اتهمت عضو فريق الدفاع عن الرئيس العراقي المعتقل صدام حسين ورفاقه المحامية اللبنانية بشرى الخليل، القوات الاميركية بالوقوف وراء عملية اغتيال زميلها خميس العبيدي الذي اغتيل الأسبوع الماضي، بعد أن رفعت حمايتها عن فريق الدفاع ليواجه مصيره المحتوم.
بشرى الخليل ذكرت في حوار هاتفي أجرته «الوسط» معها أن حكم الإعدام جاهز بحق صدام وأعوانه، معتبرة أن المحكمة المهزلة التي يسيرها خبراء أميركيون بينهم خبراء يهود غير شرعية وارتكبت مجموعة من الأخطاء، الواحد منها كفيل بالطعن في شرعيتها.
وعند الحديث معها عن وضعية صدام داخل المعتقل ذكرت أنها استشفت في إحدى الجلسات معه والتي حضرها وزير العدل الأميركي السابق رامزي كلارك أن الإدارة الأميركية هي في مفاوضات مستمرة مع الرئيس العراقي السابق المعتقل.
وفيما يلي نص الحوار:
نبدأ بحادثة اغتيال محامي الدفاع خميس العبيدي، كيف تلقت المحامية بشرى الخليل هذا النبأ؟
- طبعا حزنت كثيرا، فخميس كان زميلاً لي في أكثر من ملف، وخلال أيام المحاكمة نشأت بين فريق الدفاع علاقة أخوة رائعة، على اعتبار أننا كنا ننزل في إقامة واحدة داخل المنطقة الخضراء، إذ كنا نقضي أربعة إلى خمسة أيام ومع بعض كعائلة واحدة، وبالتالي كان من الطبيعي أن أحزن عندما سمعت بالجريمة، لكن مع ذلك لم أفاجأ بحادث الاغتيال، ليس اغتيال خميس العبيدي نفسه، ولكن بحادث الاغتيال في حد ذاته، لأنني كنت متوقعة ذلك منذ وجودي الأخير في بغداد المحتلة، إذ أني غادرت بغداد ولآخر مرة بتاريخ مايو/ أيار، ففي ذلك اليوم وبعد مراقبتي للإجراءات الأمنية الأميركية، وكيف أن فريق الحماية الأميركية تخلى عن الكثير من الإجراءات حتى أصبحنا كلقمة سائغة أمام الآخرين، شعرت بأن هذا الأمر مقصود وأن هناك حوادث اغتيال وتصفيات للمحامين ستقع.
كفريق دفاع ألا تخشون على حياتكم من هكذا مجازفة خصوصاً بعد مقتل من هيئة الدفاع؟
- أكيد أن الشعور بالخطر موجود، فأنا بالذات وقبل مقتل زميلي خميس العبيدي بنحو ساعة تعرضت لتهديد عبر الهاتف، وقد أخذت التهديد على محمل الجد بالنظر إلى نوع التهديد ومصدره، وتقدمت بشكوى إلى النيابة العامة الاستئنافية ببيروت والتحقيق جار حاليا في الموضوع، وكان ذلك قبل مقتل زميلي العبيدي بيوم أو يوم ونصف.
حدثينا عن الكيفية التي تصلون بها إلى قاعة المحكمة انطلاقا من نقلكم من مطار بغداد وإلى وصولكم قاعة المحاكمة بالمجمع الرئاسي السابق داخل المنطقة الخضراء؟
- سؤال جيد، لأنه يكشف ضلوع الولايات المتحدة الأميركية في اغتيال زميلنا خميس العبيدي، فقبل ذهابي للعراق في المرة الأولى كتبت وصيتي وسلمتها إلى صديقة لي ولم أخبر أي أحد من أفراد عائلتي بأنني ذاهبة إلى العراق، إذ كنت جد قلقة وغير مطمئنة إلى ما يمكن أن يجري معي في العراق، لكن وعندما وصلت إلى مطار بغداد على متن طائرة أردنية أنا ورفاقي، وبمجرد نزولنا من الطائرة وجدنا عند سلمها فريقاً أمنياً أميركياً ينتظرنا بسيارة خاصة تابعة له، إذ قام بنقلنا إلى مبنى المطار وأجلسونا في غرفة تحت حراستهم، وقاموا خلال ذلك بأخذ جوازات سفرنا ووضعوا عليها تأشيرات الدخول، ولم يسمحوا لي بالتقدم في اتجاه الحقائب ولو لسنتمترات، وقالوا لي «ابقي هنا، ونحن سنتكفل بالحقائب»، وحرصا على أمننا منع أي مواطن عراقي من التقدم نحونا، وبالتالي كانت الإجراءات الأمنية دقيقة إلى هذا الحد، بعد ذلك وضعونا في سيارة مقفلة نقلتنا إلى مطار عسكري انطلقنا منه عبر طائرة عمودية من نوع كوبرا في اتجاه المنطقة الخضراء، التي نقلنا فيها من مهبط الطائرة إلى الفيلا التي أقام فيها فريق الدفاع عبر سيارات مصفحة، وقد كان يقطن معنا في الإقامة نفسها ضباط أميركيون، وبالتالي تلاحظ منتهى الدقة وإجراءات في غاية الأمان.
في صباح يوم المحاكمة كانت هناك سيارات مصفحة يجلس في كل سيارة اثنان من المحامين يرافقهم حرس وضباط أميركيون، يدخلون بنا بعد ذلك إلى مقر المحكمة التي لا تبعد عن مقر الإقامة سوى خمس دقائق، ولا يدعون الأمن العراقي يقترب منا حتى لمراقبة جوازات سفرنا.
هذه الإجراءات التي جعلتني أطمئن إلى أمني الشخصي، هي التي تخلى عنها الأميركيون في آخر مرة ذهبت فيها إلى بغداد.
فيما يخص المحكمة، نحن نرى القاضي لوحده على المنصة، وعلى يمينه الإدعاء العام ممثلا في شخصين، وعلى شماله فريق الدفاع، وفي وسط القاعة المتهمون من أعضاء القيادة السابقة، ووراءهم خلف الزجاجة الخلفية بعض الحضور من ذوي الجنسيات الغربية. من فضلك صفي لنا باقي جوانب القاعة التي لا نرى منها السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زادة؟
- على رغم شكي في الموضوع إلا أني لم أثره حتى أتأكد بشكل تام، لكن حسم الأمر لدي بعد أن أخرجني القاضي رئيس الجلسة من القاعة، إذ جاء أحد رجال القانون الأميركان وهو مفرغ للتعامل معنا بشكل مستعجل وبادرني بالسؤال ما الذي جرى؟ فثرت في وجهه، وقلت له: «ألم تر ما جرى، ألم تكن تجلس في هذه الغرفة الزجاجية فوق المحكمة وترى كل شيء»؟، فرد علي بالقول: «بلى كنت أجلس هناك»، فقلت: «إذن رأيت كل ذلك، فلماذا تسألني؟»، طبعا أنا لم أكن أعلم أنه يجلس هناك، لكني استدرجته ووقع في الفخ الذي نصبته له، وخصوصاً أنه تبين لي لاحقا أنه جاء لمتابعة المحاكمة كبديل لزميل له لم يحضر، وبحسب أنني أعلم بقصة الشرفة الزجاجية من قبل.
خلال شهر يوليو/ تموز المقبل سيقدم الدفاع إفادته، ما هي أهم المضامين التي ستركزون عليها؟ وهل ستحضرون الجلسة؟
- هناك قرار صدر بمنعي من دخول مقر المحكمة بالكامل، وطبعاً، هذا القرار جائر، فليس من حق رؤوف رشيد الذي هو رئيس غرفة في المحكمة أن يتخذ قراراً بمنعي من الدخول إلى كامل المقر، ومع ذلك وجد هذا القرار، الذي أبلغني به الجانب الأميركي، وألزمني به الأميركيون كذلك، طريقه إلى التنفيذ، وهو انتقاص من حق الدفاع، وانتقاص من حقوق المتهمين بأن يختاروا هم محاميهم الذين يرغبون في الترافع عنهم، وهو إجراء غير قانوني، وسيكون سبباً للطعن في الحكم الذي سيصدر أيا تكن طبيعته.
على رغم ذلك، وأملاً في أن يتراجع القاضي والفريق الأميركي عن هذا القرار والسماح لي بالعودة، أنا أحضر نفسي للترافع، وفي حال عدم السماح لي، سأطلب من محطة تلفزيون «الجزيرة» أن تسمح لي بالترافع من خلالها، وقد تقول لي إن هذا الأمر غير قانوني، لكني سأرد عليك بالقول، ان صدام وخلال اجتماعي معه قال لي أنا لا يهمني حكم هذه المحكمة، أنا يهمني حكم الشعب العراقي والرأي العام، وبالتالي فإن ترافعت من خلال وسيلة إعلامية، فسيسمع هذا كل الرأي العام العراقي والعربي والدولي وسيصدر حكمه بالنتيجة لذلك. ودعني أخبرك بحقيقة مرة، ان مرافعاتنا لن تقدم أو تؤخر من قرار رئيس المحكمة، وبرأيي الحكم جاهز.
وفيما يخص حضورنا الجلسة المقبلة، سنأخذ قراراً في الأمر بعد مقتل زميلنا خميس العبيدي بالذهاب من عدمه، وأنا من أصحاب الرأي الأخير بعدم حضور الجلسة، فطالما هيئة المحكمة وفريقها القانوني الأميركي يمنعوننا من تأمين دفاعنا بالطرق اللازمة، وطالما هم يفرضون إرادتهم علينا ويضعون الشروط للمرافعات، ويحددون الوقت للترافع وزمنه، على رغم أن حق الدفاع مقدس وأن الكلمة الأخيرة دائماً هي للمتهم، وأن المتهم من حقه أن يترافع وان لو استمر دفاعه عن نفسه ساعات أو حتى أياماً، لكنهم يقومون بتحديد الوقت وتقليصه بشتى الطرق. وفي رأيي انهم إذا لم يتجاوبوا معنا لإعطائنا الفرصة كاملة للدفاع وأن ندافع بكل السبل القانونية التي نرى نحن أنها مناسبة، فليس من الضروري الذهاب إلى المحكمة للمشاركة في هذه التمثيلية، وليصدروا الحكم الذي يريدونه من دون حضور محامين، وفي المحصلة فإن هذا الحكم لن يكون قانونياً.
من خلال كلامك، يتبين أن حكم الإعدام جاهز بحق صدام حسين، على ماذا تستندين في ذلك؟
- أنا أستند في ذلك بناء على أن الأميركيين يستعملون هذه المحكمة لأغراض سياسية، هذا أولا. إذ إن هناك مؤشرات على تطورات سياسية معينة توحي بأنهم يتجهون إلى هذا الأمر، هناك أيضا التعقيدات والعقبات التي وضعت أمام المحامين من أجل الحيلولة دون تنفيذهم لمهامهم بطريقة قانونية من قبيل اعتقال شهود الدفاع، وفرضوا عليهم التوقيع على اعترافات تناقض إفادتهم الأولى أمام المحكمة، وتعرضوا أثناء انتزاع هذه الإفادات إلى التعذيب والتهديد بالقتل. وبالتالي لو كانت هذه المحكمة تريد محاكمة عادلة وحكما عادلا، لما لجأوا لمثل هذا الأسلوب. بالإضافة إلى ذلك فإخراجي من المحكمة بعد أن تناولت «أهلية المحكمة ووضعيتها» عبر عدة نقط قانونية بالغة الأهمية، وبدل النظر إلى هذه النقاط التي أثرتها، استاءوا مني لرغبتهم في عدم أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي.
وعند مفاوضتهم لي للعودة إلى قاعة المحكمة اشترط الأميركيون عليّ عدم التحدث عن دستورية المحكمة، وعن حصانة الدستورية لصدام، وبعدم إقامة مقارنة بين ما حدث في الدجيل أيام الحكم الوطني، وما حدث في الفلوجة في عهد الاحتلال الأميركي، لكني رفضت بدعوى أن ذلك ضروري ويجب الاستناد إليه في مرافعاتنا لضمانة براءة موكلينا. ومنذ ذلك التاريخ أدركت أن الأميركيين لا يريدون حكما عادلا ولا محاكمة طبيعية، وأشعر بأنهم أقاموا كل هذه التمثيلية من أجل أن يعدم صدام ورفاقه بذريعة أنه حكم صادر عن محكمة عراقية، والواقع أنها أميركية إذ ما استثنيا القاضي والمدعي العام وزميله الذين أنيطت بهم مهام الظهور على شاشة التلفزيون ليبدو الأمر أنه محكمة عراقية.
في حال صدور الحكم بالإعدام، في توقعك هل سينفذ بشكل مباشر، أم أن لا بد من انتظار الاستئناف وفتح باقي الملفات من قبيل ما يسمى بجرائم الأنفال ضد أكراد العراق، وحرب الكويت، والحرب العراقية الإيرانية... وما إلى ذلك من ملفات، وخصوصاً أن قانون برايمر يجيز تنفيذ الحكم من دون انتظار ما
العدد 1389 - الأحد 25 يونيو 2006م الموافق 28 جمادى الأولى 1427هـ