العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ

الإصابة بالعين: حقيقة أم خرافة؟

الإصابة بالعين غير الحسد؛ بل تتخذ الحسد وسيلة لها، وعلى هذا الأساس فالحسد أعم وأشمل من العين، والعين نوع منه، فالعين عبارة عن نظر المرء باستحسان مشوب بحسدٍ وخبث بحيث يحصل للمنظور إليه ـ إنساناً كان أو حيواناً أو شيئاً ـ ضرر أو عطب. والعين نوع من المعتقدات التي تؤمن به العديد من الجماعات في العديد من الثقافات المختلفة وعلى مر التاريخ، وهذا التواتر في الاعتقاد بالإصابة بالعين يجعله عند العديد من الناس حقيقة، حتى وإن عجز العلم عن إثبات حقيقته، وقد أحيطت مسألة الإصابة بالعين بمجموعة من المبالغات «وحيكت حولها الكثير من القصص الخرافية، لدرجة أن بعض الناس يتملكهم الخوف والرعب إذا نظر إليهم أحد الأشخاص المتهمين بالعين، فيعمدون إلى التهرب منه وإخفاء أبنائهم أو إخفاء محاسن الأبناء خشية تعرضهم للعين، إنّ هذا السلوك مبالغ فيه ولا مبرر له، وربما كان منافياً لمبدأ التوكل على الله» (الخشن، صحيفة بينات العدد 234).


العين في التراث العربي

معتقد الإصابة بالعين قديم عند العرب وقد ورد في المعاجم اللغوية بالعديد من المصطلحات الدالة عليه، جاء في «لسان العرب» مادة «عين»: «والعين: أن تصيب الإنسان بعين. وعان الرجل يعينه عيناً، فهو عائن، والمصاب معين، على النقص، ومعيون، على التمام: أصابه بالعين. قال الزجاج: المعين المصاب بالعين، والمعيون الذي فيه عين ... ورجل معيان وعيون: شديد الإصابة بالعين، والجمع عين وعين».

وجاء في معجم «تاج العروس» مادة «ربض»: «ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عن ابن السِّكِّيت: يُقَال: فُلانٌ ما تَقُومُ رَابِضَتُه، إِذا كان يَرْمِي فيَقْتُلُ، أَو يَعِينُ فيَقْتُل، أَي يُصِيبُ بالعَيْن. قال: وأَكْثَرُ مَا يقَال في العَيْنِ. انْتَهَى. وكَذلِك: مَا تَقومُ لَهُ رَابِضَةٌ».

وجاء أيضاً في معجم «تاج العروس» مادة «نفس»: «النَّفْسٌ: العَيْنُ التي تُصِيبُ المَعِينَ، وهو مَجَازٌ. ويُقَال: نَفَسْتُه بنَفْسٍ، أَي أَصّبْتُه بِعَيْنٍ، وأَصابَتْ فُلاناً نَفْسٌ، أَي عَيْنٌ، وفي الحَديث، عن أَنَسٍ رَفَعَهُ: أَنَّه نَهَى عَنِ الرُّقْيَةِ إِلاّ فِي النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنِّفْسِ، أَي العَيْنِ، والجَمْعُ، أَنْفُسٌ ... ورَجُلٌ نافِسٌ: عائِنٌ، وهو مَنْفُوسٌ: مَعْيُونُ».


أنواع العين

هناك ثلاثة أنواع من الإصابة بالعين، فقد تصيب الإنسان عين إنسان آخر أو عين فرد من الجان أو عين حيوان، وأما عن الإصابة بعين الجان أو عين الشيطان فقد ورد عنه في معجم «تاج العروس» مادة «سفع»: «عن ابنِ عَبّادٍ. قال: رجلٌ مَسْفُوعٌ، أي مَعْيُونٌ، أصابَتْه سَفْعَةٌ، أي عَيْنٌ، والشينُ المُعجَمةُ لغةٌ فيه أي عَيْنٌ، والشينُ المُعجَمةُ لغةٌ فيه، عن أبي عُبَيْدٍ. ويقال: به سَفْعَةٌ من الشيطان أي مَسٌّ، كأنّه أَخَذَ بناصِيَته. وفي حديثِ أمِّ سَلَمَةَ: أنّه دَخَلَ عليها وعِندَها جارِيَةٌ بها سَفْعَةٌ، فقال: إنَّ بها نَظْرَةً، فاسْتَرْقُوا لها. أي عَلامةً من الشيطان، وقيل: ضَرْبَةً واحدةً منه، يعني أنّ الشيطانَ أصابَها، وهي المَرَّةُ من السَّفْعِ، الأَخْذ. المعنى: أنّ السَّفْعَةَ أَدْرَكَتْها من قِبَلِ النَّظْرَةِ، فاطْلُبوا لها الرُّقْيَةَ، وقيل: السَّفْعَة: العَين، والنَّظْرَة: الإصابَةُ بالعَين».

أما الإصابة بعين البشر فقد تكون الإصابة بالعين بصورة إرادية متعمدة من بعض ذوي النفوس الخبيثة التي يتملكها الحسد ويسيطر عليها الشعور بالنقص، ويحكى أن بعضهم إذا أراد أن يصيب أحداً بالعين تجوّع ثلاثة أيام ثم ينظر إليه فيصرعه، أو قد تكون الإصابة بالعين جاءت بصورة عفوية غير إرادية «بمعنى أن العائن لا يدرك ولا يشعر بما يترتب على نظرته من إضرار بالآخرين، ولذا قد يضر بعض محبيه على ما يقال، حتى أنه ورد في بعض التعويذات الشعبية الاستجارة من عين المحب «حفظتك بالله من عين أمك وأبوك واللي بيحبوك» (الخشن، صحيفة بينات العدد 233).

أما الإصابة بعين الحيوان فقد اشتهرت عين القط والكلب، قال الجاحظ في كتابه «الحيوان» (دار صعب 1982، م1 ج2: ص 286): «إنّ الكلاب من الحِنّ، وإنّ الحِنَّ من ضَعَفَةِ الجِنّ، فإذا غشِيكم منها شيءٌ فألقوا إليه شيئاً واطردوها، فإنّ لها أنفسَ سوء ... وكانوا يقولون في السِّنَّور والكلب: إمَّا أنْ تطردَه قبل أن تأكلَ وإمَّا أن تشغَلَهُ بشيء يأكله ... فيزعمون أنّ نُفوسَ السِّباع وأعينَها في هذا الباب أردأ وأخبَث».


آلية الإصابة بالعين

بالطبع هناك من لا يؤمن بالعين، وهناك من يرى أن تأثيرها نفسي فقط، وهناك عدد كبير يؤمن بصحتها إلا أن من يؤمن بصحتها يقع في إشكال منطقي وهو كيف تحدث الإصابة بالعين ولا توجد هناك أي علاقة فيزيائية بين نظرة العين والمصاب بها؟، إلا أن العرب الأوائل زعموا أن هناك ما ينفصل عن العين ويصيب الشخص المراد إصابته وقد ناقش الجاحظ في كتابه «الحيوان» هذه النقطة بالتفصيل، ونذكر هنا بعض ما ذكره الجاحظ (دار صعب 1982، م1 ج2: ص 287 – 291): «والذي أصابته العين في حيّزه أيضاً وموضعه، من غير تماسٍّ ولا تصادُم، ولا فاصل ولا عامل لاقى معمولاً فيه، ولا يجوز أنْ يكون المعتل بعد صحّته يعتلُّ من غير معنى بدنُه، ولا تنتقض الأخلاط ولا تتزايل إلاّ لأمرٍ يعرِض، لأنه حينئذٍ يكونُ ليس بأولى بالانتقاض من جسمٍ آخر، وإن جاز للصحيح أنْ يعتلّ من غير حادث، جاز للمعتلّ أنْ يبرأ من غير حادث ... وإلاّ فكيف يجوزُ أن يعتلّ من ذاتِ نفسه، وهو على سلامتِه وتمام قوّتِه، ولم يتغيَّرْ ولم يحدُث عليه ما يغيِّره ... وبعد، فكيف يكون شيءٌ يصرَع الصحيحَ ويُضجِع القائم، وينقُض القوى، ويُمرِض الأصحَّاء، ويصدَع الصَّخر ويهشِم العظْم، ويقْتُل الثَّور، ويَهدُّ الحمار، ويجري في الجَماد مَجراه في النبات، ويجري في النَّبات مجراه في الحيوان، ويجري في الصّلابة والملاسة جريهُ في الأشياء السخيفة الرِّخوة؛ وهو ممَّا ليس له صدم كصدم الحجر، أو غَرْب كغرْب السَّيف، أو حدٌّ كحدِّ السِّنان ... قال الأصمعيّ: ورأيت أنا رجلاً عَيُوناً فدُعيَ عليه فعَوِرَ، قال: إذا رأيتُ الشيءَ يُعجبني، وجدتُ حرارةً تخرجُ من عَيني».


حقيقة العين

من الصعوبة جداً أن نعطي رأياً دقيقاً في الإصابة بالعين فهناك من العلماء من ينكره وهناك من يرى أن التواتر في قصص الإصابة بالعين وانتشاره في العديد من الثقافات يجعل منه حقيقة راسخة، ومن البحوث الجادة بشأن حقيقة العين بحث الشيخ حسين الخشن المنشور في صحيفة بينات (العددان 233 و234) والذي يقول في ختامه: «يبدو أن الاعتقاد بإصابة العين لم يحظ ـ على رغم شهرته ـ بإجماع إسلامي، فقد أنكر بعضهم تأثير العين صراحة، كما هو حال الجبائي (أحد أئمة المعتزلة) وفسرّها بعضهم تفسيراً هو أقرب إلى الإنكار، كالشريف الرضي وأبي هاشم وأبي القاسم البلخي الذين رأوا ـ في تفسير العين ـ أن الله سبحانه وتعالى ـ وحفظاً للحاسد من الحرام ـ يسلب نعمته من المحسود ويعوّضه بنعمة أخرى بدلاً عنها (المجازات النبوية 369)، وكيف كان، فالمهم هو العثور على سند إسلامي للإصابة بالعين من الكتاب أو السنة. والظاهر أننا لا نمتلك سنداً إسلامياً يبعث على اليقين أو الاطمئنان بواقعية الإصابة بالعين، ونحن إنما نصرّ على ضرورة توافر سند يبعث على اليقين أو الاطمئنان لأن القضية المبحوث عنها ليست من القضايا الفقهية التي يُكتفى فيها ـ وفق بعض المباني ـ بخبر الواحد أو غيره من وسائل الإثبات الظني، وإنما هي من القضايا ذات البعد الاعتقادي التي تحتاج إلى أدلة تفيد اليقين أو الوثوق».

ثم خلص إلى القول: «وخلاصة القول: إننا لا نملك دليلاً حاسماً يقطع الشك باليقين في أمر العين وتأثيرها، لكننا على رغم ذلك، لا نستطيع نفي تأثيرها، لأن النفي يحتاج إلى دليل كما الاثبات، وإنما نضع القضية في دائرة الإمكان الشرعي كما وضعناها في دائرة الامكان العقلي والعلمي، ولاسيما بملاحظة أن الإسلام وعلى رغم محاربته لكل اشكال الخرافة التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي لم نجد له موقفاً سلبياً حاسماً بشأن العين، مع أن الاعتقاد بها كان شائعاً آنذاك، كما أسلفنا؛ بل ربما لاحظنا وجود روايات تؤكد واقعيتها»

العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً