل جنسية والدته إليه، بل يمنحها إياه جلالة الملك ضمن شروط تضيف عراقيل جديدة برأيه.
ووفقاً للنص الجديد للقانون، فإن المولود لأم بحرينية كي يتقدم بطلب الحصول على الجنسية البحرينية بالتجنس عليه أن ينتظر حتى بلوغه سن الرشد (21 سنة)، بالإضافة إلى شرط الإقامة ومدتها «تختلف بين الأجنبي والعربي والخليجي». ويلقي اسماعيل الضوء هنا على مجموعة أسئلة في هذا الصدد، أهمها: منذ متى يبدأ تاريخ احتساب مدة الإقامة؟ هل يبدأ احتسابها منذ ولادته، أم قبل بلوغه سن الرشد أم بعد هذا البلوغ؟ أم أن هناك ثمة تناقض في النص ما بين اشتراط أن يكون كامل الأهلية وبين أن تتوافر في المولود من أم بحرينية بصفة أصلية مدة الإقامة التي يتطلبها النص وهي مدة أقصر من مدة سن الرشد؟
وتعليقاً على شروط الإقامة للحصول على الجنسية بالنسبة إلى أبناء الأم البحرينية، يقول اسماعيل إن النص المقترح من الحكومة لم يحدد تاريخ احتساب يبدء الإقامة التي يحتاجها المولود من أم بحرينية بصفة أصلية للحصول على الجنسية البحرينية، فإنه يمكن أن يفهم من الفقرة الأولى من النص أن احتساب إقامة المولود من أم بحرينية يبدأ من تاريخ بلوغه سن الرشد أي أنه يحتاج إذا كان أجنبياً إلى 21 سنة + 12 ونصف السنة إقامة. وهو ما يدلل على أن هناك ثمة تناقض في النص برأيه، وأن حق المولود من أم بحرينية في الحصول على جنسية والدته باعتباره حقا «أصيلا» «حرف» عن مساره و«حشر» في موضع غير موضعه، إذ نص عليه في البند المتعلق بأحكام «البحرينيون بالتجنس»، في حين كان يتعين أن يكون حقا اصلياً ينص عليه في البند المتعلق بأحكام «البحرينيون بالسلالة» وعلى وجه التحديد في المادة (4) من القانون.
في النهاية يؤكد اسماعيل أن النص بالكيفية المشار إليها لا يعالج المشكلات التي يعاني منها أبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني فحسب بل يميز بين المرأة والرجل في اكتساب أطفالهما الجنسية البحرينية، الأمر الذي يكرس برأيه تمييزا ضد المرأة البحرينية، وإخلالاً بحقها في المواطنة الكاملة وحرماناً لأطفالها من اكتساب الجنسية وهو الأمر الذي يتعارض برأيه مع أحكام الدستور والمواثيق الدولية.
وللتأكد من رأي الشرع الإسلامي في مسألة منح الأم البحرينية أطفالها الجنسية، وجهت «جهينة» السؤال إلى عالم الدين السيدكامل الهاشمي الذي أكد أن موضوع منح الجنسية لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي «ليس مورد بحث شرعي»، إذ إنه مسألة قانونية وتنظيمية بحتة، مؤكداً أنه لا ضير شرعياً إطلاقاً في منح الجنسية لأبناء البحرينية. ويأتي حديثه رداً على الرأي الذي يقول «باختلاط الأنساب» في حال تجنيس الأبناء على جنسية أمهاتهم.
انضمت مملكة البحرين للحملة الإقليمية لحق المرأة في الجنسية في نوفمبر/ تشرين الأول من العام 2004، فيما بدأت المشاركة الفعلية للبحرين في مايو/ أيار من العام 2005 إذ حضرت مندوبتان من جمعية البحرين النسائية الاجتماع الإقليمي الثالث للجنسية في بيروت، وتم تقديم التقرير الوطني للبحرين الذي تضمن قانون الجنسية البحريني وبعض الإحصاءات بشأن عدد البحرينيات المتزوجات من أجانب. يذكر أن الحملة الإقليمية للجنسية تضم تسع دول عربية، هي: مصر، لبنان، البحرين، الأردن، اليمن، الجزائر، المغرب، فلسطين، سورية».
وحملت الحملة في البحرين شعار «الجنسية حق لي ولأبنائي»، شاملة مجموعة من الشركاء تمثلوا في جمعيات نسائية، الاتحاد النسائي «تحت التأسيس»، بعض المحامين وبعض المؤسسات الإعلامية إلى جانب بعض النساء المتضررات أنفسهن. كما خاطبت الحملة مجموعة من الجهات لشرح أهدافها وعلى رأسها مجلسا الشورى والنواب والإدارة العامة للجنسية والجوازات والاقامة، إضافة إلى المجلس الأعلى للمرأة الذي تمكن أخيراً من مساعدة النساء المتضررات من القانون من اعطاء أبنائهن تأشيرة دخول إلى المملكة في المطار كتسهيل إجرائي بديل عن الإجراءات الحالية في منح التأشيرة، علاوة على منح الأبناء المقيمين إقامة ميسرة غير مشروطة ولمدة أطول عند رغبتهم زيارة المملكة بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات لإصدار وثيقة سفر لمدة محددة للأبناء في الحالات الخاصة وحق المرأة البحرينية بكفالة زوجها وأبنائها في الإقامة.
(أ) إذا ولد في البحرين أو في إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد تاريخ العمل بهذا القانون وكان أبوه بحرينيًّا عند تلك الولادة.
(ب) إذا ولد خارج إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد تاريخ العمل بهذا القانون وكان أبوه بحرينياً عند الولادة، على أن يكون هذا الأب أو جد الشخص لأبيه قد ولد في البحرين.
(ت) إذا ولد في البحرين أو خارجها بعد تاريخ العمل بهذا القانون وكانت أمه بحرينية عند ولادته، على أن يكون مجهول الأب أو لم تثبت نسبته لأبيه قانوناً أو يكون أبوه لا جنسية له.
منذ بدء عهد الإصلاح تركزت الجهود رسمياً وأهلياً على تمكين المرأة من جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وذلك تكريساً لما أكده دستور مملكة البحرين من تساوي المواطنين رجالاً ونساءً أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وتعتبر الحملة الوطنية لحق المرأة البحرينية في منح الجنسية لأبنائها أحد الجهود الأهلية الرامية إلى رفع معاناة البحرينية المتزوجة من غير بحريني وخصوصاً فيما يتعلق بمنح جنسيتها لأبنائها، وذلك بتعديل مادة (4) من قانون الجنسية الذي: «يعتبر الشخص بحرينيا إذا ولد في البحرين أو خارجها لأب أو أم بحرينية».
وهذا مطلب وحق أصيل للمرأة البحرينية يتوافق مع الدستور البحريني والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق المرأة كاتفاق مكافحة أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعتها مملكة البحرين، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة التاسعة من هذا الاتفاق على أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها. كما أن حرمان المرأة البحرينية من منح الجنسية لأبنائها يتعارض مع اتفاق حقوق الطفل والتي وقعت عليها المملكة أيضاً.
إن الجنسية حق لكل من ولد على هذه الأرض من أب وأم بحرينية على حد سواء، وفي حرمان الأم من منح أبنائها جنسيتها تمييز صارخ ضدها واعتداء على حقها كمواطنة كفل لها الدستور حق الأمان والاستقرار. يضاف إلى ذلك إحساس الأبناء برفض المجتمع لهم وما يترتب عليه هذا الإحساس من أضرار نفسية واجتماعية قد تعود بآثار سلبية عليهم وعلى مجتمعهم، مع أنهم ولدوا وتربوا في البحرين ولا يعرفون وطناً آخر غيره.
ومن خلال عملنا في الحملة الوطنية لحق الجنسية التقينا الكثير من الأسر البحرينية التي تعيش معاناة يومية - بعضها امتد إلى أكثر من 15 سنة - بسبب غياب هذا القانون، إذ تتجرع الأم البحرينية مرارة التمزق المستمر خوفاً من التفريق بينها وبين أبنائها في أي وقت، بالإضافة إلى ما تواجهه من إهدار لكرامتها وهي تتردد بين مكاتب الهجرة والجوازات في طلب تجديد الإقامة ووثائق السفر لأبنائها.
لقد توافقت الجهود الأهلية والرسمية على ضرورة إيجاد حل لإنهاء معاناة هذه الفئة من المجتمع، حل دائم ومكفول بقوة القانون، وليس حلولاً مؤقتة وفردية، ولقد استبشرنا خيراً حين عرض مشروع بتعديل لقانون الجنسية أمام مجلس النواب إلا أن ما جاء فيه لا يرقى إلى مطالب المرأة البحرينية بل إنه لم يتطرق إلى المادة (4) تماماً بل أمعن في تكريس التمييز ضد المرأة في مسألة حق الجنسية بتقييدها بالمزيد من الشروط والإجراءات، وأملنا اليوم في النواب الأفاضل النظر ملياً ودراسة القانون المطروح والعمل على تعديل المادة (4) وتحقيق المساواة للمرأة البحرينية في حقها بمنح الجنسية لأبنائها.
أميرة عيسى
عضو اللجنة الوطنية لحق الجنسية
مدينة عيسى - علي نجيب
يبدو أن المرأة وجدت أخيراً حليفاً لها يدعم عملها السياسي، بعدما يئست من تغيير موقف الرجل إزاء دخولها ومشاركتها له في الحياة السياسية، علاوة على خذلان نسبة كبيرة من النساء لها في التجربة الانتخابية السابقة والذي تمثل أساساً في الامتناع عن التصويت للمرأة والانسياق مع ما جرهن الرأي العام و(الشارع) إليه. وربما يكون هذا الحليف الجديد قادراً على تقبل فكرة مشاركتها ووجودها في الحياة السياسية ومواقع صنع القرار بشكل أكثر مرونة نظراً إلى طبيعته الخاصة. ويتمثل هذا الحليف الجديد في الجيل الجديد من الشباب، الذين عبروا من خلال الحلقة النقاشية الشبابية «واقع التمكين السياسي للمرأة من وجهة نظر الشباب» التي نظمتها لجنة الشباب التابعة إلى المجلس الأعلى للمرأة وبالتعاون مع برنامج التمكين السياسي للمرأة عن تقبلهم لفكرة مشاركة المرأة حين تكون الكفاءة هي معيار المفاضلة الوحيد بينها وبين الرجل.
وكانت الفعالية أقيمت يومي الأربعاء والخميس الماضيين في صالة جمعية رعاية الطفولة والأمومة برعاية رئيس مجلس النواب خليفة أحمد الظهراني. وابتكرت الحلقة النقاشية آلية جديدة تم من خلالها توزيع مجموعة المحاور المحددة على طاولات النقاش السبع، فيما عين رئيس لكل طاولة يقوم بإدارة الحوار، ومقرر يقوم بتسجيل أهم النقاط التي نوقشت في هذا المحور. بعد ذلك تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات أعطيت كل مجموعة منها 20 دقيقة لمناقشة المحور المختص بكل طاولة، فيما تم تبادل الأفكار والآراء في هذا المحور، لينتقل المشاركون إلى الطاولات الأخرى لمناقشة باقي المحاور المطروحة في كل منها، وهكذا.
وتبين من خلال نتائج النقاش في المحاور المحددة وجود الكثير من الصعوبات والتحديات التي تواجهها المرأة من وجهة نظر الشباب، وذلك في سعيها من أجل التمكن من ممارسة حقوقها السياسية. وكان أبرز هذه الصعوبات الأعراف المترسخة في أذهان أفراد المجتمع والتي عززت فكرة أن المرأة أقل شأناً وأقل قدرة على مواجهة المشكلات وتخطي الصعوبات والعقبات التي قد تواجهها، إضافة إلى جانب التأثير المرتبط بمؤسسات التعليم ووسائل الإعلام والجمعيات بجميع أنواعها الذي يعتبر دون المستوى المطلوب منه، وذلك لعدم وجود مناهج تعليمية ولا برامج أو فعاليات تشيع بين الناس الأفكار و المبادئ التي تحث على إعطاء المرأة حقها في العمل السياسي من وجهة نظر الشباب.
وفي النهاية وجد الشباب أن من واجب وسائل الإعلام تغيير هذه الصورة النمطية المشاعة في المجتمع، إلى جانب ضرورة فتح قنوات حوار مع رجال الدين كي يتمكنوا من نشر هذه المبادئ الحديثة في المجتمع عبر السلطة الروحية التي يمتلكونها على الناس، فضلاً عن واجب الحكومة إزاء تمكين المرأة ضمن مراكز صنع القرار والمناصب القيادية حتى تستطيع التأثير بصورة إيجابية في تقبل المجتمع لمسألة مشاركتها مع الرجل في صنع القرار السياسي والعمل على تطوير المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل.
الوسط - ندى الوادي
جلست بصمت، تحدثت بهدوء أولاً، ذاكرة قصة كفاحها الطويل للحصول على الجنسية البحرينية لطفلتيها، تحدثت بمنطق وعقلانية، لكنها لم تتمكن من أن تسيطر على نفسها طويلاً، فسرعان ما غالبتها دموعها، وهي تتذكر المرارة والألم الذي يعتريها كلما قامت بزيارة للإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة، أو للسجل السكاني، وكلما تذكرت أيضاً أن عليها أن تجدد مرة أخرى هذا العام، تأشيرة الإقامة لطفلتيها في البحرين، وقد ولدتا فيها وتربيتا، ولا تحبان أن تأكلا إلا أصناف الأطعمة محلية الذوق.
إنها فيفيا رجب، المتزوجة من أجنبي منذ 11 عاماً، وغيرها كثيرات، اختلفت تفاصيل حكاياتهن، ومضمونها، وإن اتفقن جميعاً على أن هناك مشكلة، ومشكلة كبيرة تعاني منها شريحة من النساء في البحرين، ويعاني منها أكثر أبناء تلك النساء، الذين يعيشون «غرباء في وطنهم».
تقول رجب: «لقد تزوجت في العام 1992 من رجل أميركي الجنسية، ورزقت منه بابنتين، سارة وتانيا، ومنذ بلغ عمر ابنتي الكبرى سنتين، اتجهت إلى الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة لأفتح ملفاً للحصول على الجنسية لها ولابنتي الثانية ذات الشهور الخمسة». وما لم تتوقعه رجب هو أن تستمر القصة طويلاً، ليمر على هذا الملف نحو عشر سنوات حتى وقت كتابة هذه السطور.
غير أن القصة لم تكوّن سلسلة حتى مع طولها، إذ صاحبتها عقبات لا حصر لها، أولها أن رجب كلما ذهبت إلى الإدارة وجدت أن ملفها غير موجود، وأن عليها أن تصدر ملفاً جديداً لمعاودة تقديم الطلب. تكررت هذه القصة مرتين جددت فيهما الملف بجميع أوراقه، ومازال ملف طلبها «بنسخته الثالثة» معروضاَ على الإدارة حالياً ولم يبت فيه بعد.
وتضيف رجب «تعبت وأنا اتصل بالإدارة لأسأل عما حصل للطلب، وأعتقد أن الموظفين ملوا كثرة اتصالاتي حتى حفظوا صوتي ومشكلتي».
وكغيرها من الأمهات اللاتي يعانين من عدم منح أبنائهن الجنسية، تضطر رجب بطبيعة الحال إلى أن تجدد لطفلتيها تأشيرة الإقامة، وتدفع رسوم المستشفيات لهما كأجنبيتين، ولا يمكنهما السفر حتى إلى المملكة العربية السعودية لأن منح التأشيرة للأجانب في السعودية صعب جداً وخصوصاً أن جوازيهما أميركيان.
اتجهت رجب إلى مجلس سمو الشيخة سبيكة بنت ابراهيم لتطلب العون، لم يسمح لها بالحديث عن قصتها، وإنما طلب منها كتابة رسالة وهي التي كتبت عشرات الرسائل السابقة من دون رد من أية جهة.
أحد التطورات المضحكة المبكية، هي أن رجب «بحرينية الجنسية» التي تعمل في السفارة الأميركية، وسطت السفير الأميركي السابق في البحرين لكي تتم إضافة ابنتيها إلى جوازها، حتى تتخلص من مشكلة التأشيرات للإقامة أو عند السفر، وتم لها ما أرادت «بوساطة السفير». ولكن بعد أن ضاع ملف الطلب للمرة الثانية في الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة، تم إخبارها بأنها لا يمكن أن تفتح ملفاً جديداً للطلب إلا إذا تمت تنحية ابنتيها من جوازها. اضطرت رجب بعدئذٍ إلى تنحيتهما لتقديم طلب آخر وفتح ملف جديد، «وكأنك يا بوزيد ما غزيت».
وعلى رغم أن أباهما أميركي، وجوازيهما أميركيان، فقد ولدت كل من سارة وتالا ( 12 سنة، و10 سنوات) في البحرين، واعتادتا الحياة فيها منذ طفولتهما، فصارتا حتى لو ذهبتا إلى الولايات المتحدة الأميركية في زيارة، تشعران بالغربة، ولا تتمكنان حتى من الأكل لاعتيادهما على أصناف الأطعمة البحرينية.
ولا تتمالك رجب نفسها لتقول بحدة «نحن النساء المتضررات أعدادنا قليلة، مقارنة بالأعداد الهائلة من الجنسيات التي تمنح جوازات بحرينية بكل سهولة، وهم غير مؤهلين أصلاً للحصول على الجنسية قانوناً، ويستفيدون من كل خيرات البحرين فيما نبقى نحن وأولادنا على الهامش». وتضيف «ما نراه من التجنيس الذي يتم لأشخاص غير ذوي أهلية، يشعرني بأنني وأطفالي وجميع النساء اللاتي في وضعي وأطفالهن، مظلومات».
وتعود رجب لتستدرك قائلة: «لم نقل لا تعطوا الجنسية لمن يستحقها فعلاً، ولكن ابدأوا بذوي الأولوية وأصحاب الحق فيها، فأطفالنا بحرينيون تجري في عروقهم دماء بحرينية، امنحوهم الجنسية أولاً ثم يمكنكم أن تمنحوا حتى «الفئران» جوازات إن أردتم». عند هذا الحد توقفت رجب لتقاوم موجة البكاء التي اعترتها، لتؤكد أنها تشعر بـ «القهر» من مثل هذه المعاملة في بلدها الأم، وتعلن يأسها من الحل بعد كل هذه السنوات.
تقول رجب: «طرقت كل الأبواب، الديوان الملكي، ديوان سمو الشيخة سبيكة، الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة، السجل السكاني، ولم أجد حلاً لدى أي منها، ولا أتوقع أن يأتي الحل من البرلمان إذ لديه الكثير من الأولويات التي يفضلها على تعديل قانون الجنسية».
كانت قصة رجب، إحدى قصص كثيرة استمعت إليها «جهينة»، بطلاتها نساء بحرينيات رفضت كثيرات منهن نشر أي من قصصهن، خوفاً من أن يعرقل هذا النشر طلباتهن للحصول على الجنسية في إدارة الجوازات. غير أن الحملة الوطنية بشأن «حق الجنسية لأبناء المرأة البحرينية» زودتنا بعدد كبير من النساء المتضررات اللاتي شاركن في نشاطات الحملة، تحمل كل منهن قصة لا تختلف عن الأخرى كثيراً في الجوهر، وإن اختلفت التفاصيل.
وبحسب الحملة، بلغ عدد النساء المتضررات من عدم منح الجنسية لأبنائهن نحو 180 سيدة، فيما توزعت جنسيات أزواج تلك البحرينيات على أعداد كبيرة من الجنسيات منها: الألمانية، الأردنية، الفلسطينية، الإيطالية، البريطانية، التونسي، اللبنانية، الكندية، اليمنية، السورية، الصومالية، المصرية، القطرية، كويتي «من دون جنسية»، إماراتي «من دون جنسية».
ولوهلة قد يبدو موضوع الحملة خاصاً جداً بفئة محدودة من النساء، إلا أن الأعداد الواسعة من النساء والجنسيات المتعددة التي يحملها أزواجهن تؤكد أن القضية أصبحت ظاهرة، وأن زواج البحرينية من أجنبي يحدث فعلاً بشكل واسع، وأن الأمر قد يتسع في المستقبل لو لم تطرح له حلول ناجعة.
سهيلة حبيب عواجي، تحمل قصة أخرى تقترب كثيراً من القصة السابقة، وإن اختلفت التفاصيل. فسهيلة تزوجت ألمانياً منذ حوالي 11 عاماً، ورزقت منه بأربعة أبناء، ولد وثلاث بنات تتراوح أعمارهم بين سنتين و11 سنة. واستقرت سهيلة مع عائلتها وزوجها في البحرين كل تلك المدة، إذ حرصت على تربية أبنائها تربية «إسلامية»، وعلى رغم أنهم يحملون الجنسية الألمانية، فانهم لا يعرفون اللغة الألمانية، ولا يشعرون إلا بالبحرين وطناً لهم.
تقول سهيلة: «المسألة ليست مادية، لا نريد أنا وزوجي أي مساعدات أو مصالح مادية من وراء الجنسية لأطفالنا، فقط نريد الاستقرار والشعور بالأمان». وتضيف «أشعر بالخوف على أبنائي كلما فكرت في المستقبل، فعلى رغم أنني حاولت تأمين المستقبل المادي لهم، واستطعت أن أبني لهم بيتاً هنا، فانني أخشى لو حصل أي شيء لي أن يتضرروا».
وتكرر سيناريو ضياع أوراق الجنسية لسهيلة، مثلما حصل مع فيفيا رجب، فقد ضاعت طلباتها التي قدمتها إلى الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة عدة مرات، وأوقفت في المطار ممنوعة من السفر مع طفلتها ذات العامين لأنها لم تجدد لها «الفيزا» للسفر.
غير أن سهيلة متفائلة بالتغيير، وتؤكد «أنا مقاتلة ولن أتوقف عن المطالبة بالجنسية لأبنائي، لأنها حق لهم».
(أ. م. ن) سيدة بحرينية أخرى متزوجة من كويتي «من دون جنسية»، يسكن زوجها الكويت منذ خمس سنوات، إذ لا يمكنه السفر من دون جواز، فيما تسافر إليه هي مع ابنتهما ذات السبعة أعوام التي منحت وثيقة سفر مؤقتة من الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة، تحتاج إلى تجديد مستمر. تقول ( أ. م. ن): «زوجي مقيم في الكويت لأنه لا يستطيع الخروج منها، وأنا أقيم مع أهلي في البحرين منذ خمس سنوات، أعمل لأعول نفسي وطفلتي، ولا يمكنني أن أعيش مع زوجي في الكويت لصعوبة الحياة التي يعيشها الأشخاص الذين لا يملكون الجنسية هناك». وتضيف: «أتمنى أن تحصل طفلتي على الجنسية حتى أتمكن من السفر والانتقال بسهولة، وقد وعدت بمنحها (الجنسية) منذ زمن، إلا أن المصادر الرسمية تقول إن الطلبات كثيرة وعليّ أن أنتظر دوري». إيمان القاضي سيدة أخرى متزوجة من فلسطيني، ولم تتمكن إيمان من إعطاء الجنسية لابنها الوحيد ذي الثلاث سنوات، الأمر الذي سبب لها مشكلات كثيرة في السفر والإقامة وحتى في العمل. انضمت القاضي إلى حملة الجنسية منذ سنتين على أمل التغيير في وضعها ووضع طفلها، بعد أن يئست من الرسائل التي قامت بإرسالها للنظر في قضيتها.
(ف) بحرينية أخرى تزوجت من مواطن سوري رزقت منه طفلان بنت وولد، يعمل زوجها في القطاع الخاص، وإقامته على وشك الانتهاء وعليه أن يغادر البلاد إن لم يتم تجديد إقامته، والمشكلة أن طفليها مع والدهما في الكفالة، ولو غادر يجب أن يغادرا معه، وعلى رغم أنها حاولت نقل كفالته باسمها فانها لم تتمكن من ذلك، فالبحرينية لا تستطيع أن تكفل زوجها غير البحريني، بينما يستطيع الرجل البحريني كفالة زوجته غير البحرينية حسبما أخبرتها إدارة الجوازات.
في النهاية نتساءل، هل يعتبر أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي «غرباء في وطن أمهاتهم»؟
«إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»
حديث شريف
كل مرة أروح فيها «جيان» في مجمع البحرين، «تنبط جبدي» وأرجع زعلانة ومتضايقة ومو قادرة أكلم أحد.
والسبب في هالموضوع لأني ما حصلت اللي أبي أشتريه، لأن جيان ما شاء الله فيه كل شيء، تروح قصدك تشتري من القائمة اللي سويتها وتعبت عليها في البيت، وتكتشف انك تجاوزت القائمة وخرجت عن النص وعبيت من اللي تحتاجه واللي ما تحتاجه.
ما علينا، نرجع لموضوع ضيقي لما أروح «جيان»، واللي يرجع أساساً لاكتشافي بأني ما أعرف الناس عدل في البحرين، واللي سبب لي عقدة نفسية «فيزيولوجية» لأني حسيت اني ما أعرف لا البحرين ولا البحرينيين.
يعني مثلاً، أتسوق في السوبرماركت، ويتسوق معاي مئات من البشر، العائلات والأفراد، وخاطري أصادف عائلة بحرينية «أصلية»، يعني من ضمن عشرات العائلات اللي أصادفها، ممكن أصادف عائلة أو عائلتين فقط بحرينيتين. والمصيبة أني ما أقدر أميز حتى هذي العائلات عن غيرها، يعني الملامح نفسها، الثياب نفسها، وحتى اللهجة أحياناً نفسها.
أحياناً، أتعمد أراقب الناس اللي تتسوق بكل «لقافة» علشان اكتشف هذي العائلة بحرينية أو لا، صارت مثل اللعبة عندي، أتقرب من العائلة و«أسوي» روحي أتفحص تاريخ الانتهاء على الأكل مثلاً - على رغم أني دائماً أنسى أتفحصه في الحالات الطبيعية - وأحاول أسمع المرأة شلون تتكلم مع زوجها، أو تنادي أولادها، علشان أكتشف هذي العائلة بحرينية أو لا؟ وأحياناً حتى خطتي الجهنمية هذي ما تنفع، لأن حدسي في مرات كثيرة كان يخيب، وتطلع العائلة اللي أظنها بحرينية، ذات أصول أخرى!
وهذي الاكتشافات ولدت عندي نوع من العقدة النفسية لأني بدأت أشك في كل شيء وكل أحد، حتى نفسي. وصرت أفكر، يا جماعة وين البحرينيين، انقرضوا من الدنيا؟
بلدنا عجيب والله، كل شيء فيه بالمقلوب، كل المقاييس معكوسة، صرت أفكر متى دخلت كل هذي الجموع الغفيرة من الأجانب إلى البحرين، واستوطنوا وعاشوا وصاروا منا وفينا، لا وبعد أحق منا في كثير من الأمور. والأمرّ من كل هذا، أن ما بقى لهم شيء ما حصلوه في هالبلد، حتى الجنسية.
من فترة كنت مسافرة، وكنت واقفة في المطار الصغير جداً والمحلي في بلد بعيد جداً عن البحرين، يعني باختصار فرصة أني أصادف شخص بحريني في هالمطار تعتبر واحد في المئة. وكانت أمامي في الصف عائلة آسيوية، طبعاً تكتشف الأصل من عدة أمور، اللبس، الرائحة، اللغة، المسألة ما فيها روح وتعال. والعائلة ما شاء الله كبيرة، يعني جدة وولدها وزوجته وأولادهم، يعني العائلة بأجيال متعددة، وطبعاً لطبعي في «اللقافة» كنت أراقبهم، ولسبب آخر أيضاً هو أني تمللت من الصف اللي كان طويل جداً. وأنا أراقبهم وقعت عيناي «على قولة الروائيين» على لون الجوازات اللي يحملها أفراد العائلة، واكتشفت أنه «أحمر»، وصرت أقول في نفسي: أي دولة هذي اللي لون جوازهم أحمر مثل لون جوازنا البحريني؟ وكانت المفاجأة أني اكتشفت ان جميع أفراد العائلة من أصغرهم إلى أكبرهم، يحملون جواز السفر البحريني، اللي كنت أحمله في يدي بكل فخر واعتزاز! وأنا اللي كنت واقفة في الصف «رزّة»، سحبت روحي وغيرت الصف.
أنثى
إن لم تعجبكم، فاحسبوها ثرثرة
العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ