كأي طالب يقطن في حي بسيط، أتوجه يومياً في الصباح الباكر إلى المدرسة، بعد مروري بالمخبز، ادخاري لا يسمح لي بشراء أي من المأكولات التي يقدمها. رؤية الأطباق الشهية وشم رائحتها تشبعني.
في يوم الثلثاء من شهر التعاسة أكتوبر/تشرين الأول، هطل مطر غزير ملأ الشوارع والأزقة بالمياه، لا طرق للمدرسة، وأنا عازم وقوي كشجرة سنديان، هذه المياه المتسخة بالرمل التي تشكل عائقاً، لا تخيفني ولن تردعني عن العبور، تسابقت مع البرق حين يظهر ويختفي، أمرُّ من شارع إلى شارع ... هزمني ببراعة متقنة. أنزلت رأسي خجلاً متلفتاً يمنة ويسرة، فلفت نظري رجل ذابت فيه ملامح الصبا، وظهرت ملامح الخمول والكسل، ثيابه مغمورة بالماء والوحل، توحي بفقره، جلسته المفعمة بالأمل أنعشتني. لم أره من قبل. لم أقابل تلك العين بَحرية اللون. لو قابلتها لسبحت فيها وفي مجاريها حتى الشبع. وحيداً يجوب دنياه لرزق يبحث عنه في قطرات المطر. كيف يظل هذا الرجل محافظاً على جمال شعره ونعومته وقد ناهز السبعين من عمره؟! لمَ يجلس على رصيف قذر لا ألوان تغطّيه؟ أنا أرى الورد والبحر والغيم فيه. لا هموم ولا لهيب في عينيه الصافيتين.
يمر بكل مساوئ دنياه الساخرة مبتهجاً. لا تهمه ضربات الرعد القاتلة، ولا سرعة البرق. فلا أعلم لم هو هنا؟! أيكون هنا لمساعدتي أم أنه بحاجة لمساعدة بالأحرى؟! لا أعلم أين اختفى الناس وتجاهلوه. لم تجاهل روح الحياة؟
فرات عباس يوسف
طالب في المرحلة الإعداية بعمر ربيع وأربع سنوات
العدد 3333 - السبت 22 أكتوبر 2011م الموافق 24 ذي القعدة 1432هـ