يبدو أن المسلسلات التي تتناول السير الذاتية لشخصيات مشهورة أو لها تأثير كبير في المجتمع أصبحت أساسية وخاصة في شهر رمضان، فهو مليء هذا العام بعدد من مسلسلات السير الذاتية من بينها «في حضرة الغياب» الذي يتناول سيرة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
ففي يوم (9 أغسطس/ آب 2008) الذي وافق يوم أمس (الثلثاء) الذكرى الثالثة لرحيله، التقى محمود درويش (شاعر الأرض) بنهاية جسده وبداية خلود اسمه وقصائده، وفي هذه الذكرى يبدو أن الاحتفال بها سيكون مختلفاً بعض الشيء، وخصوصاً في ظل الغضب الذي يعتري عدداً كبيراً من المثقفين العرب الذين اعتبروا مسلسل «في حضرة الغياب» إهانة كبيرة بحق صاحب «مديح الظل العالي».
لم تكد تنتهي الحلقات الأولى من مسلسل «في حضرة الغياب»، الذي بث منذ مطلع الشهر الكريم على عدد من الفضائيات العربية من بينها قناة «أبوظبي الأولى» و«السومرية»، وتلفزيون «الجديد» اللبناني، حتى شنت أقلام كتاب ومثقفين وصحافيين فلسطينيين وعرب هجوماً عنيفاً على العمل، الذي يقوم ببطولته الفنان فراس إبراهيم والفنانة سلاف فواخرجي، ويخرجه نجدت أنزور، معتبرة أن «في حضرة الغياب» يمثل «إهانة كبيرة» بحق هذا الشاعر الراحل.
فعلى موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) اتفقت معظم الآراء على أن المستوى الفني ضعيف، كما أنه ظهرت مغالطات في المحتوى وهشاشة وركاكة في أداء فراس، الذي لم يستطع تحسس روح درويش؛ فشخصية درويش ليست سهلة التجسيد، لأنها بحاجة إلى فنان له قلب قادر على تحسس روح درويش بين كلماته، أما ما يعرض فهو مهزلة، على حد تعبير أحدهم.
ورأى آخرون أن تجار الدراما «حوَّلوا درويش إلى صفقة مالية، تجار وقفوا ضد شعبهم السوري يتاجرون بدرويش الآن».
ومن جانبه، وصف الكاتب والناقد الفلسطيني حسن خضر المسلسل بالمعالجة المليودرامية الرخيصة لحياة شاعر كبير كان يجب أن يُدرس بشكل أكثر عمقاً لتقديم الشخصية بأبعاد تليق بها. وقال: «أعتقد أن هذا المسلسل يسيء إلى صورة وميراث محمود درويش، وهو يسيء إليه أولاً على مستوى الأداء؛ أي أن أداء الممثل الذي قام بدور محمود درويش لا ينسجم مع شخصية درويش، وكثير من حركات الجسد وسلوكات الممثل تتناقض مع الحركات والتصرفات الطبيعية للراحل محمود درويش.
وأضاف «أما على مستوى السيناريو فهو رديء ولا ينسجم مع الحياة الشخصية والعامة لهذا الشاعر كما يعرفها أشخاص اقتربوا من عالمه، لأن الموضوع الرئيس في حياة محمود درويش كان هو فلسطين، بينما المسلسل يقوم على مجموعة من الوقائع الرومانسية، كما لو كان فيلماً عربيّاً يعود إلى فترة الخمسينيات أو الستينيات، حيث البطل يغني أو يلقي شعراً والبطلة تبكى وتنظر إليه من بعيد، وأعتقد أن هذه المعالجة الميلودرامية هي معالجة رخيصة».
وأبدى خضر حزنه من مشاركة الموسيقار الفلسطيني مارسيل خليفة في أحداث المسلسل، ودعاه إلى الاعتذار عن هذا الدور بعد الانتقادات التي وجهت إلى المسلسل.
وعلى الصعيد ذاته؛ أصدرت مؤسسة محمود درويش بياناً استنكاريّاً قالت فيه: إنها «تتبرأ من المسلسل الذي يعد إساءة للشاعر الراحل وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني، وإنها أبلغت صانعيه برأيها، داعية إلى وقف عرضه، إذ لم يلتزم صانعوه بحقوق الملكية الفكرية».
وفي المقابل، اعتبر الممثل السوري فراس إبراهيم، منتج وبطل مسلسل «في حضرة الغياب»، الحملة التي بدأتها مؤسسة محمود درويش في مدينة رام الله الفلسطينية ضد المسلسل «حملة استباقية مفتعلة، أسبابها سياسية وشخصية، ولا علاقة لها بالعمل».
وقال إبراهيم في تصريحات نشرت سابقاً: «حتى لا نقع في فخ مصادرة آراء الآخرين، نتمنى أن يتابع من يعترضون العمل حتى نهايته، وعندها نتقبل الانتقاد قبل المديح، كما نرجو من كل محبي درويش أن يتسابقوا لتقديم اقتراحات أخرى لتخليد هذا الشاعر الكبير، ونرجو أيضاً من مؤسسة درويش أن تعمل على إنجاز ما أنشئت من أجله بدلاً من الهجوم اللامنطقي الذي قامت به»
العدد 3259 - الثلثاء 09 أغسطس 2011م الموافق 09 رمضان 1432هـ