العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ

عاقبة التستر على الأخطاء تفضح ما وراء الستار

أزمة سنوية شعارها ... «اطمئنوا» (3)

تجاوزت آخر حصيلة للانقطاعات الكهربائية خلال الايام القليلة الماضية عشرة انقطاعات توزعت على مناطق السنابس والبرهامة وبوكوارة والمحرق والكورة والمنامة وبني جمرة.

سكان هذه المناطق ابدوا استياءهم من استمرار تكرار هذه الانقطاعات، ومن تعامل قسم طوارئ الكهرباء التابع لوزارة الكهرباء والماء مع اتصالاتهم. من جانبها أرجعت الوزارة اسباب هذه الانقطاعات طبعاً للأحمال الزائدة على محطات الكهرباء التابعة لهذه المناطق، في حين ينظر المتخصصون الى أهمية أن تولي الوزارة، بكل صراحة، جهوداً للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الانقطاعات.

يقول المراقبون ان هناك الكثير من الطاقات من مهندسين ومديرين ممن أنفقت عليهم الدولة مبالغ كبيرة، غالبيتهم كانوا حتى فترة قريبة في عملية بناء وتدريب مستمرة استمرت حتى بداية التسعينات. الآن ينقل هؤلاء الى مراكز ومناصب لا علاقة لتخصصهم بها.

ويكرر المصدر المطلع تأكيده ذلك بقوله: «حصلت أخيراً ترقيات في الوزارة، نصفها تقريبا لمهندسين لا يستحقون الترقية، بينما حصل النصف الثاني على الترقية بالأقدمية» .

ويعلق :«هذا الأمر يتسبب في إحباط الموظفين، هناك شعور عام بالإحباط في الوزارة والجميع تقريبا يعملون بمعنويات منخفضة، فكيف يمكن تصور حال الموظفين وهم يرون بأم أعينهم كيف يرقى مهندسون حاملون لشهادة الدبلوم الى مديرين تنفيذيين؟ كثير من هؤلاء المهندسين غير ملمين بعملهم ولا يحملون أي نسبة كفاءة، ولذلك تأتي قراراتهم غير صائبة في معظم الأحيان، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث كثير من الأخطاء التي يدفع المستهلك ثمنها.

وما يقتل معنويات الموظفين أيضاً التدوير الخاطئ للموظفين إذ ينقل الموظف الى دائرة لا علاقة له به سواء من حيث التخصص أم الخبرة، وتنتشر كثير من الأقاويل والشائعات مفادها أن أسباب ذلك التدوير تعود إلى أمور طائفية بحتة خصوصا إذا علمنا أن جميع الموظفين المنتمين إلى طائفة ما ينقلون من مناصب أعلى لإدارات أخرى بدرجات أقل.


الأجانب في الوزارة

كحل لنقص الكفاءات، لا تعمد الوزارة، كما يشير بعض المختصين، الى تطوير كفاءة مهندسيها أو الى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بل إنها تلجأ بعد أن تعجز عن توظيف اشخاص عديمي الكفاءة اعتمادا على المحسوبيات والواسطة، تلجأ الى استيراد وتوظيف ما يمكنها من الأجانب سواء أكانوا من ذوي الخبرة أم لا.

تثبت اخر التقارير التي حصلت عليها ''الوسط'' ان هناك تضخم في عدد الأجانب في الوزارة اليوم، إلى الدرجة التي أصبحوا فيها يشكلون جالية في الوزارة والمصيبة أن الكثيرين منهم قلدوا مهمات رئيسية وهم ليسوا أصحاب كفاءة!

أحد هؤلاء الأجانب تم ترقيته من فني الى رئيس قسم وهو لا يحمل أي شهادات أو خبرة في مجال الهندسة. هذا الأجنبي ظل يعمل في الوزارة منذ 30 عاما وهو ليس بكفاءة أصلاً. وليس ذلك فحسب بل إن الوحدة التي يعمل فيها ليس فيها أي بحريني كما إن تمتلئ بالأجانب لا لشيء إلا لأنه كما يقول؛ لا يحب البحرينيين. بل إنه يرفض تدريب أي بحريني في دائرته حتى لو كان دخول الدائرة من صلب اختصاص هذا الموظف البحريني.


للتجاوزات أوجه كثيرة

حول التجاوزات في الوزارة يعلق بعض مهندسيها بالقول: «التجاوزات في داخل الوزارة لا تخفى على أحد، بل إن وزير الكهرباء والماء اشار في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي وخلال أحد لقاءاته الصحافية، وحين سئل عن حقيقة وجود هذه القضايا في وزارته، بأن كبر حجم الوزارة وتعدد مداولاتها المالية ومشروعاتها قد يوقع مسئوليها وموظفيها في الزلل. لكنه أكد قدرته على ضبط الأمور، مشيرا إلى اتباع الوزارة نظاماً رقابياً اسهم في ضبط الكثير من الأمور.

الوزير لم ينف وجود التجاوزات إذاً، ومهندسو وزارة الكهرباء أكدوها حين قالوا: «للتجاوزات في وزارة الكهرباء أوجه كثيرة، تتمثل في التستر على الأخطاء، وفي كثير من التجاوزات المالية والادارية أما عن الرقابة على الفساد فيشيرون إلى أن هناك الكثير من المديرين على مستوى الادارة العليا، ممن تنقلوا في عدة مناصب، على رغم ثبات بعض تهم الاختلاس عليهم، مما يعني أن المساءلة لا مكان لها في الوزارة، وهناك الكثير من الحالات التي تثبت ذلك، بل ان لجان التحقيق التي تشكل غير موثوق في دوافعها ففي احدى القضايا التي تم فيها اثبات كثير من التجاوزات والاختلاسات المالية على احد المهندسين البحرينيين. وعلى رغم اعترافه امام لجنة التحقيق، وعلى رغم وجود قرائن تثبت تورط آخرين في هذه الاختلاسات، اقتصر التحقيق على هذا الشخص كما لم ترغب اللجنة في احالة القضية الى النيابة، وتم التستر على الموضوع بل ولم يتم حتى الاعلان عن فصل الموظف.


الوضع الإداري

اضافة الى السكوت عن الأخطاء والتجاوزات هناك قضايا كثيرة موثقة، فقبل سنوات فرضت غرامة مليون دينار على إحدى الشركات المحلية المنفذة لأحد مشروعات الوزارة نتيجة للأخطاء في الكابلات وهو ما تسبب في بعض المشكلات الفنية في المشروع. بقدرة قادر لم يتم السداد وتم إغلاق الملف مع الشركة المعنية بعد تعويض لا أحد يعلم مقداره للشركة.

كذلك وفي فترة وزارية سابقة، تقدمت احدى الشركات المنفذة لبعض الأعمال المرافقة لمشروع الحد بأعباء اضافية زعمت أنها تكلفة أعمال اضيفت إلى عقد المقاولة إلا أن الشركة الاستشارية حينها لم تقر بهذه المطالبة لعدم وجود ما يسند تلك المطالبة. لكن ما حدث هو أنه مع تغيير الحقيبة الوزارية تمت الموافقة على ذلك الطلب وبزيادة تصل نسبتها الى 40 في المئة من قبل الاستشاري نفسه الذي رفض المطالبة الأولى.

هناك تجاوزات أخرى تتمثل في طلب الكثير من قطع الغيار بتكلفة تصل لملايين الدنانير، في حين ان كثير من هذه القطع موجودة في المخازن.

كذلك يعلم الكثيرون عن العطايا العينية التي تقدم من بعض المقاولين إلى المهندسين، والتي تتمثل في رحلات سياحية.

ومن القضايا المشهورة قضية المسئول البريطاني الموجود في الوزارة منذ ثلاثة عقود. هذا المسئول ثبتت عليه الكثير من التجاوزات وكان يفترض ان يغادر في فترة وزارة الشيخ دعيج، لكن ما حدث هو انه معين الآن رئيس دائرة لا علم له بأي من شئونها.


التستر على الأخطاء

من أوجه الإشكال الأخرى في الوزارة التستر على الأخطاء، إذ تؤكد مصادر مطلعه ان ما حدث قبل عامين وفي يوم الانقطاع الكامل هو أكبر دليل على التستر على الأخطاء. ولو لم يحدث ذلك لما ازدادت الأمور سوءا في داخل الوزارة، وكأننا مقبلون على كارثة أخرى من هذا النوع.

وتضيف المصادر.. لم يتم استيعاب الدرس، بل ان التحقيق الذي زعم القيام به، لم يطلع عليه أحد، بل تم الاكتفاء بتصريحات بسيطة للصحف. الوزارة زعمت ان مسئولية المشكلة مشتركة بين الوزارة وألبا، وهذا الكلام صحيح إلى حد ما، فهناك خطأ حدث في ألبا، لكن تداعيات هذا الخطأ وصلت إلى الوزارة التي لم تكن مستعدة. يفترض أن الوزارة لديها نظام ينسق بين شبكة ألبا وشبكة الوزارة وهذا الأمر ليس موجودا.

لقد قاموا بـ «لفلفة» القضية في تحقيق لا يمكن الوثوق به، وهذا أمر طبيعي إذا علمنا أن الشركة التي قامت بالتحقيق لها مصالح مع الوزارة، فهل يعقل ان تعرض هذه الشركة مصالحها للخطر وتقوم بعمل تحقيق محايد.

وتعلق :«لو كانت ثقافة الاستقالة موجودة لما تجرأ كثير من كبار مسئولي الوزارة على البقاء في أماكنهم ساعة واحدة ولكانوا قدموا استقالتهم وأعلنوا مسئوليتهم عما حدث».

حين حدث الخلل في ألبا كان من المفترض أن يكون لدى الكهرباء نظام مانع تدفق وهذا النظام لم يكن موجودا على رغم أن ألبا ناقشت هذا الأمر مع الوزارة بسنوات قبل الانقطاع. حين حدث الانقطاع انتقلت الشحنة الفائضة من ألبا الى محطة الرفاع فأغلقت المحطة التي لم تتحمل الشحنة الزائدة ثم انتقلت الى الحد، ثم باقي المحطات. المحطة الوحيدة التي بقت مقاومة كانت المنامة لأن أحد توربيناتها ظل يقاوم لمدة 8 دقائق، وهي مدة كافية في حسابات التحكم، كان يمكن استغلالها لاعادة تشغيل باقي التوربينات في بقية المحطات، لكن بسبب الارباك الحادث وقلة الخبرة لم يتمكنوا من التصرف بشكل صحيح.

وبعيدا عن التحقيق، يفيد بعض المهندسين بأن «كثيراً من الكلام يتردد في الوزارة بشكل أفقي وعمودي، عن كثير من الأخطاء التي يرتكبها بعض الموظفين فلا يحاسبون عليها بل يتم التستر عليها. مثالاً على ذلك حدث انفجار في محطة الرفاع راح ضحيته أحد المشغلين كان سببه توجيهات خاطئة من أحد المسئولين. هل طلب من المسئول أن يمثل أمام لجنة محايدة، وخصوصاً أن الانفجار كاد أن يودي بحياة الأهالي، عدا عن تعطيل توربين كامل؟

وماذا عن التحقيق في حوادث صناديق الكهرباء المفتوحة، التي يمكن أن تشكل خطرا على حياة الأطفال، وقد سجلت حوادث كثيرة من هذا النوع؟

وماذا عن التحقيق في مشروع الحد - المرحلة الأولى، الذي بلغت كلفته 500 مليون دينار؟ هل حقق أي احد في الاخطاء الجوهرية في المشروع؟ هل تعتبر الوزارة التحقيق الذي اجرته باشراف لجنة يرأسها رئيس فريق المشروع نفسه تحقيقاً؟ ثم ماذا عن احصاء الاخطاء في محطة الحد؟ لماذا لا تنشر، وهي التي بلغت في العام 2005 فقط، 32 فولتاً؟


مشكلات إدارية

تعاني الوزارة أيضاً من كثير من المشكلات الادارية المتمثلة أولاً في عدم وجود ترابط بين مختلف إداراتها، إذ يفيد بعض موظفيها أنه «في السابق كان يعقد اجتماع مرة كل شهر أو كل أسبوعين بين الإدارة العليا والمتوسطة. الآن لا توجد أي اجتماعات، ما يحدث شيئاً يشبه ما يحدث في إدارة مكافحة الحرائق، وليس ادارة استراتيجية فالإدارة تسارع إلى التحرك حين تحدث المشكلات.

لا توجد مؤسسة عليها اعتماد بهذه الصورة وتدير أمورها بهذا الشكل. هناك مركزية شديدة ومديرو الأقسام صلاحياتهم محدودة للغاية، ولا قدرة لهم على المشاركة في أي قرارات.

وعن أداء الوزارة كنتيجة للأداء الإداري المنخفض ذلك يستشهدون بفقرة من تقرير أعدته شركة MBG،MBI ، وذلك بطلب من الوزارة، وقد ورد فيه «أداء الوزارة سلبي وبطيء. القيادة الاستراتيجية ضعيفة، ولا يوجد لديها خطة عمل مطبوعة، كما ان معنويات موظفيها هابطة. هناك أزمة إدارة كما أن نشاط نظام الدعم منخفض للغاية».

وللاستدلال على بطء الاستجابة في داخل الوزارة يستشهد المهندسون بتعميم أصدره ديوان رئيس الوزراء بعد الانقطاع الشامل يطالب فيه جميع الوزارات بتقييم احتياجاتها في حالات الطوارئ.

وكما يفيدون «وزارة الكهرباء لم تكترث لذلك التعميم ولم تقم بتعميمه على جميع اداراتها لكنها عادت بعد 3 أشهر لتعيد صوغ التعميم على أمل ان تبعثه إلى مختلف اداراتها. مرة أخرى لم يرسل التعميم ايضا لكن صدر امر من الادارة العليا بمعرفة احتياجات مختلف الدوائر عن طريق الاتصال بمديري هذه الدوائر».


خطة طوارئ

الأمر المذهل في وزارة الكهرباء، كما يفيد مهندسوها، وهو ما تم اثباته اثناء الانقطاع الشامل، هو عدم وجود خطة طوارئ واضحة في الوزارة. اليوم لاتزال الوزارة غير قادرة على ان تضع خطة للطوارئ، ولاتزال لا توجد فيها لجنة طوارئ ولا حتى لجان تواجه الخطر، ولايزال تقسيم الخطر في داخل الوزارة معدوماً.

الوزارة قامت باستقدام شخص انجليزي لوضع خطة طوارئ لها، وحين وضع خطة لمواجهة الحالات الطارئة وجد انها مستحيلة التطبيق في وزارة كوزارة الكهرباء والماء لعدم وجود ادارة جيدة وبيئة عمل صحيحة، ولذلك قدم استقالته وترك كل شيء.

وتؤكد مصادر مطلعه على ان مشكلة قسم الطوارئ بالوزارة هو ان من يديره مهندس تخطيط لا خبرة له في هذا المجال. وقد تسلم هذا المهندس القسم اخيراً، وهو ضحية لعمليات التدوير الخاطئة. والمهندس الحالي يأتي خلفا لمهندس آخر كان رئيسا لهذا القسم لمدة 16 عاماً، وكان ايضا يشغل هذا المنصب الذي لا يتناسب مع خبرته كمهندس انشاءات. لهذا كما تفيد المصادر نلاحظ حدوث الكثير من المشكلات في هذا العام


الوزارة تعرقل الاستثمار

يعلق بعض المختصين «الوزير وعد بان تقدم وزارته أفضل الخدمات للمستثمرين لهم واذا حصل أي تعثر لأي مشروع فسيكون ذلك بسبب عدم التزام المستثمرين بالشروط المطلوبة في رخصة البناء أو الشروع في البناء من دون الحصول على رخصة مطلوبة.

لكن الوزير لم يتحدث عن تأثير الانقطاعات على المشروعات الاستثمارية. كثير من المشروعات العقارية الاستثمارية الرئيسية، لم يتمكن مستثمروها من الوفاء بوعودهم للجهات التي اتفقوا عليها، والأسباب تعود لعدم وصول التيار الكهربائي.

يقول مهندسوا الوزارة «بين الفترة والأخرى تصرح الحكومة والتجار بأن المسيرات التي تجوب الشوارع والاعتصامات تؤثر على الاقتصاد، وهذا غير صحيح فما يؤثر على الاقتصاد هو انقطاعات الكهرباء وتردي الخدمات في هذا البلد. وأكد مختصون ذلك بالقول: «نعم تردي خدمات الوزارة ينفر المستثمرين، والا ما الذي يمكن قوله عن 130 مشروعا استثماريا معطلة لأن الوزارة غير قادرة على أن تبت في طلبات أصحابها لتوصيل التيار الكهربائي لهذه المنشآت».


وأخيراً

على ما يبدو فان الحكومة راضية عن وضع الوزارة وأدائها وكفاءتها لكن السؤال هو كيف يمكن لها ذلك في ظل تزايد الانقطاعات الكهربائية وتكرارها ومع تزايد شكاوى المواطنين؟ ألا يعكس ذلك خللا ما، وأين تكمن مشكلة الوزارة، حقاً، في الموازنة التي تخصصها لها الدولة أم في أسلوب ونوعية ادارة هذا الجهاز الحيوي والمهم أم كما يقول مهندسوها «ليست في محطات الكهرباء، ولا في المعدات بل في البشر هل هم في مواقعهم الصحيحة هل هم كفاءات؟».

لماذا وصل الوضع الى ما هو عليه، ألا يثير ذلك السؤال عن كفاءة ادارة هذا القطاع الحيوي والمهم؟ وكيف هو الخروج من هذا المأزق، هل بما ينادي به البعض، وما يزعمون، كونه دعوة يتبناها معظم موظفي وزارة الكهرباء والماء، وهي دعوة لاستقالة أعضاء الادارة العليا، وتنحيهم عن مناصبهم لأنهم لم يتمكنوا من إدارة هذا الجهاز الحيوي كما ينبغي؟

العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً