لم يكن لأحد (حتى لو كان من أشد المتشائمين) أن يتوقع خروج الأرجنتين والبرازيل من «كوبا أميركا» بخفي حنين، على الأقل كان الجميع يأمل في ظهور أحدهما في نهائي المسابقة لكن شيئا من هذا لم يحدث. وكأن الزمن يثأر من عشاق «التانغو» و»السامبا» على الأقل في هذه البطولة فقط.
الأخيرة وإن ظهرت لنا بصورة تنافسية قوية أثبتتها نتائجها التي كبدت منتخبات كبيرة وعريقة في القارة الأميركية الجنوبية هزائم مذلة وقاسية، إلا أنها باتت أقرب لدى مشاهد الكرة الساحرة في ظل الهدوء الذي يسيطر على أجواء الدوريات الأوروبية مقابل اشتعال سوق لاعبيها والتي بإمكاننا القول إن أكثر من 50 في المئة من هذه الصفقات يكون أصلها بطولة أميركا الجنوبية.
ما تخرجه «كوبا أميركا» في كل مناسبة تجرى على الأراضي اللاتينية ليس بالسهل، من مواهب، من نجوم، من فنيات، ساعدت وستساعد في المواسم المقبلة على تهيئة أرضية مناسبة لمشاهدة عالم كروي فني متكامل -والكمال لله وحده- على أعلى وجه. أوروبا هي المستفيد الأول، أما النوادي اللاتينية فإنها تغرد وتغرد حتى أعلى حد يمكنها فيه أن ترفع سعر لاعبيها، لتكون بذلك مصرفا يخزن أموال أوروبا الطائلة.
هنا يفرض مصطلح «التكامل الكروي» نفسه، فمن جانب أوروبا عليها ألا تكتفي بالاستفادة من لاعبي أميركا الجنوبية فقط إعلانيا وفنيا في المنافسات الكروية، بل تسعى إلى أن تنقل خبرات هؤلاء إلى لاعبيها وتعمل على تقوية القاعدة لديها، لكي تكون ذات قاعدة كروية قوية يمكن الرجوع إليها في أي ظرف من الظروف التي تمر على أي كيان رياضي كروي، فمعروف أن التدرج عبر الفئات السنية يبقى عاملا مساعدا في التوقيع على نجومية اللاعب وبروزه المبكر.
من الجانب الآخر، الدول اللاتينية يقع على عاتقها أن توظف المال العائد من صفقات لاعبيها توظيفا جيدا، من خلال بناء منشآت جديدة والعمل على تطويرها وهو ما يندرج تحت مسمى «البنية التحتية الرياضية»، فما نشاهده وشاهدناه في ملاعب الأرجنتين على سبيل المثال التي تحتضن بين ربوعها حاليا البطولة الثالثة والأربعين لكأس أميركا الجنوبية لا يليق بدولة كبيرة على مستوى كرة القدم، توجت بكأس العالم، وأخرجت لاعبا «خياليا» وهو مارادونا، وآخر هو ميسي. زد على ذلك بأن الهيئة الإدارية للدول اللاتينية تتسم بحالة من الضعف، والتنظيم في مباريات «كوبا أميركا» خير دليل، ولست هنا بصدد التركيز على الأرجنتين، لا بل حتى البرازيل نفسها تواجه ضغوطا من الاتحاد الدولي للعبة بخصوص تأخر إنشاء المنشآت، هذا الأمر ينذر بوجود مشكلة ما في هذه القارة بالذات عليهم تخطيها في أسرع وقت، من أجل مصلحة المجتمع الكروي بالدرجة الأولى.
ذكر أطروحة إمكانات اللاعبين الأوروبيين، أمر وارد، وتوضيحه يستوجب إبراز أمرين، الأول: أن لاعبي أوروبا بكامل قدراتهم وبكل الاحترام لآخر بطلة لكأس العالم (إسبانيا) ليسوا بأولئك اللاعبين الذين يستطيعون التكيف مع ما يحصل من متغيرات على الساحة الكروية، ولذكر مثال على ذلك هو استفسار عن وجود لاعب من القارة «العجوز» في أحد الدوريات اللاتينية ومدى نجاحه؟ الإجابة وإن كانت نعم إلا أنها بعدد قليل وبصفة «شاذة» أن أمكن القول، فاللاعب الأوروبي لا يحبذ أن يبقى بعيدا عن وطنه وأهله، يحب أن يكون بين عشاقه، عكس اللاتيني الذي على رغم قوة المنافسات في دوريات بلاده جماهيريا وفنيا، إلا أنه عاشق للتحديات الكروية، فتجده يشرع في رحلة «مكوكية» يتنقل من خلالها من ناد أوروبي إلى آخر. أما الأمر الثاني، فهو يتعلق بالجانب المادي، على الرغم من إمكانات اللاعبين الأوروبيين العالية إلا أنهم يجدون ضالتهم ماديا في دولهم أو على الأقل في الدول المجاورة، وهو ما يساعد على بقاء اللاعب في قارته دون أن يحمل نفسه عبء تحمل البعد عن الوطن للعب بصفة «محترف» خارج قارته.
إن طرح مصطلح كمصلح «التكامل الكروي» يعد أمرا غريبا مثير للدهشة، لكن المتأمل في جوانبه الكثيرة والمتفرعة، وخصوصا في مجال المنافسة على الألقاب الكروية في المناسبات العالمية، فمرحبا بكرة أجمل وبكرة أمتع وبكرة أحلى إذا كانت على حساب خروج كبار الكرة، فعاجلا أم أجلا نستطيع أن نثبت لأي كان أن هذا التكامل قادم لا محالة للتطوير أكثر وأكثر، فأميركا اللاتينية ولادة، وكذلك أوروبا وبكامل قدراتها ولادة، تنتظر أي ضوء أخضر يمكنها من الدخول في عالم جديد يهيئ نمطا مبتكرا لكرة القدم، نمطا يسير بخطى ثابتة نحو التطور اللانهائي، وهو ما يعود على الجميع بالمتعة الكروية.
أحمد مهدي
العدد 3237 - الإثنين 18 يوليو 2011م الموافق 16 شعبان 1432هـ