نيا ديناتا، دونما شك، هي صانعة الأفلام الإندونيسية الجديدة الموهوبة. العروض المكتظة بالحضور لفيلمها الأخير عن تعدد الزوجات والذي عرض في مهرجان كان بفرنسا تشهد على ذلك.
نجاحها الذي يعود إلى الفن أكثر منه إلى هوليود، يبرز من توجه من دون وجل لمخاطبة قضايا الساعة بأسلوب لاذع ومسحة من الفكاهة. في فيلم «حب المشاركة» يمكن للمشاهدين ملاحظة أمر آخر: أصالة مولودة من رحم التجربة.
بالنسبة إلى ديناتا البالغة من العمر 36 سنة، فإن فيلماً يظهر ألماً ومعاناة زيجات تعدد الزوجات وراء الكواليس، وخصوصاً بالنسبة إلى النساء، بدا أمراً يجب القيام به.
مع سيطرة أنواع أكثر تطرفاً من الإسلام في إندونيسيا ازدادت حالات تعدد الزوجات عدداً، وجرى إظهارها علناً من قبل أميرات وسياسيين. أمسكت ديناتا باللحظة لإظهار ما تسميه حزناً وإنكاراً وراء بسمات الزوجات اللواتي يعلن أنهن يقبلن أن يكن من ضمن الجمهور.
عندما بلغت الثامنة عشرة من عمرها، وكانت في سنتها الجامعية الأولى في الولايات المتحدة استدعيت ديناتا فجأة إلى بيتها: والدها سيتخذ زوجة أخرى.
«عندما نقلت والدتي الخبر أصبت بصدمة». تقول ديناتا، وهي جالسة على شرفة مقهى هنا وبيدها سيجارة، بعد يوم طويل حافل من تصوير فيلمهما الرابع عن حوادث ما بعد هجمة انتحارية. «طلبت منهما أن يتطلقا».
الوالدان بدورهما أصيبا بالصدمة من ردة فعلها، تستذكر ديناتا، لأنهما افترضا أن جميع الأطفال يريدون أن يبقى والداها معاً، حتى ظروف مختلفة.
«بعكس معظم العائلات في إندونيسيا التي تحاول التأقلم والتقبل، كنت أحاول أن أقول ما أشعر به». والد ديناتا تزوج المرأة الأخرى بغض النظر، وأمها، التي كانت قد درست الطب، تبنت واجهة خارجية من الهدوء.
أكثر ما أثار انتباه ديناتا ليس فقط الدوامة الداخلية عند أمها والشجاعة الخارجية وإنما كذلك قصر عمر زيجة والدها الثانية. لم تستمر سوى أربع سنوات.
«بالنسبة إلى الرجال عليهم أن يقسموا أوقاتهم فيفقدون المتعة كلها». الكثير من الزيجات الثانية والثالثة، التي تمزقها توترات الزوج الذي يحاول إرضاء جميع زوجاته، لا تبقى، وتلك التي تبقى يؤول أمرها إلى الإساءة المنزلية، تقول ديناتا.
الخيوط والمشاعر التي تربط علاقة والديها، إضافة إلى سنتين من البحوث في أرجاء إندونيسيا ومقابلة نساء من خلفيات اجتماعية مختلفة وزيارة ملاجئ النساء شكلت هيكل «حب المشاركة». الفيلم يتعامل مع ثلاث زيجات إندونيسيات متعددة: في أسرة موسرة (تمثل وضع ديناتا مع بعض الاختلافات) وفي أسرة مدنية فقيرة وفي أسرة صينية بورجوازية.
بعض المناظر المعتمدة بشكل فضفاض على خلفية أسرتها تكشف عن مشاعر فجّة. الزوجة الأولى في الفيلم عندما تقابل الزوجة الثانية لزوجها في مناسبة عامة. «لماذا كتب علي أن أقابلها أمام هذا الجمع الكبير من الناس؟»، تسأل سلمى زوجها عند العودة إلى البيت. «معنى ذلك أن ما كان الناس يقولونه هو صحيح. كان من الأفضل لو لم أكن أعلم».
الزوج، السياسي الذي يمارس دينه، والذي يشار إليه في الفيلم «باك حجي» وهو كنية تشير إلى تأديته مناسك الحج - يقول ببلادة «أنت كاملة. أردت تجنب الزنا فقط».
تعود سلمى إلى حياتها الطبيعية كطبيبة كثيرة الانشغال برواقية، وتصمم عيادة جديدة لها وتهتم بالنساء وهن يلدن. «أحاول التصرف كأنما لم يحدث شيء» تقول سلمى.
ولكن بعد مرور عشر سنوات يكون الكثير قد تغير. سلمى تأقلمت عن طريق لبس الحجاب الإسلامي. ومع نهاية الفيلم أصبح لباك حجي زوجتان أخريان، كل واحدة منهما أصغر عمراً من سابقتها.
عندما يصاب بجلطة دماغية تظهر زوجاته الثلاث في المستشفى، بينما يقول الابن المراهق بسخط: «لقد حصل الوالد على رغبته. لقد اجتمعت زوجاته الثلاث معاً».
للتأكيد على نقطتها ونقلها إلى المشاهد تصور ديناتا باك حجي على فراش الموت وهو نادم على ما فعل. «إنها لبكة رهيبة»، يقول لابنه: «عندما تتزوج عدني ألا تتزوج سوى واحدة».
ولنهاية لا يمكن مقاومتها، تأتي ديناتا بزوجة رابعة تظهر في الجنازة وهي تحمل طفلاً صغيراً.
لا أحد يتابع الأرقام ويسجل الأعداد، ولكن ديناتا تقدر أن نحو 30 في المئة من الزيجات الإندونيسية هي تعددية، وهي أكثر بكثير من فترة ما قبل سقوط نظام سوهارتو الدكتاتوري قبل نحو عشر سنوات.
ولكن مع تحول الإسلام ليصبح سلطة أكثر قوة وعدد الزيجات المتعددة في ازدياد. ديناتا تقول إن الحكومة تخاف من القادة الدينيين الذين يزداد نفوذهم من أن تفعل أي شيء حيال ذلك.
في العام 1974، تحت تأثير الزوجة التي كان ضد تعدد الزوجات، أصدر سوهارتو حكماً بمنع تعدد الزوجات للمواطنين المدنيين من دون إذن وموافقة كانت قلّما تعطى.
نائب رئيس تباهى حديثاً بزوجاته الكثيرات، آخذاً زوجاته الثلاث في رحلة إلى مكة المكرمة. رجل أعمال ابتكاري معروف هو باسبو واردويو يسمي تعدد الزوجات مسئولية الرجال الموسرين المسلمين. لديه أربع زوجات، وهو يقدم «شراب تعدد الزوجات» وهو خليط من أربعة أنواع من الفواكه الاستوائية في سلسلة من مطاعم الدجاج التي يملكها.
أميرة من أسرة يوغي أكاراتا هي سيتوريزمي ترابونينغرات، وهي صاحبة أعمال كذلك، تكلمت حديثاً عن كونها جزءاً من «فريق» من الزوجات، الأمر الذي يعطيها حرية أكثر، لأنهن يستطعن التشارك في الواجبات.
«حب المشاركة» استقبل استقبالاً جيداً في جاكرتا وباندونغ القريبة، على رغم أن الكثير من الحضور كانوا من الأجانب. في بقية مناطق إندونيسيا كان الحضور قلة. «إنهم لا يريدون أن يعلموا»، تقول ديناتا. الذين حضروا كانوا معظمهم من النساء اللواتي دخلن خلسة للمشاهدة. «النساء جئن مع النساء في منتصف النهار. لم يردن أن يعرف أزواجهن».
أثناء رحلتها للترويج للفيلم عن إندونيسيا كان المذيعون على الراديو يعرفون ماذا يتوقعون، تقول ديناتا: «الرجال كانوا غاية في الوقاحة». قالوا: «كيف تجرؤين على انتقادنا؟ نحن نصنع خيراً للنساء من خلال زواجنا من أكثر من واحدة». في معظم الحالات، تقول ديناتا كانت النساء أكثر خجلاً من أن يتطرقن إلى الموضوع.
جين بيرلز كاتبة في «نيويورك تايمز»، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ