العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ

«الوفاق»... كل «سُرّاق الضوء» مروا من هنا

فمن يعتذر لـ «محمد» الذي مشى لأجلكم أميالاً... «حافي القدمين»..!

كيف يستطيع «محمد» ان يتفهم إعلان جمعية الوفاق التاريخي - كما تصفه الجمعية العامة - وكان يبذل الغالي والرخيص ليصل إلى مواعيد تظاهراتها ومسيراتها واعتصاماتها، ما جعله في بعض الاحيان يمشي - حافي القدمين - من منزله في «الدراز» إلى الفضاءات القريبة من مجمع الدانة إذ يحلو للوفاقيين التظاهر!.

«نعتذر لأبناء الوفاق، إذ أجبرناهم بخطاباتنا طيلة السنوات الأربع الماضية على المشي لمسافات طويلة في لهيب الصيف تارة، وتحت أمطار الشتاء تارة أخرى». كان الاعتذار على الأقل ما سيجعل من دراسة «المشاركة» المهلهلة أكثر واقعيةً وقبولاً لدى الناس، وعلى كل حال، «رب ضارة نافعة»!.

اشتملت الدراسة التي رفعتها الأمانة العامة إلى مجلس شورى الوفاق، وصدق عليها المجلس بغالبية اعضائه على منظومة «تبريرية» تنتهي بإقرار التوصية النهائية بالموافقة على المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة. وترتكز رؤية الوفاق على أربع زوايا مركزية تم بيان تفاصيلها للخروج بالتوصية آنفة الذكر، وهي، مبررات المشاركة، وخسائر استمرار المقاطعة، والمكاسب التي يمكن أن تتحقق من المشاركة، والأهداف الرئيسية للمشاركة.

سنحاول في هذه القراءة سبر بعض النقاط الواردة في الدراسة، والغرض من هذه القراءة معرفة ما إذا كانت الوفاق قد تبنت خيار المشاركة عن اقتناع، أم أن ثمة شيء أخر بين سطور التقرير لم يلتفت له أحد ما.

الوفاق: أوراقنا احترقت...!

ورد في دراسة المشاركة «إن جوهر ما يمكن أن نتمسك به لاستمرار المقاطعة، هو أن هذه المشاركة ستضفي الشرعية على دستور 2002، سنجد أنه لا أحد يعير هذا المعنى التفاتا سياسياً، من القوى المحلية، والإقليمية، والدولية... وما من أحد يرتب على شرعية الدستور وعدم شرعيته أي موقف مضاد للسلطة في البحرين... كما أن غالبية المجتمع البحريني ستشارك، بغض النظر عن حديث شرعية الدستور، وعدم شرعيته، التي لا تعني له شيئا يمنعه من المشاركة».

وتضيف «أما الدول العربية والإقليمية والدولية، فإنها تعتبر البحرين نموذجا متقدما... وتشيد الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا مراراً وتكراراً بالإصلاحات التي تمت... أما أهم العبارات في هذه الفقرة فهي «عند التأمل العميق، سنجد أنه لا مشتري سوانا، داخليا وخارجيا، وعلى المستويين المحلي والدولي، وعلى المستوى الرسمي وغير الرسمي، لبضاعة الشرعية وعدم الشرعية لدستور 2002».

وليس ثمة إقرار أوضح من هذا البيان في تخلي الوفاق عن ملفها الدستوري، وأنها ادركت بعد 3 سنوات من العمل السياسي أنها «خاسرة»، إلا أن السؤال المركزي لهذا التنازل المفاجئ والذي يحق لباقي الجمعيات السياسية في التحالف الرباعي أن تستوضحه من «الوفاق»، هو ما المعنى المراد إيصاله من وراء هذا الخطاب، وهل من الواجب على الوفاق أن تعلن إنسحابها الرسمي من الأمانة العامة الدستورية؟.

إذا كانت مشاركة الوفاق فعلياً تتضمن الاعتراف - الضمني - بدستور 2002، فإن مالم تقله الوفاق في هذه الدراسة هو أنها تخلصت من تركة المماحكة الطويلة مع السلطة بشأن العودة لدستور 1973، بمعنى أن أقصى ما ستطمح له الوفاق داخل البرلمان هو إجراء بعض التعديلات الدستورية على الدستور الحالي ما استطاعت ذلك، وهذا تحول مهم في المنظومة السياسية لجمعية الوفاق.

وتتذرع الدراسة بأن الدولة «ستعمل على حشد أبناء الطائفة السنية الكرام وستنجح كما في 2002، وستعمل على مشاركة العسكريين، وسيدخل المجنسون الذين زاد عددهم في هذه المشاركة، ستخلق درجة من الخوف والرهبة ولكنها لن تكون كخوف ورهبة 2002 لكنه (الخوف) سيبعث على مشاركة نسبة من المواطنين... وإن حدوث ذلك سياسياً لا يعني سوى هزيمة قرار المقاطعة، وفي هذه المرة ستكون الهزيمة واضحة، ما يعني أن المعارضة بقرار المقاطعة ستنتحر سياسياً كمعارضة سياسية هذه المرة».

إن مثل هذا البناء العقلي للدعوة للمشاركة لا يتضمن في حقيقته أية علاقة موضوعية مع مفهوم الدراسات السياسية، ولولا أن قرار «المشاركة» في حد ذاته كان «حسنة» لهذه الدراسة، لكان لنا أن نصور هذه الدراسة بأنها لا تزيد عن خربشات سياسية لا أكثر وربما أقل.

فالدولة لن تهمل استخدام تلك الأدوات، شاركت الوفاق أم قاطعت، بل أن الدولة ستكون محتاجة لاستثمار مثل هذه الأدوات في حال مشاركة قوى المعارضة من باب أولى.

من يحرك من؟:

تحذر الدراسة من أن «تكرار المقاطعة بالأساليب التي استخدمت ما بين 2002 و2006 لن ترضي الشارع المقاطع، وستجد القيادات المقاطعة أمامها طريقا واحدا، هو التصعيد السياسي الذي سيقود موضوعياً إلى التصعيد الثوري»، فالوفاق لا تملك السيطرة على جمهورها اليوم، وهي لا تضمن شارعها، وفي هذه العبارات ما يقود إلى الاعتقاد بأن «الوفاق» أصبحت مسيّرة برغبات الشارع، لكنها تنتقي من رغباته ما يحلو لها، وتهمل ما لا يتوافق مع رؤى بعض قياداتها السياسية.

الوفاق لا تكتفي بإعلان أنها لا تمتلك شارعها السياسي بل تذهب إلى اعتراف أكثر وضوحاً، عن أنها لا تمتلك في منظومتها الداخلية ما تعتمد عليه في اتخاذ قراراتها السياسية، لذلك فهي تراقب ما يقوله المختصون لتحذو حذوه، من ضمن ما ورد في الدراسة المعجزة «إن كل المراقبين في الخارج، ومن كل المستويات، خليجية، وعربية، ودولية، حكومية وأهلية، سنية وشيعية، إسلامية وعلمانية يقولون بخطأ استمرار المقاطعة، ولا يمكن أن يعني ذلك أن الجميع من هؤلاء لا يعرفون الساحة البحرينية وكأن خصوصيتها سر كامن لا يعرفه إلا المقاطعون». ويضيف «وهؤلاء الأكثر خبرة في عالم السياسة يدركون مدى خطأ استمرار المقاطعة، ومدى ما تفوته من فرص ومكاسب، وما يمكن تحقيقه بشكل موضوعي من إنجازات في خيار المشاركة». وفي باب خسائر استمرار المقاطعة، تورد الدراسة «أن للمقاطعة مكاسب لا يمكن نكرانها، ولها خسائر أيضاً، لا يمكن نكرانها»، إلا أن الدراسة لا تعرض أي من تلك الإيجابيات للمقاطعة، ما يجعل الدراسة فاقدة لاكتمال المشهد السياسي القادم أمام من صوتوا عليها بالغالبية. ومن تلك الخسائر التي يحملها قرار المقاطعة تورد الدراسة «بقرار المقاطعة نتخلى عن وسيلة ضغط مؤثرة جداً في التغيير. ومن مختلف التجارب الإنسانية، نتعلم أن الكثير من التحولات تتم من خلال المجالس المنتخبة التي تساند التطلعات الشعبية في التغيير»، لكن ماذا لو استخدمنا كلمة «المشاركة» عوض «المقاطعة»، من الواضح أن جمال التعبير لا يتأثر، وبما يصل لماهية المعنى!.

ولا يفوتنا المرور بمادة «الغيرة»، إذ تذهب الدراسة إلى التحذير من ظهور بعض الرموز الاجتماعية في مناطق مختلفة «لم تكن موجودة برزت في الإعلام وفي بعض المواقف المتعلقة بمصالح المواطنين، وستكون أرقاماً انتخابية في الدورة القادمة بينما لم تكن تُذكر قبل ذلك، ومع المقاطعة سيترسخ ذلك»، والسؤال.. هل تبني مؤسسة شورى «الوفاق» قرارها بالمشاركة على خلفية الخوف من ظهور أسماء اجتماعية جديدة، أم من بعد سياسي تحليلي علمي مدروس!.

المكاسب الممكنة... ممكنة

تبقى أقوى المواد في الدراسة محصورة في باب «المكاسب الممكنة من وراء المشاركة»، ولو كانت الدراسة مقتصرة على هذا الباب لكفى، عوض ذلك العرض الهزيل للأبواب الأولى، الذي يجعل «الوفاق» في موقف لا تحسد عليه أمام جماهيرها وأمامنا كإعلاميين.

لابد ألا تكون هذه القراءة على حدتها عاملاً في الرجوع للوراء، إنما هي محاولة للتثاقف مع الوفاقيين في شأنهم «الداخلي»، إذ إن الوفاق بأدائها السياسي تمثل منطقة «الداخل» بالنسبة لأجهزة الإعلام.

لـ «الوفاقيين» أن يقفوا لحظة صدق مع النفس، وأن يفهموا جيداً، أن «الوقت» إن لم تستثمره السياسة في بعض الاحايين فإنه «يقتل»!

العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً