العدد 3260 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ

أرسطو: المرأة مجرد وعاء سالب

من خلال ما ذكرناه في الفصل السابق يتضح لنا النظرة الإيجابية للمرأة من خلال ملحمة جلجامش وكذلك الصورة الإيجابية للمرأة في التراث الشعبي الذي يجعلها مسئولة بصورة رئيسية عند تحديد الجنس بل ويُرى لها تأثير على المولود أكثر من تأثير الأب. سنتناول في هذا الفصل صورة مغايرة للمرأة حيث تمثل كوعاء سالب، وهذا الفكر نشأ أساساً في الفلسفة اليونانية وانتشر للعرب في حقبة ما قبل الإسلام وبقي قابعاً في عقول شريحة كبيرة من المثقفين في الدول العربية لسبب واحد لأنه يمثل دفاعاً عن المرأة التي تنجب أنثى.


أرسطو والنظرة الدونية للمرأة

في الفلسفة اليونانية هناك عدة طرق لتحديد جنس المولود وهي طرق سنتناولها بالتفصيل في فصل لاحق, وجميع تلك الطرق تعتمد على النظرة الدونية للمرأة من حيث اليمين واليسار أو الحرارة والبرودة إلا أن نظرة أرسطو (384 – 322 ق. م.) كانت أكثر سلبية من غيرها, ولمزيد من التفاصيل عن هذه النظرة في الفلسفة اليونانية يمكن الرجوع لبحث نانسي توانا (Tuana 1988). «The Weaker Seed: The Sexist Bias of Reproductive Theory.

وتتمحور فكرة أرسطو في أن بذور الرجل (أي ماء الرجل أو الحيوانات المنوية) هي الأساس في تكوين المولود والمرأة مجرد وعاء بارد، فالمرأة تمثل الجزء البارد والرجل الجزء الحار ويعتمد تحديد جنس المولود على الحرارة الكامنة التي يزودها الذكر للأنثى. ويخص أرسطو الخصية اليمنى بأنها تحتوي على بذور تعطي حرارة كامنة أكبر وبالتالي تحدد جنس المولود الذكر أما الخصية اليسرى فتعطي بذور حرارتها الكامنة أقل فتؤدي لمولود أنثى (Mittwoch 1985).


العرب قبل الإسلام

لم تختلف نظرة العرب قبل الإسلام للمرأة عن أرسطو فما المرأة إلا كالأرض بالنسبه للزارع تنبت ما زرع فيها، ويدلنا على ذلك قصة شهيرة يتم تناولها في العديد من الكتب والمراجع والغريب أن العديد من الكتاب المعاصرين يورد هذه القصة ليؤكد على أن العرب قد اكتشفوا أن الذكر هو الذي يحدد جنس المولود وليس الأنثى إلا أن هذه القصة إن دلت على شيء فإنها تدل على انتشار الفلسفة اليونانية عند العرب كما سنرى في فصول قادمة. أما القصة المشهورة فيروى أن رجلاً يدعى أبو حمزة الضبي، وضعت زوجته بنتاً، فهجرها واخذ يبيت عند جيرانه، حتى مر بخبائها يوماً فسمعها تقول لابنتها:

ما لأبي حمزة لا يأتينا

يظل في البيت الذي يلينا

غضبان الا نلد البنينا

تالله ما ذلك في ايدينـــا

وإنما نأخذ ما أعطينا

ونحن كالأرض لزارعينا

ننبت ما قد زرعوه فينا

فأسف أبوحمزة عند سماع ذلك وأقبل إلى زوجته وقبل رأسها ورأس ابنته وقال لهما (ظلمتكما ورب الكعبة) وعاد إلى زوجته وابنته.

نظرية التخلق السبقي

في القرن السابع عشر تم تطوير آلة المجهر إلى آلة أكثر كفاءة من قبل ليفنهوك، وأدى استخدامه للعديد من الاكتشافات ففي سنة 1672م وصف العالم دي كراف ( De Graaf ) الحويصلات المبيضية وفي سنة 1677م اكتشف العالمان «هام» و»ليفنهوك» المشيج الذكري، وحتى ذلك الحين لم تفهم أهمية هذه الأمشاج في التكوين الجنيني. وقد طغى فكر أرسطو على عدد من علماء هذا العصر الذين صاغوا نظرية عرفت بنظرية التخلق السبقي، ويرى أصحاب هذه النظرية أن «الحيوان المنوي» يحتوي في داخله على فرد كامل لكنه مصغر أطلق عليه مسمى (الفرد المصغر) (Homunculus)، ويستقر الحيوان المنوي في رحم المرأة لينمو وبذلك اعتبرت المرأة مجرد وعاء سالب.


آلية صنع الذكور بمفهومها العلمي

يتصور العديد من الناس أن أمر تحديد جنس المولود قد حسم، حيث كشفت البحوث العلمية أن خلايا الإنسان تحتوي على 46 كروموسوماً منها 44 كروموسوماً جسدياً وكروموسومان يخصان تحديد الجنس. وقد خص الذكر بكروموسومين جنسيين مختلفين في الشكل أطلق عليهما (X) و(Y) وعليه يوجد نوعان من الحيوانات المنوية الأول يحمل كروموسوم (X) والثاني يحمل كروموسوم (Y). بينما خصت الأنثى بكروموسومين متطابقين هما (X) و(X) وعليه فجميع البويضات التي تنتجها الأنثى متشابهة. تحت الظروف الطبيعية عندما يخصب بويضة الأنثى حيوان منوي يحمل كروموسوم (Y) يكون الناتج جنيناً ذكراً، وعندما يخصب بويضة الأنثى حيوان منوي يحمل كروموسوم (X) يكون الناتج جنيناً أنثى.

لكن هذه العملية تسمى بـ «تحديد الجنس» وليست طريقة لاحتساب احتمال ولادة المرأة لذكر أو أنثى. بمعنى ما هو احتمال أن يخصب البويضة حيوان منوي يحمل كروموسوم (X) أو يحمل كروموسوم (Y)؟، هذا يعتمد على عوامل مختلفة وهي في الغالب عوامل وراثية توجد عند الرجل والمرأة فقد تكون المرأة هي التي تتدخل في جنس المولود أو قد يكون الرجل هو المسئول، وذلك بالتحكم في أي نوع من أنواع الحيوانات المنوية سيخصب البويضة ذاك الذي يحمل كروموسوم (X) أو الآخر الذي يحمل كروموسوم (Y)، للمزيد راجع (Werren and Beukeboom 1998) و(Jaenike 2001) والمراجع المرفقة في تلك البحوث.

يذكر أن غالبية العوامل الوراثية التي قد يترتب عليها تعديل نسبة المواليد الذكور إلى الإناث وذلك بترجيح نسبة جنس إلى آخر هي عوامل مصدرها المرأة في الأساس، حيث يذكر سايكس في الفصل التاسع عشر من كتابه «لعنة آدم» عدداً من الدراسات التي درست تحليل العائلات ونسب الأبناء والبنات وكيف يمكن التكهن بنسب جنس المواليد في المستقبل بالإضافة لحالات درسها هو شخصياً (Sykes 20 ،p. 269 - 289)، ويؤكد سايكس وجود عوامل وراثية تورثها الأم لبناتها أو أبنائها قد تكون محمولة على كروموسوم (X) أو في عضية أخرى داخل البويضة تسمى المايتوكندريا (سبق الحديث عنها) وهي عضية تورث من الأم لبناتها وأبنائها بينما الأب لا يستطيع أن يورث هذه العضية لأبنائه لأن رأس الحيوان المنوي الذي يدخل البويضة يفرغ من هذه العضية، وقد ثبت أن هذه العضية تحتوي على جينات وراثية خاصة بها. عند الأنثى بالإمكان لهذه العوامل أن تؤثر على الحيوانات المنوية القادمة من الذكر والتي ستلقح البويضة وبذلك ترجح أي الحيوانات المنوية سيلقح البويضة ذاك الذي يحمل كروموسوم (X) أو الآخر الذي يحمل كروموسوم (Y)، وبالمقابل أيضاً يرث الذكر أيضاً عوامل وراثية من أمه وأبيه لترجح نسب أعداد الحيوانات المنوية التي تحمل كروموسوم (X) إلى تلك التي تحمل كروموسوم (Y) وبذلك ترجح أي نوع من الحيوانات المنوية سيكون له الحظ الأوفر في تلقيح البويضة.

خلاصة الأمر أن هناك جينات أو عوامل وراثية إن وجدت في المرأة فإنها ستلد ذكوراً بنسبة كبيرة والعكس صحيح فهناك عوامل وراثية إن وجدت في المرأة ستلد إناثاً بصورة كبيرة وربما إناث فقط دون ذكور. ومثل هذه الجينات أو العوامل الوراثية توجد أيضا عند الرجل وتؤثر على نسبة ولادة الذكور إلى الإناث وتكون هذه العوامل موروثة بصورة أساسية من الأم.

من هنا يتضح لنا أنه حتى مع معرفة طريقة تحديد الجنس في الإنسان فإننا غير قادرين على تحديد العوامل التي تجعل الأنثى تلد ذكوراً بنسب أكبر من الإناث وهذا يجعل باب الاجتهاد مفتوحا وكذلك يترك مجالا لحياكة الأساطير وترويجها وسوف نناقش ذلك بصورة مفصلة في الفصول القادمة

العدد 3260 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:50 ص

      الوسط.. ممكن تخلون رابط للمقالات القديمة

      المقالات التي يكتبها الاخ جدا شيقة, ونريد ان نطلع على المقالات السابقة.. فممكن تضيفون الروابط للمقالات القديمة للاستفاده
      شكرا

اقرأ ايضاً