رأى الباحث الأدبي العراقي عبدالله إبراهيم أن الأوان آن كي يأخذ مصطلح «التخيل التاريخي» مكان المصطح الآخر المعروف بتعبير «الرواية التاريخية». وقال إبراهيم: «آن الاوان لكي يحل مصطلح «التخيل التاريخي» محل مصطلح «الرواية التاريخية» فهذا الاحلال سيدفع بالكتابة السردية إلى تخطي مشكلة الأنواع الأدبية وحدودها ووظائفها. «ثم إنه يفكك ثنائية الرواية والتاريخ ويعيد دمجهما في هوية سردية جديدة فلا يرهن نفسه لأي منهما كما أنه سيحيد أمر البحث في مقدار خضوع التخيلات السردية لمبدأ مطابقة المرجعيات التاريخية فينفتح على كتابة لا تحمل وقائع التاريخ ولا تعرّفها إنما تبحث في طياتها عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر وبين وعن التماثلات الرمزية فيما بينهما؛ فضلاً عن استيحاء التأملات والمصائر والتوترات والانهيارات القيمية والتطلعات الكبرى فتجعل منها أطراً ناظمة لأحداثها ودلالاتها.. «فكل تلك المسارات الكبرى التي يقترحها «التخيل التاريخي» تنقل الكتابة السردية من موقع جرى تقييد حدوده النوعية إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة على الماضي والحاضر».
وكان ابراهيم يتحدث في مقدمة كتابه الصقيل «التخيل التاريخي .. السرد والامبراطورية والتجربة الاستعمارية» الذي صدر في 325 صفحة كبيرة القطع عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمَّان. والكتاب هو واحد من ثلاثة كتب عن موضوع السرد صدرت لإبراهيم في الفترة الأخيرة عن الدار نفسها. ولعل إلقاء نظرة على العناوين الرئيسة لمحتويات الكتاب كفيل بإعطاء فكرة شمولية عن المادة التي انطوى عليها عمل المؤلف هذا.
وتحت كل عنوان رئيس، هناك عناوين فرعية مفصلة عديدة. عنوان الفصل الأول كان «الامبراطورية والسرد والتاريخ» تبعه الفصل الثاني بعنوان «التهجين السردي وتمثيل الأحداث التاريخية» وجاء الفصل الثالث بعنوان «السرد والتاريخ واللاهوت». أما عنوان الفصل الرابع فهو «كتابة مقدسة وكتابة مدنسة وانشقاقات دينية».
خامس الفصول الثمانية حمل عنوان «التخيل التاريخي وتفكيك الهوية الطبيعية» وجاء بعده الفصل السادس بعنوان «التوثيق والتخيل التاريخي». سابع الفصول حمل عنوان «التخيل السردي والتمثيل الاستعماري للعالم» وجاء بعده الفصل الثامن والأخير بعنوان «التجربة الاستعمارية والهوية المرتبكة».
ويعود إبراهيم ليقول، إن فعل الحبك يتأدَّى عنه ما اصطلح «بول ريكور» على إعطائه اسم «الهوية السردية» وهي «البؤرة التي يقع فيها التبادل والتمازج والتقاطع والتشابك بين التاريخ والخيال بوساطة السرد فينتج عن ذلك تشكيل جديد يكون قادراً على التعبير عن حياة الإنسان بأفضل مما يعبر عنه التاريخ وحده أو السرد الأدبي بذاته».
ويمضي ناقلاً عن ريكور قوله: «فحياة البشر تدرك على نحو أسهل وأمتع حين يجري تمثيلها بالتخيلات التاريخية لأن فهم الذات هو عملية تأويل وتأويل الذات بدوره يجد في السرد واسطة بامتياز مفضلاً إياها على بقية الإشارات والعلامات والرموز.
والسرد يقتبس من التاريخ بقدر ما يقتبس من القصص الخيالية جاعلاً من تاريخ الحياة قصة خيالية أو قصة تاريخية شابكاً أسلوب العمل التاريخي الحقيقي بالأسلوب الروائي للسير الذاتية الخيالية».
وقال إنه «كلما جرى الحديث عن «الرواية التاريخية» وقع التفريق بين التاريخ الذي هو خطاب نفعي يسعى إلى الكشف عن القوانين المتحكمة في تتابع الوقائع والرواية التي هي خطاب جمالي تقدم فيه الوظيفة الانشائية على الوظيفة المرجعية». وفي مجال الحديث عن التاريخ رأى أنه «لا تفترض الكتابة عن التاريخ تمجيد الماضي ووضعه في علبة المقدس ولكن العمل عليه من أجل فهم المفاصل التاريخية المهمة التي يمكن للرواية الاستناد إليها فالتمحيص لمعرفة النواة الحاسمة في كل التغييرات اللاحقة ليس بالضرورة عملاً مغرضاً أو معادياً للخطابات المتسيدة».
وعن مسارات الرواية الحيوية قال إنه عندما تتم السيطرة على «كل الخيوط المتشابكة تصنع الرواية مساراتها الحيوية فهي تدرج الوقائع التاريخية ضمن متخيل يعطي الايهام بالحقيقية الموضوعية التي ليست مهمة إلا من حيث هي تعبير عميق عن لحظة متحركة في التاريخ تستطيع الرواية إلقاء القبض عليها في كامل توهجها»
العدد 3459 - السبت 25 فبراير 2012م الموافق 03 ربيع الثاني 1433هـ