بين روابي الغبار الرمادية والطين الجاف يرقد شهداء القاعدة الذين يقدسون كرهبان.
هنا بين هذه القبور المائة والخمسين يرقد 3 رجال حوصروا حتى النهاية في مستشفى ميرويز، اطلقوا النار على الأميركان وحلفائهم الأفغان حتى ماتوا بين مياه الأقذار. أجزاء أخرى من التربة تخفي أجساد أتباع أسامة بن لادن الذين حاربوا في مطار قندهار في المعركة الأخيرة قبل سقوط طالبان.
وهؤلاء كانوا عرباً وباكستانيين وشيشانيين وكازاخا وكشميريين، وكلهم - إذا صدقت الحملة الإعلامية - مكروهون من قبل سكان قندهار البشتون.
ليس صحيحاً، إذ بينما يطوف أفراد القوات الأميركية الخاصة بأسلحتهم شوارع هذه المدينة الحارة التي تشكل وكراً لهؤلاء المقاتلين، يقوم الناس في قندهار بزيارة المقبرة الكئيبة احتراماً لأولئك الرجال. وهم يتجهون إلى القبور، قاطعين مئات الأميال ويأتون بالمئات، وفي أيام الجمع بالآلاف.
يحضرون المرضى والمحتضرين حيث يعتقد السكان المحليون ان زيارة قبور موتى بن لادن سوف يشفي الكثير من الأمراض والأوبئة. وكما ينحني الناس أمام قبور الرهبان تنحني النساء المسنات بطريقة مماثلة لغسل القبور الطينية المغبرة بلطف وتقبيلها، ثم الصلاة وتأمل الأعلام المرفوعة التي تقرقع في عواصف الغبار. إن زيارة مقبرة قندهار تحمل دروساً سياسية ودينية لكل من يأتي إليها.
أحد عمال الإغاثة الغربيين قال إن «الأجانب نُصحوا بالبقاء بعيداً عن مقبرة القاعدة إذ قد يشكل ذلك خطراً عليهم، ولكني عندما زرت قبور رجال بن لادن لم يكن هناك شيء مخيف سوى الرياح الرملية الخفيفة حيث دخل الغبار في عيني وأنفي وفمي وأذنيّ. العديد من الرجال الواقفين حول القبور أبقوا وجوههم ملثمة، بينما عيونهم السوداء تراقب الأجنبي الموجود وسطهم. وتكلّف السلطات الافغانية اثنين من الجنود الأفغان لضبط الحشود، ولكن كل ما يفعلونه هو مراقبة الزوار وهم يضعون أواني الملح على القبور ويأخذون قطعاً من الطين ليلعقوها بألسنتهم.
كان هناك رجل مسن من هلمند قام بوضع أحجار وملح وطين على القبور صافحني وآثار الملح على اصابعه - ثم أخبرني بأنه يزور المقبرة لأنه مريض: «إنني أعاني من آلام في ركبتي وأعاني من الشلل وقد سمعت بأنني إذا حضرت هنا سوف اشفى. وقد نثرت الملح والحبوب على القبور. وبعدها سأجمع الحبوب وآكل الملح، وآخذ الطين من على القبر إلى منزلي» ويسمّي البشتون ذلك «الخردة» احضار الملح إلى قبور «الأولياء».
وهناك عجوز آخر جاء من أروزجان مع أمه: «تعاني أمي من آلام في الرجل والظهر، وجئت بها من قندهار لكي تتمكن من مراجعة الأطباء. ولكن عندما سمعت قصصاً عن قبور هؤلاء الشهداء - وانها قد تشفيها - حينئذ أحضرتها إلى هنا. وهي تشعر بسعادة أكبر من الذهاب إلى الأطباء» وقد راقبت والدته المسنة جاثية على ركبتيها تمسح الغبار عن القبور الطينية وتصلي وتبكي» .
يبدو أن الجنديين الموجودين في المقبرة خضعا للنشوة ذاتها التي خضع لها أولئك المتعبدون. قال لي شاب غير ملتحٍ ويحمل رشاش كلاشينكوف وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه: «لقد شهدت بنفسي اشخاصاً شفوا تماماً هنا، هذا صحيح، الناس يتعافون بعد زيارة هذه القبور. لقد رأيت رجالا فاقدي السمع واستطاعوا السمع ثانية ورأيت الأخرس يتكلم فقد تم شفاؤهم».
ليس هذا هو المكان والزمان المناسبان للاعتراض على مثل هذا الاعتقاد، فقد تطايرت الرمال على المقبرة بقسوة تتناسب مع قسوة أسامة بن لادن. والمقبرة كبيرة جداً فهناك أميال مربعة من المقابر التي تحوي قبور أبناء القبائل، ولكن موتى القاعدة هم فقط الذين يجتذبون النادبين. ويتساءل الغربيون ما الذي يجتذبهم؟ شائعات وأساطير الشفاء؟ أم الفكرة بأن هؤلاء الرجال قاوموا الاجانب حتى النهاية، وفضلوا الموت بدلاً من الاستسلام، وبأن الشهداء غير الأفغان قاوموا كما الأفغان؟
ربما أيضاً لو قام أفراد القوات الأميركية بزيارة هذه الأماكن لرأوا شيئاً مختلفاً قديقلقهم... ويجب أن يقلقهم.
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد -5 - الإثنين 26 أغسطس 2002م الموافق 17 جمادى الآخرة 1423هـ