يرى بعض النقاد أن السينما المكسيكية التي قدَّمت فيلمين عن روايتين لنجيب محفوظ كانت أكثر صدقاً وقرباً إلى أدب الكاتب المصري الحاصل على جائزة نوبل في الآداب العام 1988 من السينما المصرية.
وكان محفوظ أقرب الأدباء المصريين إلى السينما حتى إن الناقد اللبناني إبراهيم العريس أطلق عليه «أديب السينمائيين وسينمائي الأدباء» كما كان أيضاً الروائي الأوفر حظاً في تحويل أعماله للسينما؛ بل إن بعض أعماله أعيد إنتاجها. ففي العام 1964 أخرج حسام الدين مصطفى فيلم «الطريق» عن رواية «الطريق» التي قدمت العام 1986 بمعالجة أخرى في فيلم «وصمة عار» لأشرف فهمي الذي قدم أيضاً معالجة لرواية «اللص والكلاب» في فيلم «ليل وخونة» العام 1990 تختلف عن فيلم «اللص والكلاب» الذي أخرجه كمال الشيخ في الستينيات وفيلم ثالث أنتجته أذربيجان منذ سنوات بعنوان «اعتراف» عن الرواية نفسها.
وأنتجت السينما المكسيكية فيلمين عن روايتين لمحفوظ أولهما «بداية ونهاية» الذي أخرجه أرتورو ريبستين العام 1993 و»زقاق المعجزات» عن رواية «زقاق المدق» من إخراج خورخي فونس العام 1994 وقامت ببطولته سلمى حايك.
وقال العريس في دراسة ضمن كتاب «نجيب محفوظ سينمائياً» إن ريبستين رأى المكسيك من خلال رواية محفوظ التي لم يجد صعوبة في تحويلها إلى فيلم. وأضاف أن محفوظ شاهد الفيلم ولمح «من دون أن يقول صراحة «إلى» أنه للأسف وجد أن هذا الفنان المكسيكي أي ريبستين قد فهم أدبه سينمائياً أفضل مما فعل أي سينمائي عربي. تهذيب محفوظ الفائق منعه من قول هذا».
والكتاب الذي يضم دراسات ومقالات يقع في 160 صفحة متوسطة القطع وأصدره مهرجان أبوظبي السينمائي الشهر الماضي ضمن أنشطة دورته الخامسة التي احتفل فيها بذكرى مرور 100 عام على ميلاد محفوظ (1911-2006) وعرض ثمانية أفلام مأخوذة عن أعماله هي «بداية ونهاية» و»بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف و»درب المهابيل» لتوفيق صالح و»الجوع» لعلي بدرخان و»بين القصرين» لحسن الإمام و»اللص والكلاب» لكمال الشيخ إضافة إلى الفيلمين المكسيكيين «بداية ونهاية» لريبستين و»حارة المعجزات» لفونس.
وقالت الكاتبة باث أليثيا غارسيا دييجو، إنها وقعت في هوى «بداية ونهاية» واقترحت على زوجها المخرج ريبستين أن تعدَّها للسينما قائلة له: «إذا لم أعدها سأموت» وإنها اكتشفت أن عالم محفوظ قريب منها مثل اي كاتب من «بلدي وبلغتي».
وأضافت في مقال عنوانه «محفوظ... روابط من الطرف الآخر» وترجمه السوري رفعت عطفة، أنها أعدَّت أعمالاً لكتاب غربيين منهم الفرنسي جي دي موباسان والنرويجي هنريك إبسن ولم يثر ذلك دهشة أحد إلا أن الأمر اختلف مع إعداد رواية لكاتب من العالم الثالث.
وقالت: «يغيظني أن يجد الناس غرابة في إعداد عمل مصري. أعتقد أن التفسير الوحيد موجود في عوائق الفكر الاستعماري فالمرء يستطيع أن يتبنى المركز. ينسخه. ينافسه. لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع مثيله. مع فقير آخر من الأطراف».
وقال الناقد المصري كمال رمزي إن الفيلم المكسيكي «حارة المعجزات» الذي أنتج بعد ثلاثة عقود على إنتاج الفيلم المصري «زقاق المدق» الذي أخرجه حسن الإمام عن الرواية نفسها «أقرب لعالم نجيب محفوظ ورواياته من الفيلم المصري.
وسلمى حايك تعبر عن بطلة الرواية (حميدة) على نحو أعمق وأصدق في تجسيد شادية لها... سلمى حايك تفهمت واستوعبت شخصية حميدة بتكوينها الداخلي».
وأضاف في فصل عنوانه «نجوم السينما في سفينة نجيب محفوظ» أن كثيراً من الممثلين المصريين تألقوا في أعمال محفوظ أكثر من غيرها؛ بل إن بعضهم كتبت له شخصيات محفوظ عمراً فنياً جديداً وباقياً ومنهم سناء جميل التي حقق لها فيلم «بداية ونهاية» بداية حقيقية بعد عشر سنوات من الأدوار الهامشية.
وسجَّل رمزي شهادة الممثل المصري الراحل محمود مرسي الذي أدى دور أحمد عبدالجواد في المسلسل التلفزيوني «بين القصرين» وقارن بين أدائه وأداء الممثل المصري يحيى شاهين الذي أدى الشخصية نفسها في ثلاثة أفلام هي «بين القصرين» و»قصر الشوق» و»السكَّرية».
وقال مرسي في شهادته: «بدون تواضع أو غرور أقول إنني خسرت هذه الجولة أمام يحيى شاهين الذي يبدو كما لو أن نجيب محفوظ رسم هذه الشخصية خصيصاً ليتواءم معها يحيى شاهين. لقد كنت أبحث عن أحمد عبدالجواد بينما أحمد عبدالجواد يبحث عن يحيى شاهين. لا أظن أحداً يمكنه أن يغدو أحمد عبدالجواد على نحو يفوق يحيى شاهين لعدة أجيال مقبلة»
العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ