«النهارده يوم 14... يوم 25 يناير هو عيد الشرطة يوم أجازة رسمية لو نزلنا 100 ألف واحد في القاهرة محدش هيقف قصادنا ... يا ترى نقدر...» بهذه النبرة التحفيزية كتب وائل غنيم على صفحة «كلنا خالد سعيد» التي انشأها بموقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي على الإنترنت وحملت اسم نشط مصري قتل بأيدي اثنين من رجال الشرطة العام 2010. ولعبت الصفحة دوراً جوهرياً في التعبئة عبر الإنترنت لجموع من الشباب ضد انتهاكات نظام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك فيما توج بانتفاضة شعبية أجبرت مبارك على التنحي عن الحكم في 11 فبراير/ شباط 2011 . وجاء اسم كتاب غنيم (المدير السابق للتسويق الإقليمي في شركة غوغل) «الثورة 2.0» على نمط مصطلح «ويب 2.0» الذي يشير إلى الأفق المستقبلي للإنترنت كما أنه يعتبر الثورة المصرية شكلاً جديداً للثورات كون الحشد لها جرى على الإنترنت كما أنها لم تتحرك وراء زعيم بعينه حسب النمط التقليدي للثورة.
يركز غنيم (32 عاماً) في كتابه الصادر عن دار الشروق في 316 صفحة من القطع الكبير على معاملة الشرطة للمواطنين ويخصص ثلاثة فصول للحديث عن جهاز أمن الدولة المصري أولها يروي تجربته الأولى مع الجهاز بالإضافة لفصلين آخرين عن فترة اعتقاله التي استمرت 11 يوماً في ذروة الانتفاضة المصرية وطرق التحقيق معه. ويقول غنيم عن النقيب الذي استجوبه في أمن الدولة «أكثر ما يشغله هو نشاطي الديني ومعتقداتي الشخصية وكان من الواضح أنه يريد أن يعرف أين سيضع ملفي الشخصي. كان من المهم أن يصنف كل ملف حسب أفكار صاحبه فهناك السلفي والإخواني والتكفيري والجهادي والتبليغي ... وغيرها من التصنيفات التي ينظَم عبرها الضباط ملفاتهم وآلية متابعتهم ومراقبتهم لمن يستجوبونه». وعن خوف المصريين من الوقوع في قبضة الشرطة السرية يقول غنيم «جهاز الشرطة السرية (أمن الدولة) ومن قبله «البوليس السياسي» أيام الملك أنشأ حاجزاً نفسياً بين المصريين والسياسة فجيل الآباء الحاليين الذي نشأ في الخمسينيات والستينيات عاش اسوأ فترات القمع في تاريخ مصر الحديث من اعتقالات وتعذيب ومحاكمات عسكرية وغيرها من وسائل الإرهاب التي جعلت الكثير منهم يؤثر السلامة وبالتعبير المصري «ياكل عيش»... «هذا الجيل ربى أولاده (قبل أي شيء) على أن يخافوا السياسة وبطش جهاز أمن الدولة. أحياناً أشعر أننا كمصريين تربينا على الخوف من الوقوع في قبضة الشرطة السرية أكثر من الموت ذاته».
وخرج أول احتجاجات الانتفاضة المصرية يوم 25 يناير/ كانون الثاني الموافق لعيد الشرطة المصرية. وكتب غنيم على الـ «فيسبوك»: «عايزين أفكار لعيد الشرطة يوم 25 يناير: لأن الناس دي بتتعب في إهانة وتعذيب وأحياناً قتل المواطنين المصريين فمينفعش يعدي يوم على عيدهم من غير ما نفهمهم إننا مش هننسى... ياريت أي حد عنده فكرة يطرحها وياريت تكون أفكار غريبة ومختلفة ويارب نقدر ونرجعلهم جزء من جمايلهم علينا». وكتب غنيم على صفحة «كلنا خالد سعيد» مطالباً بتغيير طبيعة الاحتفال ليكون «25 يناير: ثورة على التعذيب والفقر والفساد والبطالة». ويتحدث غنيم عن أنه لم يرد للمظاهرات أن تكون تصادمية مع الشرطة، ويقول «لم أرد للمظاهرات أن تكون تصادمية مع الشرطة وأكثر من مرة على الصفحة حتى في وقت الحشد وبعد 14 من يناير نشرت أخباراً عن ضباط أشراف. نشرت عن ضابط مصري رفض 15 مليون دولار رشوة ونشرت اسمه واحتفينا به على الصفحة». ويقول في تعليق آخر «زي ما بنحارب الفساد في جهاز الشرطة... لازم نساند الخير... الشرطة فيها شهداء كتير ماتوا عشان بيؤدي مهمته اللي هيه في الأصل حمايتي وحمايتك... إحنا مش ضد الشرطة كجهاز بس إحنا ضد ممارسات الشرطة وضد أي انتهاك لحقوق الإنسان... لو فيه ضابط محترم هاكون أول واحد افتخر إنه أخ لي... لازم ندعم الخير زي ما بنحارب الشر».
ومنذ اعتقل غنيم يوم 27 يناير انضم حوالى 100 ألف عضو جديد إلى صفحته خلال احتجازه على مدى 11 يوماً ليصل إجمالي عدد الأعضاء إلى حوالى نصف مليون. ورفض غنيم نسبة كل الفضل في الثورة لنفسه كما عزف عن الترشح لمناصب سياسية. وعن عدم وجود قائد للثورة المصرية يوجهها يقول غنيم «طبيعة الثورة التي لم يخرج من رحمها قائد يوجهها ويحركها ويتحكم في مساراتها كان أمراً رآه البعض سلبياً وراهن آخرون على أنه سيكون سر نجاح هذه الثورة». ويختتم غنيم كتابه بفصل يحمل عنوان «وسقط الفرعون» ويذيله بجملة «فخور أني مصري». وقال غنيم إن عائدات الكتاب ستوجه لأهداف خيرية وتقديم الدعم لأهالي الضحايا والجرحى في الثورة.
العدد 3475 - الإثنين 12 مارس 2012م الموافق 19 ربيع الثاني 1433هـ