العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ

جوليا الإنسانة والفنانة

عندما تستمع إليها وهي تغني:

«قاوم فيداك الإعصار

وتقدم فالنصر قرار

إن حياتك وقفة عز

تتغير فيها الأقدار»

لا تملك أن تقاوم ذلك الشيء الذي سيتحرك بالضرورة في داخلك، غاضباً، قوياً، مليئاً بالحزم.

إنها جوليا بطرس، نخجل أن نلقبها مطربة، أو مغنية، فهي أكثر من ذلك بكثير، لأنها لا تطرب، ولا تغني، لكنها تحركك من الداخل، تلمس الأوتار الشفافة في كيانك، فتزلزلها، وتذكرك بما نسيت، أو تناسيت، تملأك بالحماس، والثورة، والمقاومة.

مازال صدى صوتها يتردد «وين الملايين، الشعب العربي وين، الغضب العربي وين؟»، تغنيها كما قالت «من وسط الضلوع، بل أقوى من الضلوع»، لتجعلك تتساءل معها عندما تنتهي، أين ذهبت ملايين الشعب العربي بالفعل؟

منذ أيام وقفت جوليا بطرس في ساحة بيروتية تخاطب الجماهير اللبنانية، يغلف الحزن والغضب صوتها، ممزوجاً بالحزم أيضاً، وقفت بعفوية، لم تهتم بارتداء آخر صيحات الموضة، أو باللوك الخاص بها، لم تهتم بأي ما تهتم به مغنيات عصرنا المجنون هذا، وقفت تصرخ في الجماهير» ستكونون مسئولين عن ما حصل للأطفال في قانا إن استسلمتم، تحية للمقاومة، تحية للسيدحسن نصر الله، وكل الشرفاء، أقول لكل رجال المقاومة، إنني أنحني إجلالاً لكم، وأقبل أقدامكم الشريفة على ما تقومون به».

مع وقفة كهذه، ووقفات أخرى كثيرة مشابهة، لا تملك إلا أن تحترم الإنسانة قبل الفنانة في جوليا بطرس، فمواقفها لم تكن أبداً مفتعلة، ولم تكن يوماً وليدة اللحظة، أو مجاراة لوضع قائم، كانت على الدوام حاضرة بصوتها، لتلهب الحماس في الجماهير، كانت دائماً قوية، راقية.

تحية لك جوليا، ولكل الصامدين في لبنان، تحية لروحك القوية الأبية، التي رفضت أن تستسلم لزمن أصبح العري فيه هو السلعة الرائجة، وأصبح الوطن أنشودة «لا تجاري الموضة». تحية لمواقفك الشجاعة، وتحية لأنك أصبحت رمزاً، يجب أن تخجل أمامه جميع الأصوات التي حققت الأرقام الأولى في سلم مبيعات الألبومات الغنائية. تحية لأن قصف لبنان لم يمنعك من قول الحقيقة على الملأ، بجرأة وشجاعة تعودناها منك.

لبنان يحترق، فلسطين تحترق، العراق يحترق، والكل يرقص ويغني، فرحاً أو ألماً، أو مخدراً بغيضاً للنسيان. وحدها أصوات قليلة، نادرة جداً، تقول الحقيقة، وتصر عليها، وترفض النسيان، وتفضل المقاومة. وحدها أصوات قليلة، لم تحد عن مبادئها، لتحقق رقماً متقدماً في سلم المبيعات، يتغير بانتهاء الموسم الغنائي. وحدها أصوات قليلة رفضت المساومة، ودخول ذلك السباق البغيض المريض، لأنها ببساطة، راهنت على أن تنقل كلمتها وموقفها للتاريخ، هذا الموقف الذي لن يتغير في أي سلم مبيعات.

نقولها معك جوليا، «يا ثوار الأرض، ثوروا عالطغيان»

العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً