العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ

تعقيب: «شعر مصطفى جمال الدين»... ليس انحرافاً عن مصطلح السياق

طالعت بتاريخ الخميس 27 يوليو/ تموز الماضي المقال الذي كتبه الصديق مظاهر اللاجامي عن كتابي (شعر مصطفى جمال الدين:دراسة فنية) جمع فيها الأخ مظاهر مجمل مؤاخذاته التي وجدها في الكتاب، وبعد الشكر له ولكل من تفضل بقراءة الكتاب وإبداء الملاحظات، فإن لي تعليقي على ما تفضل به اللاجامي في مقاله:

من خلال مناقشة مصطلح السياق الذي تفضل به اللاجامي لست أجد ما يؤخذ على عبارة الغذامي والتي أوردتها على النحو الآتي: إيمانًا بأنَ «معرفة السياق وإدراكه عملية ضرورية لتذوق النص وتفسيره - الخطيئة والتكفير ص 11، وقد أتبعت هذا الاقتباس باقتباس آخر من الكتاب نفسه يوضح أهمية السياق بالنسبة إلى القارئ وهو: السياق هو الطاقة المرجعية التي يجري القول من فوقها، فتمثِّل خلفية للرسالة تمكن المتلقي من تفسير المقولة وفهمها. فالسياق إذًا هو الرصيد الحضاري للقول، وهو مادة تغذيته بوقود حياته وبقائه. ولا تكون الرسالة بذات وظيفة إلا إذا أسعفها السياق بأسباب ذلك ووسائله الخطيئة والتكفير ص 8.

يرى اللاجامي خللا منهجيا في الجمع بين العبارتين! إذ يقول: «فالسياق في العبارة الأولى هو المصطلح الذي بلورته المدارس السياقية (الاجتماعية، النفسية، التاريخية) في حين ان الاستخدام الثاني والذي توجه بعبارة الغذامي فهو المصطلح الذي بلورته المدارس الألسنية (البنيوية، مدرسة الاتصال واستجابة المتلقي، التفكيك)، وعندما نعود لكتاب الخطيئة والتكفير الذي اعتمده الكاتب في الهوامش واستشهد بعبارة الغذامي عن السياق نجد الغذامي يقول في صفحة 10 فالسياق ضروري لتحقيق هذه الهوية، كما أن السياق لا يكون إلا بوجود نصوص تتجمع على مر الزمن لينبثق السياق منها. وهذا يعني اعتماد السياق والشفرة على بعضهما لتحقيق وجودهما».

اعتقد أنه لا يوجد أي خلل في الجمع بين العبارتين، فالأولى تنص على ضرورة إدراك السياق والأخرى تحدد ماهية السياق بالنسبة إلى المتلقي.

ثم أني لم أتحدث في الكتاب عن السياقين الخاص والعام الذين نقلهما عني الصديق اللاجامي، وإن كانت عبارة الغذامي التي أتى بها فيما بعد: «نحتاج إلى سبر هوية (السياق) الرئيسي للكاتب لنعرف من ذلك كيف نفسر نصوصه ونرتبها داخل سياقها الخاص وهو السياق الأدبي الموروث. وسياقها الخاص وهو مجموع أعمال الأديب الذي أنتج نصوصا تداخلت مع بعضها في علاقات متشابكة» تصب في خدمة مصطلح السياق الذي لا أرى أي خلاف هنا بشأن مصطلح السياق يستدعي الحكم على الفصل كاملا بأنه قد بني على خلل منهجي! أعتقد أن هذه الصفة-الخلل المنهجي - ستلحق بالغذامي وكل من يجمع بين هاتين العبارتين التي كما وصفتها: إحداها تنص على ضرورة إدراك السياق والأخرى تحدد ماهية السياق بالنسبة إلى المتلقي!

ثم يختم اللاجامي حديثه في هذه النقطة بأنه: بناء على هذا - الذي أسماه خللا منهجيا - وبنى الكاتب على عدم وضوح هذا المصطلح الفصل الأول كاملا! شخصيا لا أرى خلافا بيني وبين اللاجامي بشأن مصطلح السياق الذي نتفق مع الغذامي بشأنه!

البعد المقدس للأسطورة

بالنسبة إلى تعريف الأسطورة، أجد من الغريب أن أحاسب على تعريف لم أورده في طيات الكتاب! فقد التزمت بتعريف أنس داوود الذي أوردته؛ ومن الطبيعي أن يختلف داوود مع حسيب كاسوحه وفراس السواح وميرسيا ايلياد وغنيمي هلال وأدونيس وغيرهم بشأن تعريف الأسطورة، وهذا الاختلاف سيكون - طبعاً - في إثبات واستبعاد أبعاد الأسطورة، أجد الأجدى هنا مناقشة هؤلاء الكتاب في آليات حدهم/ تعريفهم للأسطورة بدلا من محاسبة من يتبنى آراءهم، خصوصا أننا إذا اصرينا على بعد المقدس في الأسطورة سيتقلص مصداق هذا المصطلح بشكل شديد؛ ومن دون الدخول في الأمثلة سأكتفي بما تحدثت عنه في كتابي وذكره اللاجامي وهو ألف ليلة وليلة الذي يحتوي على مجموعة من الأساطير بعضها قد صيغ في زمن الإنسانية الأولى، بالتالي ليس هناك مشكلة في أن ننعت استخدام ألف ليلة وليلة في شعر الشاعر بأنه إشارة أسطورية، خصوصا أننا ندرك أن ألف ليلة وليلة ليست أسطورة بذاتها (القصة الإطارية لشهريار وشهرزاد) بل هي تحتوي على مجموعة أساطير ينطبق عليها تعريف أنس داوود.

استبعاد لأدوات نقد حديثة

لقد ذكرت في أكثر من موقع في الكتاب - ومنها المقدمة والخاتمة - أن هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على شعر مصطفى جمال الدين، وليست عملية طرح منهج حديث لا يستند إلى دراسات سابقة تقوم على التبسيط، فالدراسات الحديثة عن الشعراء استفادت بشكل واضح من الدراسات التي تعتمد البلاغية أساسا لها، ولا أجد عيبا في استخدام البلاغة العربية في قراءة شاعر من شعراء الكلاسيكية لا نجد لديه الانزياحات البلاغية الشديدة التي يتناولها النقد الحديث الذي يطالب به اللاجامي، وقد أشرت إلى ذلك في الكتاب ص 31 - 32 بقولي: «مصطفى جمال الدين صاحب العقلية المتأثر بدراسة النحو والأصول لا يمكن أن نجد في شعره انزياحًا من الدال للمدلول يبتعد عن المعنى المتعارف عليه إلاَّ نادرًا، وهنا نحن لا نتهمه بالتقريرية ولكن بالبعد عن الرمزية الإيحائية، فالأشكال البلاغية العربية التراثية هي الغالبة على شعره».

أما بالنسبة إلى موضوع تناولي الجزئيات وليس البنية النصية لقصائد الشاعر، فأعتقد أن ذلك وظيفة الدراسات التالية عن الشاعر فقد هدفت هذه الدراسة - كما أسلفت -لتسليط الضوء على شعر الشاعر وفتح الباب لدراسات أكثر تركيزا (الكتاب ص 291).

ولا اعتقد أنه وجدت دراسة هدفها تسليط الضوء على شاعر كلاسيكي لم يدرس من قبل تناولت النص من ناحية البنية بشكل رئيسي سوى كتاب الغذامي (الخطيئة والتكفير) الذي تناول حمزة شحاتة، وقد ذكر الغذامي أن اختياره للشاعر كان نموذجا من اجل طرح النظرية التشريحية (المعروفة بالتفكيك) فالهدف ليس الشاعر وإنما النظرية، وهذا ليس دور كتابي عن جمال الدين، إذ انني اعترف بأنه مازال الوقت مبكرا لي لأصل لمرحلة طرح منهج نظرية خاصة بي، آمل ذلك مستقبلا.

في النهاية أعيد الشكر لصديقي مظاهر اللاجامي ولجميع من شارك بإدلاء رأيه عن الكتاب. واتساءل: ألم يجد صديقي الأستاد مظاهر مجالا للتنويه بالنقاط التي اعجبته في الكتاب كما كان يحصل في الندوات التي القيتها عن الكتاب وأورد فيها الأخ مظاهر ملاحظاته المذكورة هنا مصدرة بالتنويه عن إيجابية الجهد المبذول في الكتاب، عتب ودي ليس إلا.

عبدالله فيصل آل ربح

باحث أكاديمي من السعودي

العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً