قال بيت الاستثمار العالمي (جلوبل)، ومقره الكويت، في مذكرة بحثية تناولت أسعار النفط، إنه يتوقع أن يمتد تقلب أسعار النفط في العام 2011 إلى العام 2012 حيث مازالت أزمة الديون الأوروبية بدون حل، إضافة إلى استمرار ثورات الربيع العربي، وارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة. إلى جانب العقوبات الجديدة التي تمّ فرضها على إيران وتزايد مخاطر المواجهة المحتملة فيما بين الولايات المتحدة وإيران مما يمكن أن يتسبب في وقف الإمدادات النفطية بشكل كبير. وفيما يلي نص المذكرة:
أزمة الديون الأوروبية مازالت تحوم في الأفق
يرجح أن يشهد العام 2012 استمرار معاناة أوروبا من الآثار الناتجة عن أزمة الديون السيادية التي واجهتها في العام 2011. ويمثل النصف الأول من العام 2012 فترة بالغة الأهمية نظرا لما سوف تشهده من عمليات سداد للديون. وتكتسب التطورات التي حدثت في إيطاليا أهمية خاصة، باعتبارها ثالث أكبر الاقتصادات في المنطقة كما تمثل ديونها حوالي ثلث الديون الإجمالية المستحقة في الربع الأول من العام 2011، ومن المرجح أن تؤثر أزمة الديون في منطقة اليورو على أسعار النفط كما كان الحال في العام 2011 من خلال تأثيرها على سعر صرف اليورو مقابل الدولار. إضافة إلى ذلك، ستظل تدابير التقشف التي اتخذتها الاقتصاديات الأوروبية للسيطرة على عجز الموازنة تؤثر سلبا على نمو الطلب على النفط في المنطقة على المدى المتوسط نظرا لتباطؤ النمو الاقتصادي ويتوقع صندوق النقد الدولي حاليا أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو بنسبة 0.5 في المئة خلال العام 2012.
تزايد المخاطر الجيوسياسية يُبقي أسعار النفط مرتفعة
أنهت أسعار النفط العام 2011 عند مستوى قريب من 100 دولار للبرميل، إذ رجحت الاضطرابات التي شهدها العالم العربي على كفة المخاوف بشأن حالة الاقتصاد العالمي. وارتفع متوسط أسعار النفط بنسبة 19.6 في المئة خلال العام 2011 لتصل إلى 94.9 دولارا أميركيا للبرميل، في حين نما الطلب العالمي على النفط بنسبة سنوية بلغت 1.04 في المئة في العام 2011 مدفوعا بزيادة الطلب في الدول الناشئة وخاصة في الصين. من جهة أخرى، بقي التهديد بوقف الإمداد النفطي أحد المخاوف الأساسية خلال العام 2011، وخصوصا بعد نشوب الحرب في ليبيا التي شهدت ارتفاعاً في أسعار نفط غرب تكساس الوسيط إلى مستوى أعلى من 110 دولارات للبرميل في الربع الثاني من العام 2011، إضافة إلى أزمة الديون الأوروبية المستمرة التي تهدد بعرقلة الانتعاش الاقتصادي العالمي. ونظرا للمخاطر السائدة حاليا، قام صندوق النقد الدولي بخفض مستوى توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في العام 2012.
توقعات بأن تبقى الصين المحرك الأكبر لنمو الطلب على النفط
يتوقع أن تكون الصين المحرك الأساسي لنمو الطلب على النفط بارتفاع يبلغ 0.42 مليون برميل في العام 2012. وقد رفع البنك المركزي الصيني متطلبات احتياطيات البنوك إلى ستة أضعاف كما رفع سعر الفائدة إلى ثلاثة أضعاف خلال العام 2011 بهدف خفض التضخم. ولكن، البنك المركزي قام باتخاذ خطوة مفاجئة في شهر ديسمبر/ كانون الأول، حيث خفّض نسبة متطلبات الاحتياطي مما يشير إلى أن صانعي السياسات النقدية في الصين قد حولوا تركيزهم إلى النمو نظرا للتباطؤ الاقتصادي الذي تتوقع أن تشهده منطقة دول اليورو والاقتصاديات المتقدمة الأخرى. ومن المحتمل أن تبقى الصين المحرك الأساسي لنمو الطلب على النفط في المستقبل القريب على الرغم من الانخفاض المتوقع في معدل نمو ناتجها الإجمالي المحلي إلى 8.2 في المئة في العام 2012.
توقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي
في الولايات المتحدة خلال العام 2012
سار الاقتصاد الأميركي بخطى متباطئة رغم الأجواء المعاكسة الناجمة عن أزمة الديون في منطقة دول اليورو وأعباء ارتفاع الديون وعجز الموازنة. وانخفضت معدلات البطالة في الولايات المتحدة بنسبة 8.5 في المئة في ديسمبر بعد أن استقرت فوق مستوى 9 في المئة خلال معظم فترات العام 2011، ويتوقع صندوق النقد الدولي حاليا أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.8 في المئة في العام 2012 وسوف يؤدي تعافي اقتصاد الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط، في تحديد اتجاه أسعار النفط. وذكر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن أسعار الفائدة القياسية لديه ستبقى منخفضة على الأقل حتى العام 2014 لإنعاش النشاط الاقتصادي، وخفض معدلات البطالة إلى مستوى أدنى من المستوى الحالي.
يتوقع بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) أن يتراوح متوسط سعر نفط غرب تكساس الوسيط ما بين 95 دولارا أميركيا و100 دولار في العام 2012، كما تتماشى هذه التوقعات مع التوقعات التي أجمع عليها محللو «بلومبرغ» بأن يبلغ متوسط سعر النفط الخام قرابة 98.7 دولاراً أميركياً للبرميل وأن يقترب من متوسط السعر المسجل في العام 2011 والبالغ 94.9 دولاراً أميركياً للبرميل. إضافة إلى ذلك، كانت توقعاتنا لمتوسط أسعار نفط غرب تكساس الوسيط للعام 2011 (التي وردت في تقرير توقعات أسواق النفط للعام 2011) قريبة من الأسعار الحالية، في حين انحرفت توقعاتنا لأسعار نفط خام أوبك بنسبة 26- 34 في المئة إذ تبين تأثير ثورات الربيع العربي بشكل كبير على أسعار النفط الخام في المنطقة العربية.
من المرجح أن يمتد تقلب أسعار النفط في العام 2011 إلى العام 2012 حيث مازالت أزمة الديون الأوروبية بدون حل، إضافة إلى استمرار ثورات الربيع العربي، وارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة. من جهة أخرى، أدت العقوبات الجديدة التي تمّ فرضها على إيران، وما أعقبها من تدريبات ومناورات عسكرية قامت بها القوات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز، إلى تزايد مخاطر المواجهة المحتملة فيما بين الولايات المتحدة وإيران مما يمكن أن يتسبب في وقف الإمدادات النفطية بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، أسهم نقل السلطة في كوريا الشمالية في تزايد المخاطر الجيوسياسية نتيجة لغموض الرؤية فيما يتعلق بالاتجاه الذي سيسلكه هذا البلد المنعزل.
الأوبك تسهم في تعويض الفاقد من النفط الليبي
كان للاضطرابات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط تأثير مباشر على إنتاج الأوبك النفطي، نظرا لانزلاق ليبيا إلى حرب أهلية، فقد انخفض متوسط الإنتاج النفطي في ليبيا إلى 47 ألف برميل يوميا بالمقارنة متوسط إنتاج مقداره 1.55 مليون برميل يوميا في العام 2010، غير أن هذا النقص تم تعويضه سريعا خاصة عن طريق السعودية التي رفعت إنتاجها النفطي إلى 9.6 ملايين برميل في الربع الثالث من العام 2011 مقابل 9.1 ملايين برميل يوميا في الربع الثاني من العام 2011. ومن ناحية أخرى، بدأ الإنتاج النفطي في ليبيا يمضي في طريق الانتعاش بعد أن تولت الحكومة الليبية الانتقالية مقاليد الحكم في البلاد، حيث ارتفع النفط الخام في ليبيا إلى 0.77 مليون برميل يوميا في ديسمبر 2011.
فائض الإنتاج النفطي يكفي
لتعويض انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية
مازالت المملكة العربية السعودية تستحوذ على الجزء الأكبر من الطاقة الإنتاجية النفطية الفائضة البالغة 2.71 مليون برميل يوميا رغم زيادة إنتاجها النفطي في العام 2011، ويحمل ذلك دلالة خاصة في وقت تتعرض فيه إيران للمزيد من الضغوط بسبب برنامجها النووي. من جهة ثانية، يعتزم الاتحاد الأوروبي وقف استيراد النفط الإيراني في إطار العقوبات التي تفرضها علي إيران. وأبدت الدول الخليجية استعدادها لتعويض الفاقد من النفط الإيراني، حسبما صرّح أحد المسئولين السعوديين لوسائل الإعلام. وكما هو مبين، تمتلك الدول الخليجية، وخاصة السعودية فائضاً في الطاقة الإنتاجية النفطية يكفي لسد العجز في الإنتاج.
الطلب العالمي على النفط
استمر الطلب على النفط في الانتعاش، وإن كان بوتيرة بطيئة، حيث ارتفع الطلب العالمي على النفط في اليابان بنسبة 0.9 مليون برميل يوميا في العام 2011، بعد أن سجل ارتفاعا كبيرا بلغ 1.6 مليون برميل يوميا في العام 2010، وكانت أزمة الديون السيادية الأوروبية، وثورات الربيع العربي، وزلزال اليابان من أهم العوامل التي وضعت حدًا لنمو الطلب العالمي على النفط. وجاء انتعاش الطلب العالمي على النفط في عامي 2011 و2010 بعد أن شهد انخفاضا حادا في العام 2009 بتراجع بلغت نسبته 1.4 مليون برميل يوميا، وانخفاض بنسبة طفيفة في العام 2008، وكان انخفاض الطلب على النفط في العام 2008 الأول منذ العام 1983 مما يدل على تأثير الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من ركود اقتصادي. ويشهد النظام المالي العالمي حاليا اضطرابات، كما تستحوذ أزمة الديون الأوروبية على اهتمام العالم، حيث تبين تأثير هذه الأزمة في طلب دول أوروبا الغربية على النفط الذي تراجع بمعدل 0.16 مليون برميل يوميا مما يدل على تأثير الإجراءات التقشفية التي اتخذتها هذه الدول.
يتوقّع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.21 في المئة ليصل إلى 1.21 مليون برميل يومياً. كما يتوقع أن يأتي معظم النمو في الطلب العالمي على النفط من الصين، واميركا اللاتينية، ومنطقة الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، يتوقع أن يشكل طلب الصين على النفط حوالي 40 في المئة من إجمالي نمو الطلب العالمي في العام 2012. وتبددت المخاوف من حدوث ركود اقتصادي شديد في الصين نتيجة لانخفاض معدل التضخم إلى أقل من 4.2 في المئة في نوفمبر، وخفض المتطلبات الاحتياطية للبنوك، مما يشير إلى تغير في بؤرة اهتمام صانعي السياسات النقدية في البلاد
العدد 3439 - الأحد 05 فبراير 2012م الموافق 13 ربيع الاول 1433هـ