عمل الروائية والناشرة اللبنانية رشا الأمير «كتاب الهمزة» جهد جمع بين النص الهادف لغوياً والرسم والخط وبدا أنه يسعى إلى تعليم الكبار من خلال الصغار. ولعل في ما حمله الكتاب في دفته الأخيرة ما يوضح ويمتع.
وجاء فيه «أتستحق الهمزة - أول حروف الأبجدية العربية المتربعة على قمة الألف. الحرف الهاوي الذي لا نطق له - كتاباً يعين الكتبة على أمزجتها وإملاءاتها؟
«هذا الكتاب المكتوب والمفكر ملياً به - رشا الأمير - والمخطوط - علي عاصي - والمرسوم - دانيال قطار - بشغف ودعابة هو الدليل القاطع على أن الهمزة، هذا الحرف الطائر المشاكس أهل لكل اهتمام ورعاية.
«كتاب الهمزة كتاب مفيد ولاه. أردناه عوناً قواعدياً وإملائياً للكاتبين والكاتبات بلغة إقرأ، علهم يكفون عن سوء معاملتها. فلا حجَّة والكتاب في المتناول من إلغائها أو إجلاسها حيث لا تريد لها اللغة».
كتبت رشا الأمير النص، وقامت الرسامة والأستاذة الجامعية دانيال قطار بالعمل الفني؛ أي الرسوم الممتعة بشخصية الهمزة المرحة، كما تولى الخطوط الخطاط على عاصي. الكتاب الفني الصقيل صدر عن «دار الجديد» في نحو 76 صفحة متوسطة القطع. تبدأ رشا الأمير «قصتها» الهادفة بالحديث عن «البطل» و»البطلة».
البطل تلميذ في العاشرة اسمه بدر «لقب ببدر الهمزات: مرة لما كتب قواعدها قصاصاً وأخرى لما تعلقها ودافع عنها. ما هي فمن هي؟ وشم؟ لغز؟ حرف؟ «كثيراً ما حار في أمرها. صغيرة وفتاكة في آن. أم النزاعات والمشكلات. يا لها من مخربة همزته! أصغر حروف الأبجدية وأكثرها شقاء وشقاوة. الكتبة جميعهم يعرفونها. يعرفونها.. أجل إلا انهم لا يبالون بأمرها ولا يعترفون بها حرفاً مستقلاً مرهفاً وراقياً. يسقطونها ولا تنكسر. يكتبونها - إن كتبوها - على أمزجتهم مستهترين بدقائق قواعدها».
تروي الهمزة قصتها لبدر فتقول: «أتعرف أنني حرف؟ بتواضع جم أعترف لك إنني آدم الحروف وحواؤها. أتعرف أن الأبجدية تبدأ بي؟» لم يصدق بدر أن «هذه المنمنمة المسافرة على صهوة رفاقها هي «آدم الحروف وحواؤها».
وقال لها: «لست حرفاً على ما أعتقد. أنت عمامة الألف. الأساتذة يقولون من الألف إلى الياء. لم أسمع بعد قائلاً يقول من الهمزة إلى الياء».
وترد عليه الهمزة قائلة: «ليست الألف بحرف تام. إنها حرف هاو ولا تسألني متى هوى. هاو ولا نطق له».
أضافت تقول «اسمع. أريدك أن تقتنع وفوراً أنني نقيض الحرف الهاوي. أنا ناطقة منطوقة. أليفة برية نزيلة الألف والواو وكرسي الياء ولا أخاف حضيض السطور. «المشاكسة صنعتي. أبدل وأحذف وأتجول وأثير من حولي فتنا ونقاشات بين الكتبة والإملائيين. لصغر حجمي.. لخفتي وظرفي.. استهتر بي المستهترون. أريدك أن تعلن جهاراً أنني منفتح الأبجدية. أنا البداية وبمسك الياء - صديقتي الجبارة - المختتم».
وتقول مستشهدة بلغويين كبار: «العارفون بعلم الحروف كعثمان بن جني وأبي العباس ثعلب يجزمون أن الألف ليست حرفاً تاماً. فهذه العصا «ا» النحيلة وهذا الكرسي غير المنقوط «ي» هل تستطيع أنت أو غيرك النطق بهما إذا لم أجلس أنا تاجاً لهما؟ «حاول. أرجوك أن تحاول. كيف تلفظ هذه البانة النحيلة «ا» وهذه البطة البيضاء «ى»؟ ألا تشبه البطة.
هذه الممشوقة كثيراً ما تظهر معي في أول الكلام تتبختر وأنا متربعة على قمة رأسها الأصلع...! مسافرة أنا طيارة خفيفة. اتركني فتجدني هناك مرة على سنام الواو وأخرى في وثارة الياء وثالثة في تراب الأسطر». وبين كلام وكلام رسوم وكتابات تظهر حالات الهمزة المختلفة وما يسبقها ويتحكم بصورتها.
وفي إشارة إلى عدم الانسجام مع النظرة التقليدية إلى الهمزة تقول الكاتبة إن الأستاذ ميخائيل «مدرس لغة الضاد» لم يقتنع بنظريات بدر فعاقبه. قالت الهمزة له ألا يزعل من أستاذ العربية ومن أي أستاذ.
وأضافت «أنقلب دلالا ويلتهمني زملائي محبة! أنت أطيبنا.. هذا ما يقولونه لي. ألعب مع الحروف والحركات والكتبة والشعراء يقلبونني فأنقلب ونضحك معاً. المهماز من عائلتي يا بدر. الهمزة تحب مهمازها».
وقالت له متحدثة عن الحركات «الحركات يا صديقي هن - اختصارا لقصة طويلة - موسيقى اللغة ولكل منهن مكانة: الكسرة قرينة الياء احذر دوما السيدة الياء من مسك ختامها من مخالبها. حين تراهما افسح لهما المجال دوماً. الياء جبارة. إنها خاتمة الحروف وكسرتها قاهرة باسمها فلا تحاول مساجلتهما.
«الضمة وواها مشاكستان أيضاً وتأتيان في مقاييس القوة اللغوية بعد الياء وكسرتها. أما الفتحة هذه الألف الصغيرة فلها المرتبة الثالثة».
أضافت عن أحرف العلة «هذه الأحرف التي تبدو لك ولغيرك لطيفة عادية قد أمرضت النحويين حد أنهم أسموها حروف العلة.
اسمع واصغ: الياء الساكنة المسبوقة بكسرة والواو الساكنة المسبوقة بضمة والألف الساكنة هن أحرف مد.. أي أن اللغة قد اختارتهن لمد الصوت لا أكثر. للوهلة الأولى يظنهن القارىء حروفاً عادية ساكنة لكنهن في واقع الحال حركات كبيرة يؤازرن الأربع المعروفات! «بالنسبة إلى الهمزة المتوسطة فهذا ما عندي لك: أولاً، ستنظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها وستختار إجلاسها على ما يتجانس شكلاً مع الحركة الأقوى متذكراً أن للياء سطوة وامتيازات. أفليست هي سيدة الختام؟ «بالنسبة إلى المتطرفة انظر إلى حركة ما قبل الهمزة. لا تنس أن الضمائر جزء لا يتجزأ من الأسماء والأفعال.
أخيراً، تذكّر أن أجدادنا الإملائيين سمحوا لأنفسهم بالخروج بين الفينة والأخرى عن القاعدة الصارمة. نعم لكل قاعدة من يكسرها»
العدد 3368 - السبت 26 نوفمبر 2011م الموافق 30 ذي الحجة 1432هـ