ليس من الطبيعي أن يمر يوم البيئة العالمي الذي يصادف يونيو/ حزيران من كل عام هكذا بكل هذا الصمت، لكنه صمت مسموع على ما يبدو! فالملفات التي تكشف فداحة ما تعرضت وتتعرض له البيئة البحرينية من تدمير لا حد له، تجعلنا أمام موقف محير: «الناشطون البيئيون يتحركون والمسئولون يتعهدون والخلل قائم والتدمير مستمر... هل ينفع احتفال بيوم البيئة العالمي أو رفع بضع شعارات في ايجاد مخرج لهذه الأزمة التي تهدد بيئتنا!».
حتى يومنا هذا، تتوزع الملفات التدميرية على فشت العظم وخليج توبلي بقصته التليدة، مروراً بسواحل باربار والمالكية والمهزة حتى سواحل الحد وسماهيج، وعبوراً عبر غاز المعامير وملوثات المناطق الصناعية في سترة، وقد لا ننتهي عند نقطة معينة، إلا إذا أعدنا الى الأذهان قصة بقعة الزيت الشهيرة التي نتجت عن حرب الخليج الأولى ودمرت السواحل بما فيه الكفاية، ليتضاعف الخطر على سواحلنا في حرب الخليج الثانية... من سواحلنا الى بيئاتنا البرية والجوية بهوائنا الممتلئ بالغازات والملوثات، سيستمر مسلسل التدمير طالما لم تظهر القبضة الحديد التي توقف هذا التمادي والإضرار بأرضنا ومستقبلنا!
ويعرب عدد من الناشطين البيئيين عن حاجتهم الى ميثاق شرف من جانب المسئولين في الأجهزة الحكومية ذات العلاقة وتعامل صادق مع ملفات البيئة، فالمسئول يجب أن يكون أولاً وأخيراً مدركاً للخطر الواقع على البيئة، أما هذا الإهمال والإضرار المتعمد وتجاوز التشريعات والأنظمة التي وضعتها الدولة فإنه يضعنا أمام مفترق طرق، وأمام نتيجة حتمية شعارها (تجاوزات القوانين بلا خوف ولا تردد) وكأن البلد شرعت القوانين لكي يتم انتهاكها، ويطالب المدافعون عن البيئة بوقفة أكثر شدة من جانب المجلس التشريعي للتصدي للمخالفات الجسيمة التي ترتكب في حق البيئة والتي جعلت المواطن البحريني يتعرض للكثير من المشكلات الصحية بسبب تلك التجاوزات والانتهاكات الصارخة للبيئة.
من حسن الطالع، أن «الوسط» تناولت في ملفها يوم الثلثاء مايو/ أيار الماضي، أزمة فشت العظم، ضمن حملة للدفع في اتجاه حماية هذه المنطقة الحيوية المهمة، فتبعت ذلك خطوات تصب في الاتجاه ذاته، إذ صرحت رئيسة جمعية أصدقاء البيئة والمتحدثة باسم التكتل البيئي لحماية فشت العظم خولة المهندي تعقيباً على إحالة الحكومة المقترح بقانون المقدم من مجلس النواب باعتبار الساحل الشرقي لجزيرة سترة ومنطقة فشت العظم وفشت الجارم وخورفشت محميات طبيعية بعد أن تولت الحكومة صوغه ووضعته بصورة مشروع قانون بالقول... في يوم البيئة العالمي يوجه التكتل البيئي نداء لمجلس الشعب بغرفتيه الشورى والنواب للاهتمام بهذه القضية وعمل كل ما بوسعهم لحماية بيئات البحرين المهمة وعلى رأسها فشت العظم وفشت الجارم، فهذه لحظة من اللحظات التاريخية التي يحسم فيها قرار مصير ثروة من ثروات الأجيال ستذكرها البحرين ببيئييها ونسائها ورجالها وأطفالها وأجيالها القادمة التي لم تر النور بعد، ويرقبها المهتمون بالشأن البيئي والشأن الحضاري والشأن الديمقراطي في المنطقة بل وفي مناطق مختلفة من العالم، إذ يرى التكتل أن هذا النجاح انموذج للتعاون والشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة.
واستغلالاً لهذه المناسبة، وجد أهالي المعامير الفرصة مواتية للتذكير بأزمتهم البيئية، فنظم الأهالي في المعامير والقرى المجاورة مسيرة سلمية ليقولوا للمسئولين إن المتابع لملف التلوث يجد أن الأنظار متوجهة الى غرب وجنوب المعامير متجاهلة خطورة المنشآت التي تقع شرق القرية التي لها أضرار بيئية وصحية لا تقل عن غيرها من المنشآت والمعامل الخطرة، إذ إن من أبرز هذه المنشآت الصناعية والاستثمارية التي تقع في المنطقة وهي حظائر الأغنام التابعة لشركة البحرين للمواشي، بالاضافة الى الحظائر التي تزداد روائحها النتنة في فصل الصيف لتصل إلى أقصى منازل القرية علاوة على السوس والبعوض الذي ينتشر في القرية بسبب العلف والمستنقعات والأسمدة المكدسة جنوب الحظائر.
والمشكلات البيئية في البحرين لا تقتصر على الملفات الكبيرة! فبضع شكاوى من الأهالي تشير الى وجود ترد في أوضاع بعض الأحياء السكنية ومنها مجمع في الدائرة التاسعة بالمحافظة الوسطى الذين طالبوا بتدخل المسئولين في وزارة البلديات والزراعة لإنقاذهم من مشكلة طفح المجاري بصورة مستمرة في معظم طرق المجمع، وهو ما يعرض حياتهم جميعا للخطر جراء انتشار الأمراض والأوبئة في المجمع الذي أصبح ملاذا للقاذورات وتجمع البكتيريا بشتى أنواعها وتعكس هذه الشكوى هي الأخرى مدى سوء الأوضاع البيئية ضمن حيز صغير ولمشكلة يمكن التعامل معها ببساطة.
ويطالب أهالي المجمع المسئولين بسرعة التدخل، إذ إن هذه المشكلة يمكن أن تشكل اضرارا بدرجة أخطر مع بدء اجازة الصيف.
وكان لعدد من النواب دور كبير في التصدي للمشكلات البيئية وايصال صوت المواطنين والناشطين البيئيين الى المجلس، وهنا، يرى النائب عبدالنبي سلمان أن قضية البيئة مهمة وترتبط بتدمير البيئة، داعيا الجهات الحكومية إلى المزيد من الشفافية في قياس نسبة التلوث في مناطق البحرين، وألا تترك الأمور لاستنتاجات قد تخطئ وقد تصيب، خصوصاً في المناطق التي بجانبها محطات كهرباء ضخمة مثل الرفاع وعسكر، ومناطق سترة والمعامير والنويدرات التي بجانبها مجموعة من المصانع مثل بابكو وألبا والبتروكيماويات، مبيناً أن المؤشرات عند الأهالي تشير إلى أن نسبة كبيرة من أنواع السرطانات لم يكشف عن إحصاءات بشأنها سببها وجود هذه المصانع. الجهات الحكومية مطالبة بمزيد في هذا الموضوع. وأوضح سلمان وجود سبب آخر للتلوث في مناطق سكنية مثل سترة والنويدرات والمعامير والعكر، ويتعلق بإعادة النظر في المناطق الصناعية وتوزيعها الجغرافي، والتي ضاقت بها البلد نتيجة التملك الجائر للأراضي والشواطئ والسواحل من دون وجه حق، مؤكداً أن للتملك الجائر جوانب اقتصادية تنعكس على شحة الأراضي المخصصة للاستثمارات الخارجية. ففي الوقت الذي تنادي الحكومة باستقطاب الاستثمارات، لا توجد هناك أراض تقوم عليها الاستثمارات الجديدة، وهذه إحدى المعوقات الكبيرة للاستثمار.
ولابد من الإشارة الى الجهود التي تبذلها الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية التي يرأسها محافظ الجنوبية سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، فهي تعمل ضمن استراتيجية وطنية متقدمة، كما ترتكز على الإعلام الموجه الذي ينفذه فريق من الإعلاميين برئاسة مدير العلاقات العامة بالهيئة زكريا خنجي، وقد تم تنظيم الكثير من الدورات التدريبية استهدفت بالدرجة الأولى الإعلاميين، إذ يؤكد خنجي أن هذه الفئة يمكن ان تكون محركاً مهماً لنشر الوعي البيئي وتشكيل المواقف المساندة للتوجهات البيئية، إذ يرى خنجي أن القضايا البيئية اليوم تصطدم مع شديد الأسف بفهم هامشي من جانب الكثير من الإعلاميين الذين تنقصهم الكثير من المهارات للتعامل مع الملفات البيئية.
وتعتبر مشكلة تلوث الهواء في البلاد من أكبر المشكلات، فثاني أكسيد الكبريت على سبيل المثال الناتج عن احتراق النفط ومشتقاته، وصناعات الأسمدة والكيماويات والدباغة، يتراوح تأثيره بين السعال الشديد، والتهاب مجرى التنفس، والتأثير على أجهزة الجسم كالجهاز التنفسي والجهاز الدوري مؤديا إلى الموت المحقق خلال دقائق عندما يصل تركيز هذا الملوث من إلى جزء من المليون، ويؤذي النباتات أيضاً، ويحبط عملية التمثيل الضوئي لديها، ويكوّن مع بخار الماء رذاذات حمضية كبريتية تؤذي الغطاء النباتي، ولا تسلم منها المنشآت والألياف والمعادن والمطاط
العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ