يراقب الكثيرون في العاصمة اللبنانية (بيروت) بقلق الصراع الدامي المتصاعد في سورية المجاورة خشية امتداد العنف عبر الحدود وانزلاق لبنان في أتون حرب أهلية مزقته لفترة طويلة.
وكانت بيروت قد شهدت اشتباكات بين فصائل مسلمة ومسيحية على خطوط تماس طيلة 15 عاماً وانتهت في العام 1990 بالإضافة إلى اجتياحات إسرائيلية كان آخرها حرب العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل وكذلك قتالاً مع الفلسطينيين وتدخلاً أجنبياً بالبوارج والطائرات الحربية والدبابات.
لكن الذكريات عن السيارات المفخخة والمذابح وعمليات الخطف مازالت حاضرة في الأذهان في بلد ينقسم أبناؤه بين طوائف دينية ومذاهب وتحالفات وولاءات متعددة وحيث يوجد لسورية حلفاء وأعداء أقوياء.
وفي حي سان ميشال الفقير معقل المهجرين المسلمين جراء الحرب الأهلية التي دارت بين العامين 1975 و1990 ينظر إلى الرئيس السوري بشار الأسد على أنه بطل.
وقالت رمحة الحسن (50 عاما) التي توقفت لشراء الخبز من دكان في شارع رئيسي تحيط به منازل متداعية ومتلاصقة وكتل أسمنتية تتقاطع مساراتها مع أسلاك كهربائية متشابكة ومتدلية «انه في حرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل. إنهم يدعمون العصابات الإرهابية.»
وقالت إن شقيقها واثنين من أولاده قتلوا عندما قصفت السفينة الحربية الأميركية نيوجرزي منزلهم على الجبل بعد الاجتياح الإسرائيلي العام 1983 كما قتلت والدتها في قصف إسرائيلي.
ويحظى الأسد بدعم حزب الله المناهض لإسرائيل واللاعب المهم على الساحة السياسية والعسكرية والاجتماعية في لبنان على الرغم من اعتباره منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا.
وقال بلال السيد وهو صاحب متجر يبلغ من العمر 39 عاماً «بالتأكيد الأسد إنسان جيد. السبب الرئيسي للمشكلة هو أن بشار من الداعمين لحزب الله فإذا توقف عن دعم المقاومة فإن الأميركيين سيتركونه وشأنه.»
وأشار إلى أن اثنين من أولاد شقيقته قتلا في غارات إسرائيلية في الحرب التي اندلعت العام 2006 في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل.
ويخشى السيد من تدهور الوضع وقال «الناس هنا منقسمون بين ما هو معه (الأسد) ومن هو ضده. لا أحد هنا يحب الحرب. لبنان تدمر جراء الحرب».
ويعبر عن نفس الرأي حسين جابر وهو عامل بناء عمره 46 عاماً. وقال في منزله في سان ميشال بينما كانت والدته تقدم القهوة التركية وعصير الأناناس «الوضع في سورية يسير إلى الأمام وليس إلى الوراء. لا يوجد طريقة للقضاء على المقاومة (حزب الله) إذا بقيت سورية قوية. لذا هم يريدون ضرب سورية لإضعاف المقاومة. الحرب ستؤثر على لبنان. الحرب الطائفية حيث الشيعة ضد السنة والسنة ضد الشيعة. أنا خائف على بلادنا.»
صديقه علي رجب وهو صانع أحذية عمره 60 عاماً اعرب أيضاً عن إعجابه بالأسد وقال رداً على سؤال حول مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الأمن السورية «إنهم يقتلون الإرهابيين. إذا أجنبي جاء الى بيتك ليقتلك ماذا كنت ستفعل؟ إسرائيل قصفت لبنان ولا أحد سألها لماذا؟».
وقال الرجلان إنهما يشاهدان تلفزيون المنار التابع لحزب الله وكذلك قناة الجزيرة التي وصفاها بأنها «مليئة بالأكاذيب».
مثل هذه الآراء تناقض النظرة الغربية للصراع السوري. فقد وجهت للأسد إدانات دولية بما في ذلك قرار للأمم المتحدة لشنه حملة على انتفاضة ضد حكمة مستمرة منذ ما يقرب من عام.
وقتل في الانتفاضة عدة آلاف وتقول سورية إنها تخوض حرباً ضد «جماعات إرهابية مسلحة مدعومة من الخارج».
وفي شارع هادي نصر الله في الضاحية الجنوبية حيث حلت مبانٍ سكنية جديدة محل تلك التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية في العام 2006 وتتدلى من الشرفات أعلام حزب الله الصفراء وتنتشر في الطرقات ملصقات لقادة في حزب الله قالت فاديا خليل التي تعمل كمعلمة والتي كانت تتحدث في شقتها «الشعب ينقسم بين مؤيد ومعارض للأسد ولكن هنا في الضاحية نحن ندعمه لأنه دعمنا في الحرب ضد إسرائيل».
وتم إنشاء حزب الله في الثمانينيات لمحاربة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان والذي استمر حتى العام 2000 . وتخشى فاديا من أن يعيد التاريخ نفسه ويتكرر الاقتتال بين الفصائل اللبنانية.
وقالت «في طرابلس بدأت الحرب بالفعل بين العلويين والسنة. نحن نخاف أن يمتد هذا الوضع إلى جميع أنحاء لبنان».
وكانت فاديا تشير إلى وقوع اشتباكات في مدينة طرابلس الشمالية هذا الشهر بين أنصار الأسد من الأقلية العلوية في البلاد والتي ينتمي إليها الرئيس السوري وبين السنة الذين يشكلون معظم السوريين.
وقتل شخصان على الأقل في الاشتباكات التي اندلعت بالرصاص والقذائف الصاروخية في مشهد أعاد لأذهان اللبنانيين ذكريات حرب بيروت المريرة.
وفي ضاحية فرن الشباك المسيحية يندر وجود مؤيدين للأسد حيث تدخل الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار في الحرب في لبنان وبقي الوجود العسكري السوري 29 عاماً حتى العام 2005.
وقال طوني حداد وهو موظف في بنك ويبلغ من العمر 42 عاماً «حافظ الأسد وبشار الأسد مثل بعضهما البعض. بالنسبة لنا هنا نحن لسنا خائفين من حزب الله لأننا كمسيحيين أقوياء ويمكننا مواجهته فهو أصبح ضعيفاً ولم يعد يستطيع أن يفعل شيئاً الآن معنا. عندما تضعف سورية يضعف حزب الله والآن سورية ضعيفة وحزب الله لا يستطيع أن يفعل شيئا معنا».
وألقى حداد باللائمة على سورية في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في انفجار سيارة ملغومة في وسط العاصمة بيروت العام 2005 كما أشار بغضب إلى اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في العام 1982.
وقال «بالتأكيد سأكون سعيداً عندما يسقط الأسد لأن من يقتل هذا العدد من الناس كيف يمكن له أن يبقى في الحكم».
لكن جو خويرى الذي كان يقف عند باب محل للأحذية والحقائب في منطقة فرن الشباك لديه رأي مغاير فهو يعتبر أنه «إذا سقط الرئيس السوري فسيكون ذلك كارثة على لبنان لأن الوضع سينعكس على حزب الله في لبنان».
وأضاف «عندما يسقط النظام في سورية فإن المجموعة التي كانت تقاتله ستنتقل لمحاربة حزب الله هنا».
لكن خويرى الذي كان صغيرا إبان الحرب الأهلية قال إن هناك بعض المزايا من هذه الأزمة إذ إن المال السوري تدفق إلى بيروت وكذلك العمال السوريين الذين يمكن التعاقد معهم بثمن بخس.
ومما يزيد هذه الأزمة تعقيداً أن الأقلية المسيحية في سورية تدعم في معظمها حكومة الأسد العلمانية خوفاً على وضعها إذا ما انتصرت المعارضة.
كما أن الحكومة اللبنانية تقع في مأزق دقيق حيث إن سورية تهيمن على الحياة السياسية اللبنانية ومازلت تملك نفوذاً من خلال حلفائها السياسيين.
وحاولت حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي التي يشارك فيها حزب الله حليف سورية الوثيق النأي بنفسها عن الصراع حيث كان لبنان واحداً من الدول القليلة التي لم تصوت على قرار للأمم المتحدة يدين الأسد.
ويدعم رئيس تيار المستقبل رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري الانتفاضة في سورية. كما أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان يوماً مقرباً من سورية أصبح من أشد منتقدي الأسد ودعاه للتخلي عن السلطة وحث روسيا والصين حليفتا سورية للتخلي عن دعمهما له.
ويوم الاربعاء الماضي انضم جنبلاط إلى تظاهرة في وسط بيروت لإظهار التضامن مع الانتفاضة. ووقف الجيش اللبناني وسط تظاهرتين متقاربتين واحدة مؤيدة وأخرى مناهضة للأسد لمنع وقوع أي مشاكل
العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ