استذكر حشد كبير من رفاق ومريدي ومحبي الأب الروحي لجمعية وعد الراحل عبدالرحمن النعيمي جانباً من نضاله الوطني الممتد طيلة أكثر من أربعين عاماً قبل أن يترجل عن الحياة مطلع الشهر الجاري، وذلك في ندوةٍ أقامتها جمعية المنبر التقدمي، أمس الأول الأحد (18 سبتمبر/ أيلول 2011) بمقرها في مدينة عيسى، كان عنوانها «سيرة مناضل» تخليداً لذكراه.
وتحدث اثنان من رفاق النعيمي هما عبدالنبي العكري، وعبدالجليل النعيمي خلال الندوة، إذ شدد المنتديان على أن النعيمي لم يكن رمزاً لفئة من المواطنين دون أخرى، بل كان زمراً وطنياً جامعاً لكل البحرينيين في حياته ومماته كذلك.
وقال عبدالجليل النعيمي الذي استهلّ كلامه بالحديث عن الراحل (أبي أمل) «طوال فترة غيبوبته الممتدة أربع سنوات، كان «أبو أمل» يرد علينا بحركاتِ جفنه، التي كانت تقول لنا نيابة عن فمه «إني أسمعكم»، لذلك فقد كان طوال تلك الفترة حاضراً في نفوسنا وكنا حاضرين في روحه ووجدانه».
وأضاف «تعرفت عليه في المنفى وكنا نختلف ونأتلف، لكنه كان على الدوام أباً وأخاً وصديقاً نلوذ به، إذ كان يميل مع الحق بغض النظر عن العلاقات الشخصية».
وأردف «أذكر أنه بعد عودته إلى الوطن تشكلت لجنة من وزارة العمل وغرفة التجارة ولفيف من الشخصيات الوطنية لتدارس ملف الحد الأدنى للأجور، ورغم أنه لم يكن اقتصادياً إلا أنه انحاز بفطرته إلى الكادحين، ومازلت أتذكر المقال الذي كتبه في هذا الشأن والذي عنوانه (الحد الأدنى للأجور... الحد الأدنى للكرامة)».
وأكمل «أما في السياسة فقد كان النعيمي أحد أعمدتنا، وكم نحن اليوم أمام تعثر عجلة الإصلاح في حاجة إلى تلمّس كلماته، كما نحتاج إلى العودة إلى تكتيكه الثوري عندما أشار إلى أن على كل طرف أن يحدد ما يريد تحقيقه في الحراك على المستوى المحلي والإقليمي، ويجب أن يكون المقياس ليس ما تتحدث عنه وسائل الإعلام، بل ما يتحقق على الأرض».
وتابع «كما إننا بحاجة إلى العودة إلى كلماته في وحدة مجتمعنا بعد حالة التراجع الكبير مقارنة بما كنا عليه في الخمسينيات والستينيات، لأن هذا الانقسام يضرّ بالوطن أكثر مما يضرّ بأي فئة أو جهة مناضلة».
ومن جانبه قال عبدالنبي العكري «إنه لشرف لي أن أتحدث أمامكم عن رفيق وصديق وأخ عايشته لأربعين عاماً، وعرفته في مختلف مواقع النضال في الوطن والمنافي وفي مختلف ظروف الشدة وما أكثرها، والرخاء وما أقلها».
وأضاف «أستطيع القول إن شخصية الراحل «أبوأمل» شخصية جامعة، وكان يؤمن إيماناً عميقاً بتوحيد القوى الوطنية على صعيد البحرين والخليج وعلى المستوى العربي».
وتابع «في مسيرة تشكيل الجبهة الشعبية في البحرين خلال السبعينيات سعى إلى توحيد نواة الجبهة المشكَّل من يسار تنظيم حركة القوميين العرب مع التنظيمات اليسارية الأخرى مثل جبهة تحرير شرقي الجزيرة العربية وجبهة تحرير الخليج العربي بقيادة المناضل الشهيد محمد بونفور وشخصيات وطنية مستقلة».
وأكمل العكري «لقد سادت في السبعينيات والثمانينيات الخلافات الفكرية والإيدلويوجية سواء في أوساط اليسار أو فيما بين التيارات اليسارية والقومية والإسلامية، والبحرين ليست استثناء».
وواصل «رغم ذلك فإثر حل المجلس الوطني في البحرين خلال هجمة أغسطس/ آب 1975 فقد سعى النعيمي إلى وحدة القوى الوطنية حينها وهي الجبهة الشعبية وجبهة التحرير وحزب البعث العربي الاشتراكي، ورغم أنه لم يكن هناك إطار مؤسسي جامع لهذه التنظيمات، إلا أنها أسست لعلاقات تشاور وتعاون فيما بينها في الداخل والخارج في ظل الظروف الصعبة لما بعد هجمة أغسطس 1975 وحقبة أمن الدولة المديدة».
ولفت إلى أن «ذلك انعكس إيجاباً على الحركة الجماهيرية العمالية والنسائية والطلابية وعلى المنظمات الأهلية وخصوصاً تشكيل اتحاد عمال البحرين والاتحاد الوطني لطلبة البحرين حيث كان الخط الوطني هو الأساس والتوافق الوطني في المواقف وتشكيل الهيئات هو القاعدة».
وشدد العكري على أن «مسيرة هذا التحالف لم تكن سَلِسَة أو سهلة فقد مررنا بمنعطفات صعبة وخصوصاً مع الأحداث العاصفة التي شهدتها بلادنا والمنطقة العربية والخلافات التي عصفت بها، لكن «أبوأمل» حرص على الحد من هذه الخلافات لكي لا تنعكس سلباً على التحالف ما بين هذه القوى ووحدة هذين التنظيمين النقابيين والعمل الوطني عموماً».
وأضاف «عندما تأزمت العلاقات ما بين الجبهتين الشعبية والتحرير وانعكست سلباً على العمل الجماهيري أسهم كما يعرف الجميع في حوار بناء تُوّج بالوثيقة المشتركة في 1981 والتي أسهمت في حل خلافات فيما بينهما وداخل الاتحاد الوطني لطلبة البحرين أيضاً والتأسيس لاحقاً لتحالف الجبهتين في الثمانينيات والتسعينيات».
وأكمل «هنا أودّ أن أشيد بالموقف الوطني المسئول لقيادات جبهة التحرير الوطني - البحرين وحزب البعث العربي الاشتراكي - البحرين، والذين أسهموا في بناء تجربة التحالف والدعم المتبادل في ظل تلك الظروف الصعبة».
وتابع «بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 وإخراج المقاومة ومعها ممثلي حركات التحالف العربية من لبنان، توفرت الظروف، انطلاقاً من دمشق لتحالف أمتن بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير، وتشكل بناءً عليه إطار مشترك تمثل بلجنة التنسيق لتقود العمل المشترك السياسي والإعلامي والعلاقات، حيث أسهم الراحلان النعيمي والذوادي، ومعهم مناضلون تعرفونهم جميعاً في التأسيس لتجربة إيجابية رغم أخطائها ونواقصها وانعكست إيجاباً على العمل الأهلي والنقابي المشترك داخل البحرين كما أسهمت في طرح قضية شعب البحرين خليجياً وعربياً ودولياً، وتركت تراثاً غنياً وراءها».
وأشار العكري إلى أنه «عندما برزت على الساحة القوى الإسلامية المعارضة منذ 1979 ورغم المواقف السلبية لبعضها اتجاه اليسار البحريني، فإن «أبو أمل» لم ييأس وأسهم بمبادرته في التقارب التدريجي مع هذه القوى وخصوصاً حركة أحرار البحرين والجبهة الإسلامية والشخصيات الإسلامية المناضلة في البحرين والخليج العربي بحيث أسهم ذلك في خلق العلاقات التحالفية الإيجابية خلال مرحلة التسعينيات أو ما يعرف بانتفاضة التسعينيات وإطلاق العريضة النخبوية ثم العريضة الشعبية ومجمل النضالات في الداخل والخارج لقضية شعب واحد يناضل من أجل هدف واحد وهو استعادة الحياة الدستورية».
وتابع «طوى النعيمي أكثر من ثلاثة عقود في مختلف المنافي، لكن وفي كل منفى وفي كل الأوقات فقد كانت قضية شعبه هي الأولى وكانت الوحدة الوطنية هي هاجسه ووحدة قوى المعارضة شاغله. ولم يمنعه المنفى من التواصل مع أبناء شعبه ومناضليه، ولذا كان بيته ملجأ للمناضلين البحرينيين القادمين من البحرين أو الخارج».
وتحت هذا العنوان قال العكري «تهيأت ظروف الانفراج والعمل العلني السياسي والجماهيري بعد سنتين من وصول جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى السلطة في 6 مارس/ آذار 1999، بعد الاستفتاء على الميثاق في 14 فبراير/ شباط 2001م حيث يعتبر علامة فارقة في التحول المأمول في سياسات النظام السياسي وأوضاع البلاد، وخلال المرحلة الانتقالية حيث لايزال عدد كبير من قيادات المعارضة والنشطاء السياسيين في المنافي فقد طرحت قضية توحيد الفصائل اليسارية في تنظيم واحد نفسها بقوة، وكان الراحل النعيمي من المتحمسين للمشروع وهكذا تم تداول مسودة التجمع الوطني الديمقراطي».
وذكر أنه «بعد عودة الراحل النعيمي إلى البحرين مع قيادات ومناضلين من المعارضة والعمل النقابي والحقوقي، تحولت خيمته في عراد الجديدة إلى موئل للمهنئين وفي ذات الوقت ملتقى لمختلف أبناء الشعب البحريني من مختلف المناطق بمن فيهم المختلفون معه».
وأضاف «هنا طرحت بقوة مهمة توحيد القوى اليسارية الديمقراطية، وكان هناك مشروع التجمع الوطني الديمقراطي، حيث عقد اجتماع المؤسسين في خيمة النعيمي قبل أن تنتقل الاجتماعات إلى نادي العروبة وكان فقيدنا المناضل جاسم فخرو رمز التوافق على هذا المشروع، ولذا فإن وفاته كانت خسارة كبيرة للمشروع والعمل الوطني. ورغم إخفاقنا جميعاً في تحقيق هذا المشروع الذي نفتقده جميعاً، إلا أن «أبوأمل» ومعه مناضلون من عدة اتجاهات أسسوا جمعية العمل الوطني الديمقراطي كأول جمعية سياسية علنية في مملكة البحرين، والخليج العربي».
واستدرك بقوله «لكن عدم تحقيق قيام جمعية موحدة لليسار الديمقراطي، ورغم ما صاحب تلك الفترة من توترات لم يُصَبْ أبوأمل بالإحباط أو ردة الفعل، بل سعى للتأسيس لعلاقات تحالفية مع الجمعيات اليسارية الأخرى. كما بذل جهداً استثنائياً في تأسيس علاقات تحالفية مع الجمعيات الإسلامية المعارضة وخصوصاً الوفاق والعمل الإسلامي».
وأردف «ورغم الخلافات التي عصفت بأطراف المعارضة إثر انتخابات 2002 فقد عمل أبوأمل جاهداً لائتلاف أطراف المعارضة وشخصياتها في إطار المؤتمر الدستوري، وفي إطار تحالف الجمعيات السبع لاحقاً».
وفي محورٍ آخر قال العكري «شكلت الوحدة الوطنية هاجساً أساسياً لدى «أبوأمل» وخصوصاً في مرحلة العهد الجديد والعمل السياسي والعلني الواحد. كلنا يدرك الأدوار المدمرة التي لعبتها السلطة والقوى السياسية والمجتمعية الطائفية من خلال سياسات التمييز الطائفي والمذهبي، في تعميق الانقسام الطائفي وتمزيق اللحمة الوطنية ومعول هدم لبناء نظام ملكي دستوري ديمقراطي حقيقي».
وأكمل «جسّد النعيمي في مسلكه ومواقفه المناضل الوطني والداعية للوحدة الوطنية ونبذ الطائفية فكراً وسلوكاً وممارسة، كان بيته مزاراً لكل الوطنيين البحرينيين وكانت جمعية العمل الوطني الديمقراطي التي أسهم في تأسيسها إطاراً جامعاً لأبناء البحرين. ما أن يعلن عن ندوة أو مهرجان أو اجتماع للنعيمي أو يكون مساهماً فيه إلا ويتسابق البحرينيون من مختلف الفئات للحضور وكانت حملته الانتخابية في 2006 نموذجاً للحملة الانتخابية الوطنية، حيث كانت مهرجاناته ولقاءاته الانتخابية تجمعاً لكل البحرينيين وليس أبناء الدائرة والقضايا المطروحة قضايا الوطن وليست فئة منه، وهنا نتذكر كلماته (ليس الدستور شأناً شيعياً أو سنياً، إنه شأن وطني)».
وأضاف مجدداً «تواجد النعيمي حيثما يتواجد أبناء شعبه، في المنتديات والمجالس والمساجد والحسينيات في الأفراح والأتراح وزار الفقراء كما الأغنياء في بيوتهم ومجالسهم».
وأشار إلى أنه «عندما داهمه المرض الذي تسبب في غيبوبته الطويلة منذ أبريل/ نيسان 2007 فقد تحولت الرياض - ولأكثر من عام حيث يعالج - إلى موئل لأحبته، وبعد نقله إلى وطنه البحرين أضحى منزله مزاراً للمواطنين ولأصدقائه من العرب والأجانب، على امتداد أكثر من أربع سنوات».
وواصل العكري «أبوأمل وهو في غيبوبته الطويلة حاضر بقوة في ضمير المواطنين وأصدقائه وأحبته في كل مكان، لم ييأسوا من قيامه ورجوعه إلى مواقع النضال، لقد افتقدوه في الملمّات والمنعطفات الصعبة، وحتى عندما تقطعت السبل خلال أشهر الأزمة الأخيرة فقد كان أحباؤه يغامرون بزيارته». وتابع «شاء القدر أن يلتحق أبوأمل بجوار ربه في ثاني أيام عيد الفطر المبارك الموافق 1 سبتمبر 2011م، والبلاد لم تبرأ بعد من أزمتها والانقسام الطائفي الكريه يخيم على البلاد، والشحن الطائفي المقيت مستمر وأجواء التوتر سائدة، وهنا أسهم المناضل عبدالرحمن النعيمي في وفاته كما أسهم في حياته في التفاف أهالي البحرين حول رمز وطني يوحّدهم والتقائهم مع بعضهم البعض فكانت جنازته في اليوم التالي لوفاته في 2 سبتمبر/ أيلول 2011 تظاهرة وطنية، ولأول مرة خلال أشهر الأزمة يتحول مجلس عزائه في المحرق إلى مساحة لقاء لكل البحرينيين بمن فيهم الفرقاء المختلفين».
ولفت إلى أن «مجالس العزاء التي أقيمت على روحه في مختلف مناطق البحرين تعبيراً عما يكنّ له المواطنون من حب، كذلك تقام لقاءات الاحتفاء به تباعاً في البحرين وخارجها من قبل أصدقائه والمناضلين الذين عرفوه، وما احتفاؤنا هذا إلا تعبير عما يرمز إليه كشخصية وطنية وقومية وأممية جامعة».
وحيّا العكري «وقفة الوفاء هذه لـ «أبوأمل»، وتفاني وإخلاص رفيقة دربه أم أمل والتي كابدت الكثير وكانت في الظل وهي تقوم بصمت بإسناده ورعاية أسرته في فترات غيابه الطويلة ما بين السجون والمهام النضالية. وأحيّي أسرته الصغيرة المُحبة وعائلة آل النعيمي الكرام الذين يفخرون بما يمثل لهم أبوأمل وأحيّي شعب البحرين الوفي لـ «أبوأمل» وجميع محبّيه حول العالم والذين لم ينسوه».
وقال «أحيّي جميع من واسانا في فقيدنا الغالي من المنظمات والقيادات السياسية والمجتمعية ومن المناضلين والأصدقاء على امتداد العالم، وعبّروا بمختلف السبل بإقامة مجالس العزاء أو الاحتفاء أو الكتابة أو التعازي أو الاتصال، فهو فقيدنا جميعاً وهو رمز وطني بحريني كما هو قامة عربية وأممية باسقة، إنه نخلة من نخيل بلادي الواقفة بكبرياء»
العدد 3300 - الإثنين 19 سبتمبر 2011م الموافق 21 شوال 1432هـ
رحمة الله عليك ايها المناضل
رحمة الله عليك لقد كنت وطنيا لاتهمك الطائفية البغيضة ولاتمهك المناصب ولا اي شي سوى همك اثبات حقوق الناس بشكل عااام على مرة 40 عاما رحمة الله عليك ورحمةالله الشيخ الجمري