وصلنا في المقال السابق إلى نتيجة أن الغرر والجهالة ومعدّل الفائدة أسباب غير ناهضة، شكلاً وموضوعاً لتحرم المشتقات «التقليدية».
محاولة لوضع حلول «شرعية» للمشتقات التقليدية، وضع المصرفيون الإسلاميون حلولاً مثل عقود السلم والاستصناع والخيارت الإسلامية.
السلم، هو معاملة بيع وشراء بين طرفين، يكون البائع ملزماً بتسليم السلعة في تاريخ مستقبلي متفق عليه سلفاً مع المشتري على أن يقوم المشتري بدفع مبلغ السلعة في تاريخ إبرام العقد. الفرق الوحيد بين السلم والعقود المستقبلية في الأسواق الرأسمالية الربوية (كما يسميها «المصرفيون الإسلاميون» بشكل غير دقيق ومنصف) هي أن سعر السلعة يتم دفعه عند تسليم السلعة مستقبلاً. عدا ذلك، كلا العقدين الرأسمالي و»الشرعي» يشتركان في كل التفاصيل مثل تحديد تاريخ التسليم، التحديد الدقيق للسلعة وكميتها وكيفية توصيلها وسعرها بغض النظر عن تاريخ دفعها.
منطقياً، في حال كل شي معلوم للطرفين، بما في ذلك السعر، ما الذي يجعل من العقد محرّماً اذا اتفق الطرفان على تأجيل الدفع لحين التسليم أو دفعه في تاريخ إبرام العقد؟ يجيب «المصرفيون الإسلاميون» أن العلة وراء ذلك هو مساعدة المزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة على الاستفادة من تمويلات رأس المال التشغيلي. في قبال تلك العلة أقول إن هذا كلاماً نظرياً خيالياً لا ينم عن فهم موضوعي للواقع. حتى في الأسواق الأميركية والأوروبية التي تشكل فيها الزراعة تطوراً كبيراً فإن العقود المستقبلية لا يتم التعامل فيها إلا لغرض تحقيق الأرباح من فارق الأسعار ولم يتم حتى توصيل السلع فيها بل تكون التعاملات على أساس التسوية النقدية في نهاية العقد. وحتى في الدول الإسلامية، فإن البنوك الإسلامية لا تتعامل مع المزارع الفقير أو التاجر الساذج الذي يريد أن يحمي نفسه من تذبذب السعر بأنها تتعامل مع مصارف أخرى أو شركات كبيرة، تريد أيضاً مضاعفة أرباحها. هذا هو الواقع. مسوغات «أسلمة» كل ما ينتجه النظام الرأسمالي وصبغه بدوافع قد تكون نبيلة نظرياً ولا تنطلق من الواقع ولا تصب فيه وتعكسه، هو أمر يضر بالصيرفة الإسلامية والدين الإسلامي في نظر الآخرين. بطبيعة الحال، مادام سعر السلعة يتم دفعه من قبل المشتري في تاريخ إبرام العقد، فإن سعر السلعة هذه في عقد السلم يكون أقل من سعر السلعة في تاريخ إبرام العقد بدون عقد السلم. علة ذلك أن البائع هو المستفيد الأكبر لأنه يتسلم السعر ولا يوصل السلعة إلا مستقبلاً، ولـ «تقليل» تكسبه على حساب المشتري، يكون سعر السلعة أقل من السعر السوقي.
نرى هنا أنهم يريدون ألاَّ يجحفوا المشتري فأجحفوا البائع. إجحافه يكمن في تسلمه مبلغاً أقل من السعر السوقي بداية، وتحمله مسئولية توفير السلعة في تاريخ الاستحقاق للمشتري إضافة إلى ذلك تحمله لتكاليف الاعتناء بالسلعة إذا كانت تستوجب ظروف تخزين خاصة (المواشي مثلا). هذا إذا كان البائع يملك البضاعة في بداية العقد. وإذا كان لا يملكها حينها وقرر شراءها لاحقاً وإن ثم تسليمها للمشتري فإنه يكون عرضة لمخاطر تذبذب الأسعار لأنه تسلم مبلغاً محدداً سلفاً .. يتبع
جعفر العمران
العدد 3475 - الإثنين 12 مارس 2012م الموافق 19 ربيع الثاني 1433هـ