«الولادة من الخاصرة»، عنوان لافت بالتأكيد لمسلسل درامي وللصدفة فهو يعبر عن حالة أو وضع مواز تعيشه بعض الدول العربية هذه الأيام، فهي تمر بمخاض ميلاد زمن وواقع جديد لا تستطيع أن تلده بشكل طبيعي بسبب كل تعقيدات الظرف والوضع المحيط.
في المسلسل الذي كتبه سامر رضوان، ويعرض على قناة أبوظبي الأولى، فإن الشخصيات في العمل هي التي بنت الظرف ومن رحم زمن ومؤثرات وقوى لا يمكن أن تلد إلا كهذه المواليد المشوهة الناقصة... الوطن أو المجتمع هنا هو الرحم أو دائرة القهر التي لا منجاة منها إلا بفعل استثنائي، أما الفساد الأخلاقي فأصبح منظومة تجاوزت الحالة الفردية لتصبح أكثر عمومية.
ثلاث شرائح من ثلاث طبقات مجتمعية يتناولها الكاتب سامر رضوان في عمله، الأولى هي من سكان العشوائيات المهمشين الذين يجعلهم فقرهم أما ضحايا أو كائنات تريد افتراس من هو أضعف منها. ولكن حتى القوي منهم هو في النهاية كائن مشوه ابن بيئة تقتل الأخلاقيات والإنسانية. الطبقة الثانية هي طبقة أصحاب الأعمال أو الطبقة الثرية وهي أيضا غير محصنة بسبب وضعها المادي المريح، فالسياق الأخلاقي العام يجعل الابن خصماً لأبيه في صراعه على امتلاك السلطة والقوة. أما الطبقة الثالثة فهي رجال السلطة أو أصحاب النفوذ الحقيقي في المجتمع وهم أيضاً ليسوا رغم ذلك إلا اختصارا لكل حالة الفساد والقيم الجديدة وحالة التهتك الأخلاقي الذي يجعل الشخصيات لا تشعر بأمان إلا بامتلاك الآخر والسيطرة عليه وإخضاعه تماما مع ملاحظة أن المؤلف لم يشر إلى دور هذه الطبقة وسطوتها في المجتمع السوري وجعل أزمتها تتمحور حول قضية أخلاقية فقط.
الحدث في العمل يسير في ثلاثة مسارات متوازية غير متشابكة إلا على مستوى الفكرة، بمعنى أن الحدث مركب في حكاية مفتوحة متعددة الخطوط. كل خط أحداث له أزمته الخاصة وله تفرعات تغذي ذلك الحدث الرئيسي وتزيد من تعقيده، ولكن مشكلة الكاتب أنه استغرق حلقات طويلة لإيصال الحدث الى ذروته، فبقي المشاهد يتابع الشخصيات وهي تدور في محيط معاناتها وخيوط التعقيد تغزل ببطء.
كل من يشاهد حلقات المسلسل يؤكد أنه شعر بكثير من القسوة في الحدث والصورة، ويعتقد بأن المؤلف قصد من ذلك التعبير بشدة عن قسوة الواقع وألم الشخصيات وأراد أيضاً إيلام المشاهد لا لتطهيره وفق النظرية الأرسطية في الدراما ولكن لإيقاظه وتحفيز إدراكه على أن هذا الواقع يستوجب الرفض لا الاعتياد على مشاهدته واعتباره أمراً عادياً أو معروفاً ومأسوفاً عليه فقط لا غير.
المسلسل هو العمل الثاني للكاتب سامر رضوان بعد مسلسل «لعنة الطين» الذي عرض في رمضان الماضي، وحقق نجاحاً مميزاً. وقد أكد رضوان، في تصريحات نشرت سابقاً، أن العمل يسعى ومنذ البدء إلى تحقيق حكاية ترتبط بالحياة الواقعية ارتباطا وثيقا، من حيث بنية الشخصيات ومنطقية حركتها، فالعمل ليس تجميلاً للواقع، كما أنه ليس تعريةً غير منطقية له، بل محاولة لعرض مجموعة من النماذج التي تضج الحياة بها وبمشاكلها وهمومها وهو محاولة استقراء لعوالم بعض الشخصيات التي تمتلك فرادة في سياق حياتها أو بنيتها السلوكية، إذ يسعى المسلسل إلى تبيان الفروق الواضحة بين أفراد الشريحة الواحدة، ويجري قياساً موضوعياً بين هذه الشرائح ونقيضاتها بالشرائح الأخرى من خلال شخصيات يشعر المشاهد بأنه التقى بها أو سمع عنها وعن ظروفها وحكاياتها من أحدهم.
وعن اسم المسلسل «ولادة من الخاصرة» قال رضوان، إن غالبية شخصيات المسلسل تمتلك ولادات لا منطقية وأحياناً لا شرعية، والشرعية هنا ليس بالمنطق الفقهي بل المنطق الدلالي، وما ينتج عن الشخصيات من الولادات غير الشرعية من أفعال غير شرعية بالمقابل وظروف نفسية معقدة تصل أحياناً إلى حالة الولادات القسرية لهذه الأفعال... ومن هنا كانت الخاصرة البوابة التي ولدت منها هذه الشخصيات وأمثالها. يذكر أن المسلسل يضم عدداً كبيراً من نجوم الدراما السورية: عابد فهد، سلوم حداد، سلاف فواخرجي، قصي خولي، مكسيم خليل، محمد حداقي، فادي صبيح، مها المصري، شكران مرتجى، تاج حيدر، صفاء سلطان، كندة حنـَّا، منى واصف، عبدالهادي الصباغ، كنده علوش، اياد أبوالشامات، رنا شميس، سليم صبري وآخرين. ويعد «الولادة من الخاصرة» أول إنتاجات شركة كلاكيت للإنتاج والتوزيع الفني للموسم 2011
العدد 3272 - الإثنين 22 أغسطس 2011م الموافق 22 رمضان 1432هـ
السلام عليككم
شككرا على المقالة الرائعة التي اوصلت لمشاهدين هدا المسلسل الفهم الصحيح و المعنى الحقيقي للقصة و اكيد المسلسل من احسن المسلسلات المعروضة حاليا لانه يعبر عن الواقع في بلداننا العربية