العدد 3185 - الجمعة 27 مايو 2011م الموافق 24 جمادى الآخرة 1432هـ

السودان ينتج الإيثانول من قصب السكر

أثار توسع الحكومة السودانية في إنتاج الوقود الحيوي من قصب السكر جدلاً واسعاً، وخصوصاً بعد قرار وزير الصناعة عوض أحمد الجاز مؤخراً تشكيل لجنة لتطوير صناعة الايثانول. وفي حين يأتي القرار ضمن خطة متكاملة للتوسع في زراعة قصب السكر وفتح مجال الاستثمار الصناعي، فإن هناك آراء أخرى تؤكد الحاجة الى دراسة هذه الخطة قبل تنفيذها، لتأثيرها على نقص المياه، وزيادة المخاوف من تسبب إنتاج الوقود الحيوي في ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتهديد الأمن الغذائي.

وطبقاً لقرار الوزير، فإن اللجنة التي تم تشكيلها مكونة من وزارتي الطاقة والصناعة وشركتي «سكر كنانة» و «جياد للسيارات»، ومطلوب منها إجراء الدراسات الفنية والاقتصادية وبحث الخيارات المتاحة والاستفادة من المشاريع المستقبلية في قطاع السكر، لإعطاء قيمة مضافة لصناعته واستغلال المولاس (الدبس أو عسل السكر) وتطوير صناعة الإيثانول والاستفادة من الخبرات والإمكانات المتاحة، في سبيل الدفع بالصناعة السودانية.

مصدر القلق من هذا القرار أن الوقود الحيوي كان من أهم أسباب زيادة الطلب على السلع الزراعية الأساسية في السنوات الأخيرة، حيث يستهلك إنتاجه حالياً نحو 7 في المئة من الحبوب الخشنة على مستوى العالم (سترتفع إلى 12 في المئة بحلول 2018)، و9 في المئة من الزيوت النباتية عالمياً (سترتفع الى 20 في المئة بحلول 2018)، و2 في المئة من الأراضي المحصولية عالمياً (سترتفع إلى 4 في المئة بحلول 2030)

وعلى رغم أن تنمية صناعة الوقود الحيوي، وخاصة الايثانول، تهدف بالأساس الى توفير طاقة أرخص وأنظف، فإن هذا الرأي أصبح مثيراً للجدل بسبب الآثار الجانبية لهذه الصناعة، ومنها التلوث المصاحب لعملية إنتاجه واستهلاك كميات هائلة من المنتجات الزراعية الغذائية، ما يهدد بأزمة كبيرة في الغذاء، بل اعتبر البعض أن تقديم دعم للفلاحين لينتجوا محاصيل تستخدم لتصنيع الوقود الحيوي بدلاً من الطعام هو عمل «إجرامي».


ماذا يقول الخبراء؟

يعتبر عضو هيئة المستشارين لقطاع البيئة في مجلس الوزراء السوداني تاج السر بشير عبدالله، أن «هناك تساؤلات مهمة يجب الإجابة عنها أولاً، أبرزها: هل نحن حالياً بحاجة الى الوقود الحيوي؟ ومن ناحية تحقيق الأمن القومي الغذائي، هل ننتج غذاء أم نستورده؟ وهل نستورد الغذاء ونحن ننتج الوقود الحيوي؟»، ويضيف: «ربما تكون فكرة إنتاج الوقود الحيوي استراتيجية مقبولة في المستقبل، لكن هل هي أولوية الآن؟ وهل إنتاجه يؤثر على حاجات الغذاء الملحة حالياً؟ هذا أمر يجب دراسته وإجراء تقييم اقتصادي واجتماعي وبيئي له».

ويلفت عبدالله الى أن حاجة قصب السكر الى المياه عالية جداً، متسائلاً: «لماذا لا ننتج نباتات أخرى في الأراضي الجافة وغير الخصبة تكون أقل حاجة للمياه، مثل نبات ساليكورنيا الذي يمكن زراعته على الشريط الساحلي للبحر الأحمر ويستخدم في ريه ماء البحر، وهو يخرج نسبة زيت عالية».

أما المنسق القومي لمكافحة الجفاف والتصحر في وزارة الزراعة الاتحادية صلاح الدين عبدالله العبيد، فيرى أن الحل لمشكلة الطاقة في السودان «يكمن في استغلال الطاقة الشمسية الهائلة التي يتمتع بها إذا ما توافرت التقنية والأموال اللازمة لاستغلالها، ففي هذه الحال ستكون البلاد في أمان من أي ضغوط تستغلّ حاجتها إلى الطاقة»، لافتاً إلى أن طاقة الرياح يمكن الاستفادة منها في الشمال فقط، إذ إن الجنوب وأواسط البلاد لا تتمتع بالرياح السريعة اللازمة لإنتاج الطاقة.

من جهة أخرى، يدافع مدير عام شركة «كنانة» للهندسة والخدمات الفنية ملهم محمد الحسن، عن إنتاج الايثانول من قصب السكر، قائلاً إن شركة كنانة وصناعة الإيثانول في السودان عموماً تعتمد أساساً على مخلفات صناعة السكر من المولاس، الذي كانت الشركة تستهلك جزءاً منه ويصدر معظمه الى الخارج، وهو بالتالي ليس خصماً لإنتاج الغذاء في السودان. ويضيف أن مشكلة العجز الغذائي في السودان تعود أساساً الى القصور والتدني في عمليات الإنتاج، ما يؤدي الى قلة الإنتاجية وعائد المحصول في الفدان الواحد.

ويشير الحسن الى أن إنتاج الإيثانول يأتي ضمن خطة استراتيجية كاملة لصناعة السكر، توفر فرصاً وبنى تحتية للعديد من الصناعات التحويلية الأخرى، كما توفر عمالة، ما يساهم في النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي ويزيد من الصادرات غير النفطية ويوفر عملات حرة تحتاج إليها الدولة بقوة.

جدير بالذكر أن اقتصاد السودان يعتمد بشكل كبير على النفط الذي ينتج منه نحو 500 ألف برميل يومياً.


مصدر عالمي للإيثانول؟

حتى الآن، المصنع الوحيد الذي ينتج وقود الإيثانول الحيوي في السودان هو مصنع كنانة في ولاية النيل الأبيض على بعد 340 كيلومتراً جنوب ولاية الخرطوم، وتم افتتاحه في أبريل/ نيسان 2009. وقد صممته وصنعت معداته شركة «ديديني» البرازيلية المتخصصة بصنع آليات مصانع السكر والكحول. واعتبر رئيس مجلس إدارتها سيرجيو ليمي أن هذا المصنع الأول في المنطقة سيكون تأشيرة دخول الشركة الى السودان وإفريقيا. وفي ديسمبر/ كانون الثاني 2009 أبحرت أول شحنة من الإيثانول السوداني الى ميناء روتردام في هولندا، وهي خمسة ملايين ليتر اشتراها الاتحاد الأوروبي بسعر 450 يورو (650 دولاراً) للمتر المكعب، وفق خطة لشحن كمية مماثلة كل شهر.

ولكن في إطار تنفيذ خطة السكر الكبرى في البلاد، الهادفة الى إنتاج 10 ملايين طن سكر سنوياً خلال السنوات القليلة المقبلة، تم التخطيط لتأسيس العديد من المصانع لإنتاج السكر والوقود الحيوي. وأكدت دراسة أعدتها شركة سكر كنانة أن «السودان يملك مقدرات وإمكانات علمية وطبيعية تؤهله لأن يتبوأ مركزاً متقدماً في مجال إنتاج الوقود الحيوي عالمياً. وتوافر محصول قصب السكر في مساحات شاسعة من البلاد، بالإضافة الى المشاريع المستقبلية لإنتاج السكر، يؤمن مدخلات الإنتاج لهذه الصناعة».

وتدعم الدولة صناعة الإيثانول عبر العديد من القرارات والتشريعات، منها تبني وزارتي الصناعة والطاقة سن تشريع يسمح بمزج الوقود الحيوي مع البنزين بنسبة 5 في المئة كحد أدنى، واستعماله بنسبة 100 في المئة للسيارات ذات المحرك المزدوج، وإعفاء صناعة الإيثانول خلال المرحلة الأولى من الضرائب والرسوم كافة، إضافة الى تشجيع استيراد السيارات التي تستخدم الوقود الحيوي عبر تخفيض رسوم الترخيص

العدد 3185 - الجمعة 27 مايو 2011م الموافق 24 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً