العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ

امرأة الملازم الفرنسي

لحظة الحديث عن فيلم (امرأة الملازم الفرنسي - 1981) تتداعى في الذاكرة ذكريات السينما الجميلة... تلك السينما التي افتقدناها هذه الأيام. فهذا الفيلم يعد من بين الأفلام المهمة والمتميزة في تاريخ السينما الأميركية والعالمية. قام ببطولة هذا الفيلم كل من الأميركية «ميريل ستريب» والبريطاني «جيرمي إيرونز»... وقد شارك الفيلم في أكثر من مسابقة للأفلام، فحصل على جائزة أفضل ممثلة «ميريل ستريب» في كل من مهرجان الأكاديمية البريطانية، ومهرجان الكرة الذهبية... ورشحت «ميريل ستريب» أفضل ممثلة لمهرجان جوائز الأوسكار... وللعلم فقط، فإن «ميريل ستريب» قد نالت مليون دولار عن دورها في هذا الفيلم. وتكمن أهمية هذا الفيلم في بنائه الدرامي الزمني، متأثراً بالطبع بما استحدثته (الموجة الفرنسية الجديدة» في نهاية الخمسينات، من تغييرات هائلة في اسلوب استقبال الأحداث في شرائح منفصلة ينتمي كل منها إلى زمن مختلف، بحيث يختلط الحاضر بالماضي في بناء عضوي واحد متماسك، لا يرتبط بتدفق أو ترتيب زمني منطقي. وقد نجح (هارولد بنتر) بالفعل في تقديم سيناريو جيد وبسيط، تلك البساطة التي تتطلب قدراً هائلاً من البراعة الحرفية في صوغها، بحيث تحقق الدقة والتداخل والإحكام... كما كانت خبرة المخرج الإنجليزي (كاريل رايز) وراء نجاح تجسيد كل ذلك بالصورة الحية القوية والرائعة.

قضية الفيلم، تتركز حول شخصية (سارة وودروف) المحورية، والتي على رغم تعقيدها الشديد، استطاع هارولد بنتر رسمها وتحليلها على أفضل ما يكون. ولكي تتضح لنا هذه الشخصية ونستطيع أن نفهمها، لا بد لنا أن نفهم البيئة والعصر اللذين تعيش فيهما، حيث تعكس هذه الشخصية عصراً كاملاً ورؤية واضحة لما كان يحدث في ذلك الوقت في انجلترا، من صراع بين مجتمع راسخ له قيمه وتقاليده القوية المتسلطة وبين رياح التغيير التي بدأت تطرح أفكاراً جديدة لابد أن تقاوم بعنف حتى لا تنسف أعمدة هذا المجتمع التقليدي. ووسط كل هذه الظروف المعقدة، وفي ظل هذا المجتمع المغلق، توجد «سارة»... هذه الفتاة الجميلة الرقيقة الحالمة، والتي تبدو كأنما وجدت في غير عالمها أو في غير موعدها. فهي فتاة متعلمة ومثقفة تعرف اللغة الفرنسية، حيث يبدو هذا في مظهرها وفي أدق إيماءاتها الرقيقة، وعلى رغم ظروفها التعسة... فهي تبدو كنبات بري غريب وشديد الجمال في غابة وحشية... وهي، بالطبع، نموذج لشخصيات أخرى كثيرة لابد أنها موجودة في ظل مثل هذه الظروف، وتطمح إلى الحب والحرية والحق والسعادة. يبقى أن نقول ان (امرأة الملازم الفرنسي) فيلم رائع ومبتكر في أسلوب اخراجه، والموسيقى الهادئة والجميلة، اضافة إلى الدور المهم جدّاً الذي لعبه مدير التصوير في فيلم مثل هذا، يقوم أساساً على الصورة وجمالها وقوة تعبيرها. ثم لابد من الإشارة إلى ذلك الأداء المتميز والمذهل للممثلة «ميريل ستريب»، فلا يمكن تخيل هذ الفيلم بدونها، فهي روح الفيلم ووسيلته الأساسية لتوصيل كل ما يحمله من فكر ومضمون، ليس فقط بجمالها الأخاذ وإنما بقدرتها الرهيبة على التعبير عن روح الضياع والانكسار والطموح والعذاب الداخلي الهائل الذي يعكس رغبة ملحة في الحياة والحب، بمجرد التعبير الهامس منها بالنظرة أو الإيماءة

العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً