العدد 3299 - الأحد 18 سبتمبر 2011م الموافق 20 شوال 1432هـ

صورة الرجل من خلال منظور أنثوي

في الفصول السابقة ناقشنا صورة المرأة في الأمثال الشعبية والتي تم رسمها من خلال عدد ضخم من الأمثال (مئات الأمثال) والتي جمعت في كل بلد بصورة منفصلة. ويمكن أن نلاحظ مما سبق الكم الهائل من الأمثال المتعلقة بالمرأة سواء كانت من نسج المرأة أو نسج الرجل للمرأة. ومن خلال دراستي للأمثال الشعبية في مملكة البحرين تمكنت من جمع قرابة 2500 مثل شعبي منها قرابة 250 مثلاً (أغلبها عن الشيخ الناصري) تختص بالمرأة أي قرابة 10 في المئة من الأمثال الشعبية، ويعتبر هذا العدد صغيراً إذا قورن بأعداد الأمثال المجموعة في دول أخرى، على سبيل المثال جمعت منية بل العافية في كتابها «المرأة في الأمثال المغربية» ألف مثل له علاقة بالمرأة. ويمكننا أيضاً من خلال تلك الأمثال أن نرسم صورة الرجل حيث يبرز الرجل في تلك الأمثال بصورة المهيمن، فالأمثال التي تحط من المرأة هي ذاتها ترفع من شأن الرجل، لكننا لو حاولنا أن نرسم صورة للرجل من منظور نسائي بحيث نوضح ما تكرهه النساء من صفات في الرجل أو، بمعنى آخر، ما هي الصفات التي تنتقص بها المرأة الرجل؟، وهل أن المرأة تمكنت من نسج أمثال تنتقد بها الرجل وتنتقصه بها؟. مثل هذه الأمثال يصعب العثور عليها، بالطبع هناك العديد من الأمثال المتصلة بالأخلاق السيئة وأخرى متصلة بالنقد اللاذع لكنها أمثال عامة ليست ذات خصوصية. ويتضح من الأمثال التي رجعت له والتي تتعلق بالرجال تعطي صورة أن الرجل له أساليب متعددة في التحايل وخصوصاً في البحث عن حيلة لكي يتمكن من أن يتزوج بالثانية، كذلك تظهر صورة متناقضة للرجل فهو أمام الناس له صورة المهيمن بينما هناك صورة له غير معلنة يكون فيها بصورة المتودد للمرأة ويطلب رضاها عنه. وربما يعود سبب قلة الأمثال المتعلقة بالرجال لظاهرة أسميتها ضياع الأمثال الموازية وكذلك بسبب «المسكوت عنه من التراث الذكوري».

الأمثال المتوازية

يُقصد بهذه الأمثال المتوازية أن يكون هناك مثل له صورتان متوازيتان، بحيث تكون له صيغة يكون فيها الفاعل امرأة وصيغة أخرى موازية للأولى يكون فيها الفاعل رجلاً مع تعديل في بعض كلمات المثل لتتوافق مع الصياغة. ومع تقادم الزمن تهمل الصيغة المذكرة وتبقى الصيغة المؤنثة وبذلك تكون القيمة الموجودة في هذا المثل قد لصقت بالمرأة فقط دون الرجل وتصبح النسخة المؤنثة من الأمثال المرتبطة بالنساء. والمشكلة أنه من الصعب إثبات نظرية وجود أمثال متوازية لأن الأمثال المذكرة في غالب الأمر لا توثق ولكن وجود بعض الأمثال التي وثقت بصورة نادرة أو مازالت تتردد على ألسن النساء يدلنا على وجود هذه الأمثال. على سبيل المثال، المثل «قاعدة مستريحة سوت ليها فضيحة»، هذا المثل موثق على أنه من أمثال النساء وأن المرأة إذا لم تجد لها ما تفعله قامت بعمل يجلب لها المشاكل، وهذا المثل كثير الاستخدام حتى وإن كان الفاعل رجلاً تُستخدم له هذه الصيغة المؤنثة، والجدير بالذكر أن هناك صيغة مذكرة موازية لهذه الصيغة إلا أنها غير موثقة وقد سمعتها على لسان بعض النساء وهي «قاعد مستريح سوى له ماصول يصيح»، والماصول هو نوع من أنواع آلات النفخ الموسيقية و «ماصول يصيح» كناية أن الرجل قام بعمل جلب به لنفسه المشاكل.

المسكوت عنه من التراث

هناك أخلاقيات للبحث العلمي وحتى للممارسات الطبية وهي معايير تحدد خطوط حمراء معينة لا يمكن تجاوزها، إلا أن هذه المعايير قد تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، وهناك من يرى أن الثقافة الذكورية تتدخل لحجب ممارسات طبية معينة أو لحجب توثيق مادة تاريخية معينة تسيء للذكورة، و كمثال على تدخل الثقافة في معايير الأخلاقيات عملية ختان الذكور والتي تعتبر عندنا طقساً دينياً يجب أن يجرى بينما في الغرب هناك من الأطباء من يحارب عملية ختان الذكور ويعتبر الأطباء الذين يقومون بها مخالفين لأخلاقيات المهنة ومنتهكين لحقوق الطفولة، نلاحظ هنا أن ثقافة وفلسفة المجتمع تتدخل في تحديد معايير أخلاقيات المهنة، كذلك هي عملية توثيق التراث تحدث لها عملية فلترة. فلنأخذ مثالاً بسيطاً هنا لفظة «أخنيتوى» هي لفظة ابتكرتها النساء، وهي تحريف للفظة أخرى مشهورة يستخدمها الرجال، وهي تعني بصورة عامة الرجل الذي يجالس النساء، وفي الواقع أن بعض الأمثال النسائية التي اجتازت الخطوط الحمراء ووصلت لنا توضح بعض ملامح هذه الشخصية، (أي الخنيتوى)، فهو لا يجالس النساء فقط بل يقوم بأعمال النساء من مثل عمل القلائد التي تصنع من نبات المشموم، فمن أقوال النساء «خنيتوى شكاك المشموم»، كذلك أنه لا يتزوج أو نادراً ما يتزوج وهو ما يتضح من قول النساء «ما يعرس ولا يضوق المَرَة». يتضح من هذه الصفات المذكورة أن المقصود بـ «الخنيتوى» طبقة معينة من الرجال كانت موجودة في المجتمع، وهناك متن تاريخي مواز لهذه الأمثال يصف تلك الطبقة ويصف أن تلك الطبقة من الرجال، الذين لا يعتبرهم المجتمع رجالاً بل يطلق عليهم مسميات أخرى، تجالس النساء وتساعد النساء في أعمالهن ولا تتزوج، وفي حال تزوجت تقام لها طقوس خاصة بالزواج، وبذلك ينتقل هذا المتزوج لطبقة الرجال. والسؤال، أين هذا المتن التاريخي؟، مثل هذه الأمور تعتبر من النوادر التي توثق في الكتب العربية ولكنها تبقى حصرية في البحوث التي تنشر في المجلات العالمية المحكمة. وقد تناولنا في فصل سابق أن العديد من الثقافات في العالم يوجد بها «جنس ثالث» يتميز بمثل تلك الصفات المذكورة سابقاً لكن الفرق أن الثقافات الأخرى توثق تلك الظواهر وكيفية تطورها وصولاً إلى يومنا هذا، إلا أن الثقافة المسيطرة على مجتمعنا تفرض «عملية فلترة» وبذلك نفقد جزءاً كبيراً من المادة التراثية والمتن التاريخي الموازي.

الحيلة حيلة الرجال

جميع الأمثال المتعلقة بالمرأة في العالم العربي ترسم صورة واضحة تبين فيها أن كيد المرأة ومكرها أقوى من كيد الرجال، إلا أن عدداً قليلاً من الأمثال توضح أن للرجل أساليب متعددة في التحايل وبالخصوص في ابتكار حيل جديدة لكي يتمكن من أن يتزوج بامرأة أخرى، من ذلك قول النساء «الحيلة حيلة الرجل والمكر مكر النساء». وترى النساء أن لا أمان للرجل؛ فإذا أراد أن يتزوج بأخرى فلا شيء سوف يمنعه من ذلك ولا حتى نقص المال، فلذلك تسمع في أمثال النساء «الرجال إعيزه حقب ولا يعيزه مهر» بمعنى أن الرجل قد يكون فقيراً بحيث لا يتمكن من شراء «حقب» وهو الخيط الذي يربط به إزاره ولكنه قادر على أن يتدبر مهر لزوجة أخرى.

الرجال «اتركون خدٍّ يدوسونه»

ترى المرأة أن الرجل يعيش حالة من التناقض فهو أمام الناس يظهر بصورة الرجل المهيمن لأنه لا يحب أن يظهر بصورة أقل من باقي الرجال التي تظهر جميعها بصورة المهيمن، إلا أن الرجل يعيش صورة أخرى في الخفاء، صورة المنقاد والمنفذ لرغبات زوجته، البعض يفتضح سره من فلتات اللسان والبعض يجاهر بضعفه والغالبية تتستر وربما تبالغ في إظهار هيمنتها، تلك المبالغة التي ربما تجعل من حياته جحيماً. وقد عرف في التاريخ العربي في الإسلام وقبله عدد من النساء المهيمنات والتي كانت تصيغ القرارات ولو من وراء حجاب، سواء أكان ذلك بحسن التدبير، وصواب الرأي، أم بالتأثير والسيطرة. والجدير بالذكر أن من كان يفضح وجود هيمنة وسيطرة للمرأة في الخفاء هو الرجل فهو الذي صاغ عدداً من الأمثال التي تفضح الرجولة منها «فلان... سكانه مرته» أي أن زوجة فلان هي التي توجهه، بالطبع شياع مثل هذا المصطلح ووسم عدد كبير من الرجال به يدل على وجود هيمنة نسائية في الخفاء. ومن الأمثال اليمنية «جديّه (أنثى الجدي) تلعب بتيس» وشبيه له قول الشاعر:

لا تعجبوا من غزال صادها أسد

بل فاعجبوا من غزال صادت الأسَدَا

وكذلك المثل «جليس الليل غَلَب جليس النهار» وهذا المثل شبيه بقصة الشاعر الفرزدق مع زوجته النوار عندما اختلفا، فقد أحتكم الفرزدق عند حمزة بن عبدالله ابن الزبير، فسارعت نوار لزوجة ابن الزبير وهي بنت منظور بن زبّان، فكان كلما أصلح حمزة من شأن الفرزدق نهاراً، أفسدته المرأة ليلاً، حتى غلبت المرأة وقضى ابن الزبيرعلى الفرزدق. ففضح الفرزدق ابن الزبير بقصيدة قال فيها:

أمّا البنون فلم تقبل شفاعتهم

وشُفِّعَتْ بنت منظور بن زبّانا

ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزراً

مثل الشّفيع الذي يأتيك عُرْيَانَا

وترى النساء أيضاً أن من الرجال من لا يستاء من تودده للمرأة وسيطرة المرأة عليه، فقد يترك الرجل امرأة تتحمل هيمنته وهي صامتة ويهجرها لزوجة أخرى تكون هي المهيمنة، فقد قالت النساء قديماً «اتركون خدٍّ يدوسونه، وروحون لخدٍّ يبوسونه»

العدد 3299 - الأحد 18 سبتمبر 2011م الموافق 20 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً