العدد 3477 - الأربعاء 14 مارس 2012م الموافق 21 ربيع الثاني 1433هـ

ثقافة «الطنطل» والمجاز اللغوي البديع

يوجد تشابه بين الأسطورة و«الميتافور» أو المجاز اللغوي فالأسطورة تعبّر عن نظام رمزي ثقافي يماثل النظام الرمزي اللغوي وكلا النظامين يبحث عن التواصل والاستمرارية، فالأساطير لا تعرف الفناء أو الموت فهي حية تنفذ فى نصوص الإنسان بآلة الرمز، وحتى نوضح هذه الصورة والدرجة من التشابه لابد أن نعيد تعريف الأسطورة بوصفها نظاماً رمزياً؛ إذ يتميز مصطلح الأسطورة بالمرونة فيمكن للباحث أن يعرفه بحسب التوظيف الذي يسعى إليه الباحث، ولقد تصدّى العديد من الباحثين في عدّة مجالات لدراسة الأسطورة وقد حاول كل باحث إيجاد صيغة تعريف للأسطورة وقد اختلفوا في ذلك فكل باحث يتناول الأسطورة من ناحية فمنهم من حاول تعريفها بمضمونها، أما من حيث هي (أو في ذاتها) أو بالمقارنة مع أشكال سردية أخرى مثل «القصة العجيبة» أو «القصة الشبيه تاريخية» ذات الصبغة الأسطورية أو الخرافة، ومنهم من نظر إليها من زوايا أخرى باعتبارها شكلاً سردياً أو نظاماً رمزياً (عجينة 1994، ج1: ص 63 و68). وقد سبق أن تناولنا في موضوعات سابقة تعريف الأسطورة بحسب وظيفتها، أما في هذا الفصل فسنتناول الأسطورة بوصفها نظاماً رمزياً، فالأسطورة لها مستوىً سطحياً وآخر عميقاً هو الذي يشتمل على المعنى الباطن أو الرمزي المنبثق من خلال عناصرها بناء على أن عناصر الأسطورة ليست الدلائل اللغوية بقدر ما هي الرموز (عجينة 1994، ج1: ص 72). لذلك يعرفها الفيلسوف الفرنسي غيلبار دورن بأنها «نظم لوقائع رمزية في مجرى الزمان»، ويلتقي معه بول ريكور من خلال التعريف الآتي: «الأسطورة حكاية تقليدية تروي وقائع حدثت في بداية الزمان وتهدف إلى تأسيس أعمال البشر الطقوسية حاضراً، وعموماً إلى تأسيس جميع أشكال الفعل والفكر التي بواسطتها يحدّد الإنسان موقعه في العالم. فالأسطورة تثب الأعمال الطقوسية ذات الدلالة وتخبرنا عما يتلاشى بعدها التفسيري بما لها من مغزى استكشافي وتتجلى من خلال وظيفتها الرمزية؛ أي فيما لها من قدرة على الكشف عن صله الإنسان بمقدساته» (عجينة 1994، ج1: ص 72).

ومن أشهر الأساطير التي وظفتها العامة في الرمزية والمجاز هي تلك التي ارتبطت بالمخلوقات الأسطورية كالعمالقة والغول والسعلوة والطنطل، وسنتناول في هذا الفصل والذي يليه رمزية الطنطل والعمالقة.

الطنطل: المخلوق الأسطوري

يعتبر الطنطل في الخليج العربي من المخلوقات الأسطورية وقد وصف بأكثر من وصف إلا أن تلك التوصيفات للطنطل تتشابه في بعض الصفات كالطول مثلاً، فقد وصف فالح حنظل الطنطل في معجمه عن ألفاظ دولة الإمارات العربية، مادة طنطل، بأنه: «كائن من الاشباح طويل القامة عظيم الجسم، وتقال كناية عن الشخص الطويل. قال لي أحمد امين المدني: (وهو ما كنا نسمع عن وجوده في دبي وتروى عنه أساطير تفزع الصبيان ليلاً)».

وذكر حنظل في معجمه أيضاً اعتقاد أهل بغداد بالطنطل: «وعند أهل بغداد كان العوام يزعمون أن (الطنطل) يظهر ليلاً بصفة إنسان هائل الحجم، عظيم الطول، عاري البدن، يقف في الأزقة وقد فتح رجليه فتدلت خصيتاه بحيث تمس رؤوس المارة، ولم يعرف عنه انه يفترس الناس، بل كان يخيفهم فقط، ويضحك عليهم إذا رعبوا من رؤيته».

أما عن زعم أهل الكويت في الطنطل فقد روى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» عن خرافات أهل الكويت ومنها «الطنطل»: «ومنها (الطنطل)، وهو يوصف بطول الجسم طويل الخصا بحيث إذا مشى يسمع لها صوت، وهو يتمثل للسارين في الليل ويلعب عليهم ولكن الحيلة في دفعه أن يكون مع الساري مسلة، فاذا رآه صاح (هات المسله). فهو يهرب منها خوفاً على خصيتيه من غرز المسلة فيهما» (القناعي 1988، ص 77).

وشبيه بذلك وصف الطنطل في البحرين، وتطلق لفظة الطنطل في البحرين كصفه للشخص الطويل، ويقال أيضاً: واحد إنطِل أي شخص طويل، وتستخدم أيضاً لوصف الشخص الذي أرسل لجلب حاجة أو شخص لكنه رجع خاوي اليدين أو وحيداً فيقال: جَيْه يطنطل أي جاء خاوي اليدين أو وحيداً.

الطنطل في اللغة

لا نعلم بالتحديد أصل كلمة طنطل لكنها تتشابه مع اسم المخلوق الأسطوري اليوناني Tantalus الذي اعتبر من المخلوقات التي ترهبها الناس والذي دخل المجاز اللغوي أيضاً وتحول إلى كلمة تستخدم في اللغة الإنجليزية. كذلك يمكن رد كلمة الطنطل للعربية فقد يكون أصلها الطمل أو الطملول وهو الشخص اللئيم والعاري من الثياب وهذا وصف قريب من وصف العامة للطنطل، جاء في معجم تاج العروس مادة «طمل»: «الطِمْلُ، بِالْكَسْرِ: الرَّجُلُ الْفاحِشُ، الذي لا يُبَالِي ما صَنَعَ ... وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: الطِّمْلُ ... اللَّئيمُ، لا يُبالِي ما صَنَعَ. وأيضاً: الأَحْمَقُ. وأيضاً: اللِّصُّ ... أو هو: الْعَارِي مِنَ الثِّيَابِ، وأَكُثَرُ ما يُوصَفُ بهِ الْقَانِصُ، نَقَلَهُنَّ ابنُ دُرَيْدٍ، ما عَدَا الطِّمْلاَل ... والطُّمْلُولُ، كَزُنْبُورٍ، وفي بعضِ النُّسَخِ: كزُبَيْرٍ، غَلَطٌ: الرَّجُلُ الْعَارِي مِنَ الثِّيابِ».

رمزية الطنطل

بالإضافة إلى أن «الطنطل» كائن أسطوري فقد تحول الطنطل إلى نوع من الرمز الذي يرمز لأي مصدر خطر يتوهم الفرد أنه يهدده، وقد يكون هناك خطر حقيقي أو مجرد وهم أو أن مصدر الخطر هذا حقيقي لكنه لا يمثل خطراً حقيقياً، وفي الغالب فإن الجماعات الشعبية تستخدمه كرمز لمصدر خطر وهمي، وقد استخدمت هذه الرمزية في الشعر كقصيدة «الطنطل» للشاعر حكمت الناهي التي يقول فيها:

يا زارع الخوف فينا ألا تخجل

يا ملجم الآراء والأحرار تكبل

ملنا الصمت وأعيانا الطنطل

هذه الرمزية ليست حصراً على «الطنطل» فقط فقد تستخدم رمزية السلعوة أو السعلوة أو الغول أو أي كائن أسطوري آخر. وقد أصبحت رمزية الطنطل نادرة الاستخدام عند الجماعات الشعبية في البحرين لكنها اقتصرت على تشبيه شخص بالطنطل، فيقال فلان طنطل أي أحمق أو «أهبل» أو شخص نكرة وهذا قريب من رمزية الطنطل الرائجة في العراق والمستخدمة في المثل الشعبي «احْدَيدَة الطنطل».

احْدَيدَة الطنطل

احْدَيدَة وتكتب أحياناً حْدَيدَة وهي تصغير لكلمة حديدة والتي تعني قطعة من الحديد، وقد أعتادت الجماعات الشعبية في الخليج العربي استخدام قطعة صغيرة من الحديد أو سكين أو منجل لتضعه أسفل الوسادة عند النوم وذلك كنوع من الحماية ضد الجن أو التابعة أو الجاثوم، وكذلك تستخدم الطريقة ذاتها للحماية من الطنطل. والجماعة الشعبية تستخدم المثل «احْدَيدَة الطنطل» كنوع من السخرية فهي تشبه شيء ما أو شخص ما أنه احديدة الطنطل أي أن هذا الشيء أو الشخص (التافه) تتوهم جماعة ما أن بمقدوره أن يمنع خطراً قادماً من مصدر أسطوري (لا وجود له في الواقع). والمفارقة هنا أن الجماعة الشعبية التي تمارس طقس وضع سكين تحت الوسادة كنوع من الحماية هي الجماعة ذاتها التي صاغت مثالاً يسخر من هذا الطقس. ويبدو أن رمزية «احديدة الطنطل» تشير إلى ثقافة تتبعها العديد من الجماعات الشعبية في العديد من الثقافات وهي ثقافة تتضمّن تقديس شيءأو شخص لا ينفع ولا يضر معتقدة أن هذا الشيء أو الشخص هو ما يمنع عنها الخطر الأسطوري الذي يهددها.

العدد 3477 - الأربعاء 14 مارس 2012م الموافق 21 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً