ترمي المناهج التعليمية التي تطرحها المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في البحرين ضمن ما ترمي اليه إلى اعداد أجيال من الأطفال مؤهلين لعملية الإبداع والابتكار، قادرين على الانخراط في الحياة ومواجهة متطلباتها. تلك المناهج التي تنبع أهميتها من خلال المحافظة على النفسية السليمة للطفل تقف معها على خط واحد المدرسة التي تعنى بتطبيق تلك المناهج على أرض الواقع. فمن دون وجود تلك الآلية السليمة التي يتصدى لها المدرس ذو الالمام الجيد بطرق التدريس وذو المعرفة بطبيعة الطفل فلن تحقق تلك المناهج الهدف المنشود منها.
وطالما أن تخريج الطفل ذي الموهبة والابداع هو الهدف الأسمى من طرح تلك المناهج. فمن حقنا التساؤل هنا عن مدى ملاءمة ما يطرح في المدارس الحكومية والخاصة من مناهج قادرة فعلاً على تحقيق ذلك الهدف السامي. فهل يختلف حال المدارس الحكومية بهذا الشأن عن المدارس الخاصة؟ إن هناك بعض أولياء الأمور الذين ينحون باللائمة على المناهج الحكومية ويرون أن غياب المدرس المتميز هو سبب هذا الاخفاق. في حين أن هناك من أولياء الأمور من لا يجدون كبير فرق بين ما تقدمه المدارس الحكومية من مناهج وبين ما تقدمه المدارس الخاصة مستندين إلى التطور الكبير الذي حققته المدارس الحكومية في السنوات الماضية.
في الاستطلاع الآتي نحاول الوقوف على جملة من الايضاحات بهذا الخصوص وهي ايضاحات تعنى بالدرجة الأولى بالتعرف على الأسباب الحقيقية لنجاح تلك المناهج أو فشلها. فإلى هذا الاستطلاع...
طبيعة النظام
لا ترى ولية الأمر والمهتمة بشئون الطفل مريم الملا أن هناك فرقا كبيرا بين ما يطرح في المدارس العامة الحكومية والمدارس الخاصة بهذا الشأن وانما المسألة - كما ترى - تعتمد على طبيعة النظام الذي تعتمده تلك المؤسسات التعليمة.
تقول الملا: «إن ذلك على طبيعة النظام الذي تعمل على أساسه تلك المدارس فأنا مثلاً، درس أبنائي في مدارس خاصة وما تمنيناه في تلك المدارس تحقق من خلال مواد بعينها وهي اللغة العربية والدين. اذا لم تكن هناك أية مشكلة أو تنافر بين ما تطرحه المدارس الحكومية والمدارس الخاصة بهذا الشأن. طبعا هناك مدارس خاصة لديها مناهج أميركية ومدارس تعتمد على مناهج أخرى مختلفة. ولكن هذا الأمر يختلف بين المدارس الخاصة الوطنية والمدارس الخاصة الأخرى. ففي المدارس الخاصة الوطنية اهتمام بما يشغلنا - كما أسلفت - وهو الدين واللغة العربية إلى جانب الالمام باللغة الانجليزية. أما بخصوص ما يقدم من مناهج في المدارس الحكومية فأستطيع القول إن هناك تطورا ملحوظا بهذا الشأن. وأضيفت عدة أشياء مهمة فاللغة الانجليزية تدرس اليوم في الحلقات الأولى كما أن المهارات الحياتية أضيفت إلى المرحلة الاعدادية وأتوقع أن تضاف إلى جميع المراحل.
فالمدارس الحكومية لا تقل تميزا وانتاجا على المدارس الخاصة. وليس من العدل ارجاع كل اخفاق للطالب إلى طبيعة مناهج التدريس في المدارس الحكومية فهناك عدة عوامل هي المسئولة عن هذا النجاح أو الاخفاق. فالمدارس الخاصة تخرج موهوبين كما تخرج فاشلين. وبالمثل المدارس الحكومية تخرج موهوبين وفاشلين. وما يهمني هنا تأكيد أن المدرس هو المسئول بالدرحة الأولى. فإذا كان هناك منهج جيد ومدرس جيد فحتما ينتجان الجيد ولا فرق هنا بين المدارس الخاصة والمدارس العامة».
غياب المتخصصين
غير أن تلك النظرة لا تلقى قبولا لدى المتخصص في الطفولة وأدب لأطفال إبراهيم سند فهو يرى أن المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم مقصرة في هذا الجانب وهو ينحى باللائمة على من يقوم بوضع تلك المناهج من دون أن يكون مؤهلا لها.
ويوضح سند بهذا الخصوص: «أن ما يتم تأليفة من كتب ومناهج خاصة بالأطفال على الأقل فيما يتعلق بوزارة التربية و التعليم نجدها تعاني من ضعف التوجيه وعلى حفظ المعلومات من دون اهتمام بامكانات الطفل. وكأنها تتعامل مع براميل يجب حشوها بكم من المعلومات المكررة. وتلك مشكلة تقع بالدرجة الأولى على وزارة التربية والتعليم وعلى المسئولين عن اعداد هذه المناهج. فهم غير مؤهلين ويملأون تلك الكتب بالمعلومات فقط ليكون الكتاب بمنى عن مواكبة العصر وعن النهضة التربوية الحديثة.
ولو تكلمنا بتحديد أكبر لوجدنا على مستوى اعداد الكتب الخاصة باللغة العربية. وتكلمنا عن كتابة القصة للطفل واستخلاص المعاني منها. لوجدنا أنها تكتب من قبل أناس غير مؤهلين للكتابة. قد يمتلكون شهادات جامعية لكن ليس بالضرورة أن يكونوا قادرين على الكتابة للطفل. فلماذا يتم اقحام غير المتخصصين بهذا النوع من الكتابة في مقابل تهميش كفاءات موجودة يمكن الاستعانة بها. فالموجه التربوي هو الذي يكتب وهو المرجع اللغوي فكيف يستطيع تحقيق هذه المعادلة.
وهنا يبرز الفرق بين الكتاب الذي يتعامل معه الطفل في المدارس الخاصة والكتاب الخاص بوزارة التربية والتعليم. انه كتاب يعتمد على الحفظ في حين أن الكتاب الموجود في المدارس الخاصة كتاب يعتمد على الفهم. هذا إلى جانب التدريب على القراءات الخارجية وعدم الاعتماد على الكتاب المدرسي وتشجيع التلاميذ على البحث والاطلاع من خلال المكتبات والبحث في الإنترتت وكل ذلك يساعد على تمكين ملكة الابداع لدى الطفل. ان الواجب على وزارة التربية والتعليم أن تنفتح على الأجواء الابداعية في الساحتين المحلية والخليجية لاختيار نصوص ترتقي بالذوق الأدبي والابداعي عند الطفل».
مناهج سليمة
عميد البحث العلمي بجامعة البحرين والرئيس السابق للمناهج بوزارة التربية والتعليم عبدعلي محمد حسن يجد في ذلك الكلام تجنيا كبيرا على وزارة التربية والتعليم.
ويؤكد حسن: «أن المناهج التي أعرفها تأخد في الاعتبار المرحلة العمرية للطفل والاهتمامات والاحتياجات والظروف المحيطة بالطفل. فلا يمر منهج مدرسي الا بعد التأكد من توافر هذه الاعتبارات. وعملنا في اللجان الاستشارية وتحققنا من كل ذلك. غير أنه يمكن أن تكون هناك مشكلة في التطبيق وهو أمر محتمل. وما أعلمه أيضا أنه لا توجد مناهج في المدارس الخاصة لا تمر من دون موافقة ادارة المناهج بوزارة التربية والتعليم. إذ يكتشف أي خلل فيها. فمناهج وزارة التربية والتعليم مصممة على مستوى التطبيق بشكل جيد ولا أعتقد أن هناك مشكلة من ناحية المدرس فوزارة التربية والتعليم توظف أفضل المدرسين المؤهلين.
ولكن الخطأ قد يكون خطأ النظام التربوي السائد. ربما من حيث حجم المدرسة وحجم الصف وحجم الطلاب والاهتمامات والنشاطات الصفية فليس الخطأ خطأ المنهج الذي يصمم. فهناك المنهج الصريح والمنهج المطبق. نقطة أخرى تتعلق بولي الأمر وهو هنا واضح الأهمية فهو عندما يرسل ابنه إلى المدرسة الخاصة ويعرف أن عليه أن يدفع مبلغا من المال يكون مضطرا إلى الاهتمام بابنه فهو يجلس معه للخروج بأفضل النتائج. بينما تلميذ المدرسة الحكومية لا يحظى بشيء من هذا الاهتمام. فالمشكلة أن أولياء الأمور في المدارس الحكومية لا يهتمون بدرجة كبيرة بأبنائهم. وليت لنا أن نحصل على نصف ما يحصل عليه الطالب في المدارس الخاصة من قبل والديه. فهما مسئولان أمام الرأي العام للناس طالما أدخلا ابنهما في مدرسة خاصة. فما يتوافر في المدارس الحكومية من مناهج هو أفضل مما يتوافر في المدارس الخاصة من سعة الفصول والامكانات المادية والميدانية وأشك أن أية مدرسة خاصة تستطيع توفير تلك الأشياء»
العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ