أن تقف أمام خشبة المسرح وتنطلق بفكرك في أنماط وأساليب المسرحيين وفنهم الذي يبكيك وفي الوقت نفسه إن أراد أضحكك، وأن تأخذ تفكيرك في التأمل بكل ملامح وجوههم وهم يصطنعون الفرحة وأخرى يمتزجون بلباس الحزن، كل ذلك أمامك سهل لكن أن تقف على المسرح وتصنع ما يصنعون من فن ذلك شيء آخر، قد يحتاج إلى سنوات أن تبقى وراء الستار حتى تتمكن من العبور إلى أمامه.
فماذا لو كنت أمام مسرحي مخضرم ومبدع إنساني عالمي عاش سنوات حياته الثقافية العربية في الفن المسرحي نصف قرن، مخلصاً لفن وأدب المسرح ومن أبرز مبدعي الفن المسرحي وهو القائل «حاولت كتابة التراجيديا لا للوصول - إلى مسارح هوليود - لكن لأعطي لفن المسرح وكتابته طعماً يجد فيه المشاهد متعة ولذة فنية ووجدانية».
لأن أبوح لكم برصيده وإبداعه وما حققه من أعمال مجده اكثر من أن اعترف لكم باسمه، لا لأنكم تعرفونه بل لأني أريد أن أتوقف عند رصيده الإبداعي والتعرف على ما حققه في هذا الرصيد الفني.
فإنه بدأ حياته مثقفاً عضوياً يؤمن بمسئولية المثقف تجاه مجتمعه، ويرفض منطق البرج العاجي للمثقفين، الذي كان قد ساد، بين المثقفين والمبدعين العرب، واندمج فيه كشاب في منظمات يسارية وتم اعتقاله مع حشد من المبدعين والمثقفين والفنانين والصحافيين الشيوعيين وامضى جميعهم خمس سنوات منذ العام في معتقل الصحراء الغربية المصرية الواحات.
وفي منتصف الستينات خرج هذا الحشد من الكتاب والثوار ليشارك في قيادة العمل الوطني في مختلف مجالات الحياة الثقافية والعامة في مصر... وكان الفريد فرج من المسئولين الجدد عن المسرح في ذلك الوقت.
وفي زمن الانفتاح الساداتي... والانهيار والاستسلام واتفاق كامب ديفيد مع «اسرائيل» وجد الفريد فرج نفسه منفيا بإرادته... وغادر مصر ليعيش في لندن طوال السنوات الثلاثين الأخيرة... وان لم تنقطع به الصلة مع مصر خلال السنوات العشرين الأخيرة.
وهو آخر رواد الكتابة المسرحية الكبار من جيل نعمان عاشور، يوسف ادريس، سعد الدين وهبة... وميخائيل رومان وغيرهم.
لا بد أنكم عرفتموه...
سجل الكثير من المشاركات والنشاطات واللقاءات وحصل على الكثير من الدروع والهدايا الفنية، وتلقى دعوات إلى المشاركة في حوارات فكرية ثقافية إنسانية مسرحية في مختلف عواصم العالم، وحتى سقوط الستار الأخير لمسرحياته الحافلة بالجديد، لم يوقف دور حياته الإبداعية المسرحية التي يصعب حصرها الآن، ويمكن المرور على أبرز ما فيها... منذ سقوط فرعون... إلى حلاق بغداد.. إلى الزير سالم. و علي جناح التبريزي وتابعه قفة... سليمان الحلبي وعسكر وحرامية... النار والزيتون.
وبلغت مسرحياته أكثر من أربعين مسرحية.. عدا الكثير من الكتب والأبحاث والمؤلفات، وعرضت أولى مسرحياته بعنوان «سقوط فرعون» في العام وكان وقتها شابا في السادسة والعشرين من عمره... وبعدها توالت أعماله.
ويعتقد أن هذا الجيل أنجز شيئاً من المستحدثات في جوانب كثيرة وعديدة للتجريب احتلت الساحة وفتحت المجال للإضافة والتطور.. تطوير المسرح الفلكلوري... إبداع المسرح الوثائقي وهو رائد هذا اللون غير المسبوق الذي قدمه منذ «النار والزيتون» وكانت هذه تجارب جريئة وجديدة، وكانت من صيحاته التنويرية الدعوة التي أطلقها قبل فترة وجيزة من رحيله بأن علينا كمثقفين وكأمة عربية عموماً، أن نخلق حواراً مع العالم عبر المسرح، إيمانا منه بفاعلية وقوة تأثير المسرح العربي وقدرته على انجاز لغة الحوار الإنساني العالمي.
يقول هو بنفسه: خلال تاريخي المسرحي الطويل سعيت بوعي كامل لتجريب جميع الأشكال المسرحية المختلفة، ففي مسرحية «عسكر وحرامية» مثلا جربت الميلودراما الشعبية، وفي مسرحيتي «جواز علي» و«رقة طلاق» جربت صياغة الكوميديا بالفصحى، ثم أكدت وجود التراث الشعبي في مسرحية «رسائل قاضي اشبيلية» وحاولت كتابة التراجيديا - لا للوصول إلى مسارح هوليود - لكن لأعطي لفن المسرح وكتابته طعماً يجد فيه المشاهد متعة ولذة فنية ووجدانية إذ في «حلاق ببغداد» وفي «النار والزيتون» جربت المسرح السياسي.
ويعرف المتابع لإبداعاته وقوعه في هوى عالم ألف ليلة وليلة.. وانجازه لسبع مسرحيات من هذا العالم الأثير ومنها أيام وليالي السندباد... والطيب والشرير والجميلة... ثم آخرها الأميرة والصعلوك.
وفي أعماله المستوحاة من ألف ليلة لا يستعير الكاتب الحكايات والشخصيات بقدر ما يستعيد الأجواء ليقدم الينا ألف ليلة أخرى.. ألف ليلة تليق بالعصر الحديث.. والاهتمامات والمشكلات والآلام والمفاهيم والمعاني والدلالات والأزمات التي يعيشها إنسان القرن العشرين والواحد والعشرين.
وقد لا يعرف متابعو وعشاق المسرح أن كاتبهم الراحل بدأ شاعرا... وله نصوص منظومة... لم يكشف عنها... كما انه شارك في تجربة فريدة في منتصف الخمسينات من القرن العشرين هي تأليف أول أوبرا مصرية.
وحتى اللحظة الأخيرة التي غادرنا فيها بل غادر مسرح الحياة إلى عالم الآخرة... وبمغادرته أنزل الستار على حياة إبداعية حافلة بالانجازات والجهد والبحث.. ذلك هو الكاتب المصري العربي الفريد فرج
العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ