إذا كان مونديال كوريا واليابان قد عرف بمونديال الصغار وذلك لخروج أبرز المرشحين للقب من الدور الأول والدور الثاني وبالتالي وصول فرق مغمورة إلى أدوار متقدمة في البطولة، فإن مونديال هو بحق مونديال الكبار إذ لا مكان للصغار فيه هذه المرة.
المنتخبات القوية والمرشحة كانت عند الموعد حتى الآن ولم يتخلف أي منها عن تحقيق الانتصارات وتأكيد الوصول إلى الدور الثاني مبكرًا ما يبشر ببطولة حامية في أدوارها المتقدمة نستمتع فيها بلقاءات كبيرة وقوية غابت عن المونديالات السابقة.
وباستثناء المفاجأة المتمثلة بفوز المنتخب الإفريقي غانا على المنتخب الأوروبي القوي التشيك فإن جميع النتائج كانت وفق التوقعات تقريباً. ولا يعتبر تأهل الإكوادور من المجموعة الأولى مع ألمانيا على حساب بولندا مفاجأة لكون الإكوادور قد تمكنت في تصفيات أميركا اللاتينية من التفوق على البرازيل بطلة العالم وعلى الأرجنتين المرشح القوي للقب.
في المونديال السابق كانت المفاجآت هي السمة الغالبة فوصلت إلى الدور الثاني والدور ربع النهائي وإلى نصف النهائي فرق مغمورة، إذ تأهل منتخب الولايات المتحدة إلى دور الثمانية وكذلك السنغال في حين وصلت تركيا وكوريا الجنوبية إلى نصف النهائي وكانا قريبين من اللعب على اللقب. حتى ألمانيا التي لعبت في النهائي وصلت إلى هذا الدور من دون أن تقابل أي منتخب كبير في كل البطولة.
هذه المفارقات يبدو أنها بعيدة كل البعد عن المونديال الحالي الذي طبع بطابع الفرق الكبيرة التي لن تفرط في أي مباراة بل في أي نقطة إن لم نقل في أي فرصة.
المنتخبات الأوروبية الكبيرة هي الأبرز في الجولة الأولى وبداية الجولة الثانية إذ تمكنت من تأكيد أفضليتها على المنتخبات المنافسة لها من خلال أداء قوي أكد تفوق الكرة الأوروبية، في الجانب الآخر كانت فرق أميركا اللاتينية متفاوتة فحين أن الأرجنتين قدمت أقوى العروض في الدور الأول وسحقت الصرب بسداسية وكذلك الإكوادور الحصان الأسود في هذه البطولة، فإن البرازيل بطلة العالم لم تظهر بالمستوى المطلوب في مباراتها الأولى وكانت شبحاً لمنتخب كبير توقع منه تقديم الكثير، في حين خرجت البارغواي من الدور الأول ومن دون تسجيل أي هدف.
إفريقيا وآسيا ليستا أفضل حالا في هذا المونديال، فمنتخبات إفريقيا ظهرت ضعيفة على غير العادة (باستثناء مفاجأة غانا) وكانت لقمة سائغة لمنافسيها حتى ساحل العاج الذي عولت عليه إفريقيا كثيرا لم يكن عند الموعد على رغم المستوى الجيد الذي ظهر به الفريق.
أما منتخبات آسيا فكانت متهالكة إلى حد كبير بخروج إيران من الدور الأول، وهزيمة اليابان في مباراتها الأولى أمام استراليا وبالتالي خسران فرصة التأهل للدور الثاني إلى حد كبير، أما السعودية فحققت تعادلا صعبا مع تونس ومباراتها أمام أوكرانيا ستحدد موقفها في البطولة، في حين كان منتخب كوريا الجنوبية الأفضل في الجولة الأولى بتحقيقه الفوز على توغو الضعيف وكان قريبا من الهزيمة، ولن يشفع له هذا الفوز كثيرا في ظل وجود فرنسا وسويسرا في المجموعة.
لأن بطولة العالم تقام في أوروبا فإن جميع المنتخبات الأوروبية حاضرة للفوز باللقب الذي لا يمكن أن يخرج عن إحداها، إذ إنه لم يخرج من يد أحد المنتخبات الأوروبية في أوروبا إلا العام عندما حققت البرازيل اللقب مع بيليه، ودونها لم يتمكن أي منتخب غير أوروبي من تحقيق اللقب في أوروبا.
إذ شهدت الجولة الأولى من بطولة العالم وكذلك بداية الجولة الثانية تفوق كبير للمنتخبات الأوروبية التي تلعب على قارتها وعلى ملعبها كما يقول مدرب البرازيل كارلوس ألبرتو باريرا الذي قال: «المنتخبات الأوروبية تلعب في ألمانيا على أرضها فيكفي أن يقود مشجع دراجته ويذهب لتشجيع منتخبه في المونديال».
في المجموعة الأولى أظهرت ألمانيا قوة كبيرة وقدرة على المنافسة على اللقب من خلال اسلوب لعب حديث يتسم بالسرعة والقوة البدنية واللياقة العالية إذ يلعب المنتخب الألماني منذ الدقيقة الأولى وحتى الدقيقة الأخيرة بالمستوى نفسه، ويبدو أن الأساليب الحديثة التي اتبعها المدرب كلينسمان في التدريبات والتي أثارت عليه الكثير من الانتقادات قد أتت أكلها، فألمانيا اليوم منتخب شاب على غير العادة متوهج بحماس اللاعبين وسرعتهم الفائقة.
وفي المجموعة الثانية حسمت إنجلترا على رغم عدم تقديمها المستوى المأمول بطاقة التأهل الأولى للدور الثاني، إذ لعب المنتخب الإنجليزي بأسلوب تكتيكي عالٍ اتسم بالواقعية واستثمار الفرص السانحة مع دفاع قوي بل حديدي لم يدخل مرماه أي هدف حتى الآن، ما يؤهل الإنجليز للذهاب بعيداً في هذا المونديال. وفي المجموعة نفسها يبدو أن المنتخب السويدي سيلحق بنظيره الإنجليزي في الدور الثاني وإن كان هذا المنتخب لن يذهب كثيراً في مغامرته المونديالية بعد المستوى المتواضع الذي قدمه في المباراتين الأوليين.
في المجموعة الثالثة ضمنت هولندا التأهل إلى الدور الثاني في حين سقط المنتخب الصربي سقوطا ذريعا، ويبدو أن هولندا مصممة هذه المرة على لعب أدوار متقدمة في المونديال وخصوصا أن المدرب فان باستن يمتلك تشكيلة جيدة من اللاعبين الذين يغلب عليهم الشباب إلا أن نقطة ضعف المنتخب في خط وسطه غير الفعال في ظل وجود الثلاثي كوكو وفان بومل وشنيدر إذ لم يقدم هذا الثلاثي أي مستوى مميز حتى الآن وظهر بطيئا في تحركاته شحيحا في تمريراته للهجوم. وإذا لم يضع باستن حلولا عملية لخط وسطه فلا أعتقد أن هولندا قادرة على بلوغ نصف النهائي.
المجموعة الرابعة يلعب فيها منتخب أوروبي واحد وهو المنتخب البرتغالي الذي حسم البطاقة الأولى مبكرا وأثبت قوة كبيرة في المجموعة، إذ يلعب الفريق بأسلوب حديث يجمع بين الدفاع القوي والهجوم المنظم بالاعتماد على الثلاثي فيغو ورونالدو وبوليتا ومن خلفهم المتألق ديكو.
في المجموعة الخامسة ضربت كل من إيطاليا والتشيك بقوة في الجولة الأولى وحقق كل منهما فوزا عريضا، إلا أن الجولة الثانية حملت الكثير من المفاجأت غير السارة للتشيك.
عموماً إيطاليا بدت قوية ومتمكنة من خلال طريقة لعب التي يعتمدها المدرب مارشيلو ليبي، بالاعتماد على المهاجمين لوكا طوني وجيلاردينيو ومن خلفهم توتي كرأس مثلث، إلى جانب ثلاثة لاعبين في وسط الملعب وأربعة في الدفاع. المنتخب الإيطالي بدا متماسكا في الجولة الأولى ويبدو أنه مصمم هذه المرة على اللقب الغائب عنه منذ العام .
في المجموعة السابعة وعلى رغم تصدر كوريا الجنوبية لها مؤقتا إلا أن فرنسا وسويسرا هما الأقرب إلى التأهل للدور الثاني منطقيا، وإن كان الفرنسيون يعانون من عامل السن إلا أن خبرة اللاعبين وإمكاناتهم العالية تؤهلهم للعب أدوار متقدمة.
ولعل المفاجأة السعيدة لقارة أوروبا في هذه البطولة هي المنتخب الإسباني الذي بدا قويا فوق العادة وضرب بقوة منذ المباراة الأولى إذ تمكن من اكتساح المنتخب الأوكراني برباعية نظيفة.
إسبانيا تعول هذه المرة على مدرب محنك لم يخسر في أكثر من مباراة مع المنتخب منذ توليه له، إذ يعتمد هذا المدرب على طريقة التقليدية بوجود مهاجمين مميزين وقوين بعد الاستغناء عن راؤول، إذ يلعب في الهجوم دافيد فيا هداف فالنسيا، وتوريس هداف أتلتيكو مدريد، وفي وسط الملعب يوجد الأسباني من أصل برازيلي سيينا ولاعب برشلونة المميز أكسافي ومن خلفهم دفاع قوي ومتمكن إلى جانب حراسة مميزة.
الصحافة الإسبانية أشادت كثيرا بمنتخبها وعولت عليه للوصول إلى الدور نصف النهائي على أقل تقدير ويبدو أن الإسبان قادرون هذه المرة على الذهاب بعيدا.
أرجنتين قوية... برازيل متذبذبة
أظهر المنتخب الأرجنتيني مستوى مميزاً في بطولة العالم الحالية على عكس البطولة السابقة التي خرج فيها من الدور الأول، إذ يبدو أن الأرجنتينيين وعوا درس جيدا وقدموا هذه المرة من الباب الصغير وبأقل ضجيج ممكن ليبرهنوا عن منتخب حديدي وقوي لاعبوه الاحتياط في مستوى عالٍ جدا فكيف بلاعبيه الأساسيين.
إذا عرفنا أن في احتياط المنتخب الأرجنتيني الموهبة الشابة والجوهرة الجديدة، اللاعب الذي حصل على لقب أفضل لاعب في العالم على مستوى الشباب ليوني ميسي، وإلى جانبه هداف الدوري البرازيلي تيفيز، ونجم فالنسيا المتألق إيمار إلى جانب كوكبة أخرى من النجوم.
المنتخب الأرجنتيني قدم أقوى عروض المونديال حتى الآن أمام المنتخب الصربي من خلال الاعتماد على كرة قدم سريعة وعالية التقنية من خلال التبادل السريع للكرة والتحرك الإيجابي على المرمى من دون كرة ما يخلق الكثير من الفراغات في صفوف الفريق المنافس. الأرجنتين كانت بحق الأقوى في الدور الأول والأكثر إقناعا بين المنتخبات المشاركة ما يجعلها الآن في صدارة الترشيحات لنيل اللقب.
في الجانب الآخر بدا منافس الأرجنتين الأبدي منتخب البرازيل في أسوأ حالاته في المباراة الأولى، وكان لاعبوه أشباح أنفسهم فلا أحسن لاعب في العالم رونالدينو ولا الهداف رونالدو ولا أدريانو كانوا في مستواهم المعهود، وباستثناء كاكا كان رباعي البرازيل الهجومي غائبا تماما.
مدرب البرازيل باريرا اعتمد في بطولة العالم هذه على طريقة لعب قديمة لا تنتهج في فلسفات كرة القدم الحديثة من خلال اللعب بطريقة التي كان يلعب بها المنتخب البرازيلي العام ، هذا الأسلوب الهجومي لم ينتج فاعلية هجومية وإنما بالعكس أدى إلى ضعف هجومي واضح، فلم نر أي تحركات من دون كرة من جانب هجوم البرازيل ولم نر كرة قدم حديثة تعتمد السرعة في الأداء والقوة البدنية إلى جانب المهارات الفردية. الأسلوب البرازيلي في المباراة الأولى كان تقليديا وقديما إلى حد كبير اعتمد على التحضير البطئ في الدفاع وفي وسط الملعب ما يسمح للخصم بالرجوع السريع للدفاع وغلق جميع المنافذ.
إذا كان مونديال فرنسا العام قد عرف
العدد 1383 - الإثنين 19 يونيو 2006م الموافق 22 جمادى الأولى 1427هـ