العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ

المخلوقات المركَّبة: أبودريا وبنات الماء

تناولنا في الفصل السابق تأثير تطوير تقنيات تبادل المعلومات في ابتكار أساطير ثانوية منبثقة من أساطير قديمة، وسنجد دائماً مجموعة أفراد خفية تروِّج لأساطير قديمة وتحاول إثباتها إما بدلائل مبتدعة غير حقيقية أو بحقائق علمية واهية، وهناك عدد كبير من أساطير حديثة مبتكرة ولكننا هنا نحاول فقط تناول الأساطير المرتبطة بمنطقتنا، ومنها الأساطير المرتبطة بمخلوقات بحرية شبيهة بالإنسان كعروس البحر وحورية البحر وهذه أسماء لم ترد في التراث العربي وإنما هي أسماء ابتدعتها العامة وروجت لها المكنة الإعلامية وأصل هذه الأساطير ما ورد في التراث العربي تحت مسميات أخرى مثل بنات الماء وإنسان الماء وفي التراث الفارسي ملك درياه، وشبيه لها المخلوقات الأسطورية في الثقافة الغربية المسماة mermaid (فتاة البحر) و merman (رجل البحر) وكذلك Sirens في المثيولوجيا اليونانيه وهذه الأخيرة عبارة عن مخلوقات بحرية لها رؤوس نساء وأجسام طيور ثم تحولت بعد ذلك أجسام الطيور إلى أجسام أسماك فأصبحت مخلوقات نصفها العلوي كالنساء ونصفها السفلي كالسمك ( Gordon 199، pp. 632 - 633).

بنات الماء أو الخيلان

بنات الماء والمفرد ابنة الماء وابنة البحر ويسمى أيضاً الخيلان وهو مساو لما سمته الإنجليز Mermaid وهو ما تعارفت عليه العامة باسم عروسة البحر. والاسم بنات الماء مشهور في كتب التراث العربي أما لفظة خيلان فقد ذكرها أمين معلوف عن معجم «محيط المحيط» الذي جاء فيه عن الخَيْلان: «وحش في البحر نصفه إنسان والباقي سمك يقال له باليونانيه سيرنس أو هو كالغول والعنقاء أي اسم لا وجود لمسماه».

أما بنات الماء فقد جاء وصفها عند الدميري في كتابه «حياة الحيوان الكبرى»: «بنات الماء: قال ابن أبي الأشعث: هي سمك ببحر الروم، شبيهة بالنساء ذوات شعر سبط، ألوانهن إلى السمرة ... وكلام لا يكاد يفهم، ويضحكن ويقهقهن. وربما وقعن في أيدي بعض أهل المراكب ... وحكي عن الروياني صاحب البحر، أنه كان إذا أتاه صياد بسمكة على هيئة المرأة، حلفه أنه لم يطأها».

كيفية تخلق بنات الماء

وللعرب نظرية عن كيفية تكون المخلوقات الوسطية بين الإنسان والحيوان وهي جزء من نظرية عامة تفسر وجود حيوانات تحمل صفات حيوانات مختلفة، وقد ذكر هذه النظرية الغريبة بصورة مفصلة بزرك بن شهريار الرامهرمزي وذلك في كتابه «عجايب الهند: بره وبحره وجزائره» الذي صنفه حدود سنة 950م (انظر طبعة 1886، ص 39 - 40):

«وحدثني بعض من دخل الزيلع وبلاد الحبشة أن في بحر الحبشة سمكاً له وجه كوجه بني آدم وأجسام لها الأيدي والأرجل وأن الصيادين المعتزبين الفقراء المتطرفين في أطراف السواحل المهجورة والجزاير والشعاب والجبال التي لا تسلك المعالجين فيها طول أعمارهم إذا وجدو ذلك السمك المشابه لبني آدم اجتمعوا به فيتوالدوا بينهم نسلاً شبيهاً لبني آدم يعيش في الماء والهواء وربما كان الأصل في هذا السمك من بني آدم اجتمعوا بجنس من أجناس السمك ويتوالد بينهم هذا السمك الشبيه لبني آدم ثم كذلك على مر الدهور والأزمنة كما يجتمع الآدمي ببعض الوحش مثل الضبع والنمرة وغيره من حيوان البرى فيتوالد بينهم القردة والنسانيس وغير ذلك مما يشبه ابن آدم وكما تجتمع الخنازير والجواميس وكان بينهم الفيلة وكما يجتمع الكلاب والمعز وكان بينهما الخنازير ... ولو ذهبنا نعتد ما تنتج من الاجتماع للأجناس لعددنا من ذلك ما يبهت القارئ ... ويقال إن سمكاً يقال له الظلوم على صورة الآدمي وله فرج كفرج الناس الذكر والأنثى يصاد وله جلد أثخن من جلد الفيل يدبغ ويستعمل للأخفاف».

أصل أسطورة بنات الماء

أصل أسطورة بنات الماء هو الكائن البحري الذي ينتمي إلى الثديات والمسمى الأطوم Dugong، والاسم العلمي القديم للأطوم هو Halicore وهو مشتق من كلمتين يونانيتين معناهما فتاة البحر وليس عروسة البحر. ويعرف الأطوم عند العامة في الخليج العربي باسم «بقرة البحر» وهو اسم وارد في كتب التراث العربي، حتى إن البقرة تسمى الأطوم أيضاً. جاء في معجم «تاج العروس» مادة «أطم»: «الأطوم، كصبور: السلحفاة البحرية، كما في الصحاح. وفي المحكم: سلحفاة بحرية غليظة الجلد يشبه بها جلد البعير الأملس، وتتخذ منها الخفاف للجمالين، وتتخذ منها النعال. والأطوم: سمكة كذلك يقال لها الملصة والزالخة. وقال ابن القصار عند قول الجوهري: السلحفاة: الصواب: أنها سمكة عظيمة تحذى من جلدها النعال، شاهدتها بعيذاب. وأنشد أبو عبيد للشماخ:

وجلدها من أطوم ما يؤيسه

طلح بضاحية البيداء مهزول

والأطوم: القوس اللازق وترها بكبدها. وقيل: الأطوم: القنفذ.

وقيل: البقرة، قيل إنما سميت بذلك على التشبيه بالسمكة لغلظ جلدها».

أبودريا وإنسان الماء

أبودريا هو مخلوق بحري أسطوري كانت تعتقد بوجوده العامة في الخليج العربي، وأصل الأسطورة فارسية لمخلوق أسطوري يعرف بالفارسية باسم «ملك دريا» أي ملك البحر وقد انتقلت أساطير هذا الكائن إلى العرب في الخليج العربي مع تغير اسم الكائن إلى عدد من الصيغ، فقد ذكره فالح حنظل في «معجم ألفاظ الإمارات»: «أبُو دَريا، وبَابَه دَرْيا: كائن خرافي يعيش في البحر، قيل إنه يظهر على شكل إنسان مخيف الخلقة، يسمعون صياحه في البحر كأنه غريق فإذا أنقذوه أكل طعامهم وربما أتلف شيئاً في السفينة. ولذا فانهم إذا ما عرفوا أنه أبودريا تصايحوا: (هاتوا الجدوم والمنشار) ( والجدوم نوع من الفؤوس) فإذا سمعهم خاف وعاد إلى البحر. وقصة بابه دريا ترويها الأمهات لأطفالهن لتخويفهم من شرور الذهاب والعوم في البحر».

أما سيف الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» فقد ذكر هذا الكائن باسم أبودرياه و بودرياه وقال عنه: «كنت أسمع من البحارة أقوالاً عن أبي درياه وأنه حيوان بحري على شكل الإنسان يصعد إلى ظهر السفينة ليمسك من يصادفه من البحارة ويلقيه في البحر ليفترسه. وإنهم إذا شاهدوه صاعداً إلى ظهر السفينة صاحوا به وأخرجوا السكين ونحوها فيلقي بنفسه في البحر طلباً للنجاة، والعجب أن البحارة يعتقدون بوجوده ويقصون قصصاً عنه» (الشملان 1978، ج1: ص 145).

أصل أسطورة أبودرياه

سبق أن ذكرنا أن الاسم أبودرياه وكذلك الأسماء الأخرى كلها مشتقة من الاسم الفارسي «ملك دريا» إلا أن هناك مخلوقاً له المواصفات نفسها له ذكر في كتب التراث العربي ولكنه مشهور بمسمى «إنسان الماء» و»الشيخ اليهودي» و «شيخ البحر»، وقد جاء عنه في كتاب «حياة الحيوان» للدميري: «إنسان الماء: يشبه الإنسان، إلا أن له ذنباً. قال القزويني: وقد جاء شخص بواحد منها في زماننا مقدر كما ذكرنا. وقيل: إن في بحر الشام، في بعض الأوقات من شكله شكل إنسان وله لحية بيضاء، يسمونه شيخ البحر، فإذا رآه الناس استبشروا بالخصب. وحكي أن بعض الملوك، حمل إليه إنسان ماء، فأراد الملك أن يعرف حاله فزوجه امرأة، فأتاه منها ولد يفهم كلام أبويه، فقال للولد: ما يقول أبوك؟ قال: يقول أذناب الحيوان كلها في أسفلها، فما بال هؤلاء أذنابهم في وجوهم؟».

وقد زعم بعض الكتاب ومنهم الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» أن أصل أسطورة أبودرياه هو الأطوم الذي سبق ذكره، إلا أن المرجَّح أن أصل أسطورة أبودرياه وملك دريا وإنسان الماء هو الفقمة التي تعيش في البحر المتوسط والمعروفة باسم Monk Seal أي الفقمة الراهبة

العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً