العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ

أمن الدولة و«القطري» من عالم التجارة إلى غياهب السجون

«الوسط» تفتح ملف ضحايا الانتهاكات في حقبة أمن الدولة (15)...

بعيداً عن معادلات السياسة، وبعيداً عن كل المصالح والاتهامات المتبادلة في ملف الشهداء وضحايا التعذيب الذي فتح على بساط البحث، فإن لهذه القضية وجهاً إنسانياً لا يقبل التشكيك.

إنه حديث عن ضحايا كانوا ولايزالون يعانون، وكثير منهم لم يرتكبوا جرماً سوى المطالبة بحياة كريمة في ظل احترام الإنسان بصفته بشراً له كرامة وحقوق لا يفرط فيها.

لنبتعد عن السياسة قليلاً، وسنرى أن هناك واقعاً مأسوياً بكل ما للكلمة من معنى تعيشه عائلات بحرينية كريمة، بعضها فقدت حبيباً، وأخرى عانى أبناؤها من وطأة تعذيب في السجون والمعتقلات لفترات طويلة، وثالثة شرد أفرادها في أقطار الأرض.

«الوسط» تعرض ضمن مسلسلها المتواصل شهادات حية من عائلة بحرينية كان لها مع عهد أمن الدولة ذكريات مريرة لم تمح من ذاكرتها حتى الآن، وهي لا تزال تعاني بسبب القبضة الأمنية المحكمة التي كتبت لها رواية حزينة اختطت بحلم مواطنين كان جرمهم أن حلموا بوطن يحيا فيه الأمل. اليوم نحن مع حكاية مازالت تمثل أمام ناظر صاحبها لأن الأجهزة المعنية في الدولة ما زالت تماطل في إنهاء معاناة بدأت مع الضحية من قبل جهاز أمن الدولة حينما قامت تلك الأجهزة بمداهمة محلات الضحية التي هي مصدر رزقه وقامت بعدها وزارة البلديات بإقفالها، اليوم نحن مع قصة إنسان رفض كل أنواع التهديد وهو يقول لست إلا صاحب مطالب شرعية، نحن اليوم مع قصة المواطن ميرزا إبراهيم القطري الذي يعمل تاجراً للخضراوات والفواكه وهو صاحب (مؤسسة القطري لبيع الخضراوات والفواكه الطازجة) وهو من سكنة منطقة المصلى.

الاعتقال

يروي لنا القطري حكايته مع أجهزة أمن الدولة منذ اللحظة التي هاجمت فيها تلك القوات محلاته وأغلقتها وقامت باعتقاله، وتشير التفاصيل كما يرويها إلى أنه «وفي الرابع والعشرين من شهر أبريل/ نيسان من العام 1996 وفي تمام الساعة التاسعة صباحا داهمت قوات الأمن مكتب القطري لبيع الخضراوات والفواكه، وقد أخبرني المسئول عن القوى الأمنية انني مطلوب لدى جهاز أمن الدولة»، مشيراً إلى أن «قوات الأمن قامت بتفتيش المكتب تفتيشا كاملا وحصلت خلال عملية التفتيش على ورقتين كانتا تتحدثان عن المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية إلى البحرين، كما قامت قوات الأمن باعتقال جميع الموجودين في المكتب»، موضحاً «وبعد اعتقالي وتقييد يدي وحجب الرؤية عني بقطعة قماشية وضعت على عيني تم اقتيادي إلى المنزل وقامت قوات الأمن باقتحام المنزل وبعد تفتيش المنزل كانت غرفة النوم مقفلة وطلب المسئول من القوى الأمنية من قواته كسر الباب إلا أنني طلبت منه الانتظار حتى تأتي زوجتي ومعها المفتاح لكنه رفض الطلب وقام بإعطاء أوامره لقوات الأمن التي قامت بكسر الباب»، مردفا «لكن قوات الأمن وبعد عمليات التفتيش التي لم تحصل فيها على أي شيء تبحث عنه وعند خروجها من المنزل قام أحد أفرادها بصفع الخادمة لأنها تبكي».

نقل بعدها القطري إلى مركز شرطة القضيبية وطلب منه الضابط المسئول في المركز كتابة إفادته، وبحسبه «لقد كتبت في الإفادة إنني أؤيد ما يطالب به أصحاب المبادرة من مطالب شعبية وعلى رأسها تفعيل الدستور وإلغاء قانون أمن الدولة»، مردفا «وأوضحت في إفادتي سبب مشاركتي في بعض المنشورات التي لم تكن تتعدى المطالب بالإضافة إلى ما أراه من تعد سافر لرجال الأمن الأجانب على حرمة المنازل وإنزال العقاب الجماعي»، موضحا «ولقد تم إيقافي مع جميع من أخذوا من المكتب، بالإضافة إلى عدد من الأشخاص».

وأضاف القطري «وبدأت بعدها مرحلة التعذيب وكانت البداية بالوقوف طويلا دون التمكن من الرؤية كما منعت ومن معي من النوم وكانت فترة تناول الطعام هي دقيقتين فقط، ووصل الأمر إلى منعنا من أداء الصلاة في بعض الأوقات»، مشيراً إلى أن «المسئول عن قوى الأمن التي داهمت مكتبي قام بتقديم منشورات إلى الضابط المسئول عن التحقيق في اليوم الثاني لاعتقالي وكانت هذه المنشورات بها مطالب أنا لا أتبناها ولم تكن موجودة في مكتبي أو حتى منزلي، وقلت إنني لست مع هذا الاتجاه أنا مع عودة العمل بالدستور ومع ما يطرحه أصحاب المبادرة وأرفض نهج هذه المنشورات ما دعا المسئول إلى ضربي»، موضحا «لقد تم نقلنا إلى مبنى التحقيقات الجنائية وبعد وطوال خمسة أيام تقريباً أخذ الضابط المسئول عن التحقيق يكتب الإفادة كما يشاء لنأخذ بعدها للمثول أمام قاضي التحقيق في مبنى وزارة العدل».

وأردف قائلا «لقد هددني ضابط الادعاء بأن علي الاعتراف بحيازة الأسلحة وإلا (...)، وقام قاضي التحقيق بسؤالي عن بعض الأوراق التي أخذت من منزلي وهي أوراق الدراسة الخاصة بزوجتي، لكن قاضي التحقيق وجه كلامه إلى قوات الأمن قائلا (خذوه هناك وتفاهموا معه)»، مشيراً إلى أن «قوات الأمن قامت بنقلي مجددا إلى مبنى التحقيقات الجنائية وتم وضعنا في زنزانة يرثى لها وكان أحد نزلائها يحمل الجنسية الآسيوية وهو مصاب بالإيدز». وشملت المعاملة السيئة التي لاقاها القطري إلى حد حرمانه من العلاج من التهاب في الكلى، كما تعمدت بحسبه إدارة السجن إدخال بعض الموقوفين وعددهم 21 إلى الزنازين على رغم إصابتهم بمرض الجرب الذي انتقل للجميع، منوها إلى أن «المرض لازمني حتى بعد عام كامل من إطلاق سراحي كما انتقلت العدوى إلى زوجتي وأبنائي».

بعد فترة نقل القطري للتحقيق معه في جهاز المخابرات التابع لأجهزة أمن الدولة، وذكر «أن هذه الفترة كانت أقسى فترة تعذيب تعرضت لها حيث بدأ التحقيق معي (ضابط معروف لدى الجميع)، إذ قال لي إن شخصا اعترف علي بأنني أملك معلومات عن أسلحة خبأها أحد المتهمين في قضية 73 منذ العام 1980، وذلك قبل خروجهم من البحرين والآن نريد منك أن تدلنا على الأسلحة، لكني رفضت هذا الاتهام طالبا منهم طفلا يبلغ من العمر 6 سنوات يقول هذا الكلام وسأعترف إلا إنهم أخذوني إلى صالة وقاموا بتعذيبي باستخدام أساليب مختلفة بعدها تم إرجاعي لمبنى التحقيقات الجنائية».

في الرابع عشر من يونيو/ حزيران من العام 1997 حكمت محكمة أمن الدولة على القطري بالمدة التي قضاها رهن الاعتقال وهي 14 شهرا مع تضمين الحكم إعادة جهاز الكمبيوتر والمعلومات الموجودة فيها وهي المعلومات الخاصة بعملي التجاري. وبعد خمسة عشر يوما من تاريخ الحكم تم إطلاق سراحي لكن بشرط أن أوقع يوميا على محضر وضع خصيصا لذلك، وبحسبه فإن الأجهزة ذكرت له أن ذلك لن يستمر أكثر أسبوع إلا أن الأمر استمر لمدة عام كامل.

الحصار مستمر

لم تكتف قوات أمن الدولة بسجن القطري أو تعذيبه بل قامت بإغلاق محلاته التي ترفض وزارة البلديات والشئون الزراعية تعويضه عنها حتى اليوم. ويواصل القطري حكايته ويلخص ما جرى لمحلاته.

- بعد إغلاق مؤسسة القطري لبيع الخضراوات والفواكه أخذ القطري إلى المكتب وتم تسليمه لأحد الأشخاص هو (ن.ع)، بعدها أغلق المكتب في اليوم الثاني وأصدرت إدارة التحقيقات الجنائية أمرا بغلق المكتب للتحفظ على الموجودات.

- في الرابع عشر من شهر مايو/ أيار 1996 استغلت إدارة الهيئة البلدية المركزية هذا الأمر وقامت بتهديد العمال الموجودين بمحلات بيع الجملة وأمرتهم بإخلائه خلال ساعتين وإلا قامت بمصادرة الموجودات إن لم تخل المحلات على رغم أن هذه المحلات تقع في مبنىً آخر لا علاقة له بموضوع دعوى أمن الدولة.

- بعدها حاول المحامي إيقاف الأمر إلا انه لم يفلح في ذلك حيث ذكر وزير الإسكان والبلديات آنذاك أن أمر الإغلاق جاء من أجهزة أمن الدولة، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع أوراق وزارة الداخلية.

- قامت وزارة الداخلية في الفترة نفسها بالإيعاز إلى كل من إدارة الهجرة والجوازات وإدارة الجمارك والموانئ بوقف النشاط التجاري ومنع دخول الشاحنات، وإعادتها من حيث أتت ومنع السواق الأجانب من دخول البلاد إذ وضعوا في قائمة الممنوعين من دخول البلاد حتى هذه الساعة.

- في الأول من مايو أرسلت إدارة الهيئة البلدية المركزية استمارة إلى إدارة خدمات المشتركين بوزارة الكهرباء والماء تطلب فيها قطع التيار الكهربائي وإلغاء حساب الإيجار عن جميع المكاتب والمحلات الخاصة بالقطري، وحصل ذلك قبل إخطار عائلته بذلك والتي لم تخطر إلا في الثاني من يونيو/حزيران 1996 أي بعد اتخاذ إجراءات الإغلاق كافة، كما نص الإبلاغ على أن إلغاء العقد سيكون في الأول من يوليو/ تموز 1996 أي بعد شهرين من إبلاغ وزارة الكهرباء عن أمر قطع الكهرباء وإلغاء حسابات المحلات. وأشار القطري إلى أن «الإشعار كان يتعلل بأن صاحب المحلات وهو والدي قد توفي وبالتالي فهو لا يدير المحلات بنفسه وهذا يخالف نص العقد المبرم مع الهيئة، إلا انني استغرب من ذلك فالمكاتب التي أغلقت هي بإسمي، أما المحلات التي كانت مسجلة باسم والدي إبراهيم حسين القطري المتوفى في العام 1987 فقد طلبت تحويلها بإسمي وكنت أديرها منذ وفاة والدي حتى العام 1996». موضحا «لقد قمت برفع قضية على وزارة البلديات والزراعة التي قامت بتهديد الشاهد وأسلمكم إفادة الشاهد بشأن تهديده والتي تحوي توقيعه، لأقوم لاحقا بسحب الشكوى لأن التهديدات طالت صاحب العمل الذي أعمل عنده»، مردفا «أن أجهزة البلدية قامت بسحب المحلات التي تشكل عصب المؤسسة بالإضافة إلى المكاتب وأبقت على 3 محلات صغيرة ما يدل أنها كانت تستهدف ضرب المؤسسة في عصبها الأساسي وهو تجارة الجملة، وقامت بسحب المكاتب للتطوير إلا أنها عرضتها للإيجار ولم تقم بتطوير المبنى الذي به المكاتب إلا بعد 3 سنوات».

وأضاف القطري «قامت البلدية بتوفير محلات بديلة للمستأجرين إلا أنها استثنتني من ذلك، كما أن الوزارة تجاهلت المادة الثانية عشرة في عقد الإيجار التي تنص على أن (أي خلاف قد ينشأ بين المؤجر والمستأجر حول ما يتضمنه هذا الاتفاق من شروط فانه سيحال إلى السلطة القضائية بالبحرين للنظر فيه وفقا للقوانين المرعية في البلاد)، إذ انها لم تلجأ للقضاء في إغلاق المحلات»، موضحا «لقد دخلت بعدها في سجال مع الوزارة وقمت بالكثير من المراسلات وقد وعدني وزير البلديات السابق جواد سالم العريض بتعويض عيني عن ما لحق بي إلا أن الوزير خرج من الوزارة بعد إجراء أحد التعديلات الوزارية، وضاع الوعد في الهواء»، مشيراً إلى أن «الوزارة تماطل في الأمر وتتمسك بعدم تعويضي بحجج واهية، ولكني لم أتوقف إلى أن طلبوا مني إرسال تقديم طلب وسيقوم وكيل الوزارة بعمل اللازم إلا أن طلبي قوبل بالرفض من قبل المدير العام لبلدية المنامة والذي طلب مني الانتظار وجرى ذلك قبل أربعة أعوام».

اعتصام اليوم

وقدم القطري طلبا في السابع عشر من الشهر الجاري إلى مديرية أمن العاصمة للاعتصام بالقرب من وزارة البلديات والشئون الزراعية في الرابع والعشرين من أبريل/ نيسان 2006 الذي يصادف اليوم إلا أن مديرية الأمن استدعتني للحضور اليوم. يشار إلى أن الاعتصام يأتي بمناسبة مرور عشرة أعوام على إغلاق المحلات والمكاتب

العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً