عمل شكيب خوري الأخير «الحفرة وقصص أخرى» يشير من جديد إلى قدرة الكاتب الفنية على القص المتنوع في مجالات عديدة من الحياة منها النفسي ومنها الواقعي العملي. والواقع أن هذا الكتاب قد يوصف بأنه يضم قصصاً متعددة ولكن يصح فيه القول - وخاصة في العمل الأساسي الذي حمل عنوان «الحفرة» - إنه يضم رواية واحدة على الأقل هي قصة «الحفرة» إذا استثنينا غيرها مثل قصة «ورد» مثلاً. أما الحفرة فقد جاءت في أكثر من 110 صفحات من أصل صفحات الكتاب متوسطة القطع التي بلغت 282 صفحة.
وقد صدر عمل خوري عن دار بيسان للنشر والتوزيع والاعلام في بيروت. وشكيب خوري أستاذ جامعي ومخرج مسرحي وممثل وكاتب رواية ومسرحية وله ما لا يقل عن مجموعتين شعريتين.
في العمل الأساس أي «الحفرة» يظهر الكاتب قدرة فنية على تناول أكثر من مجال واحد من مجالات الحياة.. فهو ذو عين فاحصة تلفتها تفاصيل ما يجري من يوميات الحياة. وهو في الوقت نفسه قادر على الإبحار في عالم النفس البشرية لتقديم صورة إنسان على قدر كبير من السادية ومن الانكفاء الذي فرض عليه وجعله يسعى إلى استعادة دوره في الحياة لكن بطريقة غير سوية نفسياً وعملياً.
يهدي المؤلف قصته هذه إلى «هؤلاء الذين سجلوا على أوراق نقدية ما حركت فيهم اللحظة أو المغامرة من مشاعر حب وحنين وانتقاد ساخر. رسائل انتقلت إليّ صدفة فأثارت ذاتي الروائية وولدت (الحفرة)».
يتصور الكاتب عالم شرطي تحريّ أحيل إلى التقاعد وهو مليء بشعور المرارة وبالشك الدائم وبتصور أنه حتى بعد التقاعد يستطيع كشف المؤامرات التي تحوكها عصابات الجريمة والمخدرات. وينشر شكيب خوري صور أوراق نقدية لبنانية كتبت عليها كلمات منها ما بدا تهديداً ومنها ما كان يوحي بأسرار ومنها كلام حب وغير ذلك.
الشرطي المتقاعد وجد في هذا الكتابات أعمال عصابات وأسراراً وتهديداً بأعمال آتية فقرر ملاحقة المجرمين. الشرطي المحال على التقاعد يحتفظ في منزله بفتاة كأنها أسيرته أو أمَة لديه. كانت الفتاة «عطر» إحدى بنات الهوى عندما قبض عليها «ب» وخيّرها بين السجن أو العمل لديه في منزله.
كان الرجل متزوجاً قبل ذلك لكن زوجته توفيت. يقول الكاتب مستهلاً القصة: «أصبح لديك أيها القارىء بكل أمانة مخطوطة «الحفرة» كما وصلتني من دون أن أضيف إليها حرفاً... اعترفت عطر بأنها اختلست اليوميات التي سجلها سجانها «ب» وكشفت عن الوجه الآخر لها الناقص والمكمّل الذي تجاهله كي تستنتج بنفسك أيها القارىء الحقيقة وتعدل». وبدا من كلامها أن الشرطي السابق إنما كان يصور نفسه بغير ما هي ويرسم لنفسه أدواراً وبطولات في الماضي لكنه بعيد عن الطيبة وكثير من بطولاته مخترعة.
المخطوطة تسجل ما يحلو له أن ينسبه إلى نفسه وها هي عطر تفضح كذبه وتظهر قسوته وساديته. كان يعذبها ويكوي أصابع قدميها بالجمر ويقفل عليها باب البيت من الخارج إذا خرج ومن الداخل حيث يكون في المنزل. وللتغلب على الوحدة ومجاراة العصابات في تطورها اشترى «ب» جهاز كمبيوتر مستعملاً واضطر إلى أن يطلب المساعدة من الجيل الجديد أي من ربيع ابن جيرانه الماهر في العمل على الكمبيوتر.
وتنشأ علاقة سرية بين ربيع وبين عطر التي كانت تدخله إلى مخدعها ليبقى إلى الصباح وتصفق الباب بقوة ليبدو أن ربيعاً غادر البيت وذلك قبل أن يأتي ب ويقفل الباب. ويتآمر الاثنان عليه؛ اذ كان ربيع يرسل له رسائل تثير الشك وتوحي له بتعاون مع هؤلاء الذين يبدون رجال عصابات وشر. ويحلم هو باستدراجهم للقبض عليهم إلى أن يستدرجه الاثنان إلى مكان حيث يذيقانه «علقة دموية قوية».
يقول ربيع «بثت عطر الثقة فيّ وكنت مراهقاً. بذرت ببساطة أفكارها في لاوعيي: فلسفة اللااستسلام وقبول الواحد للآخر على رغم الشوائب. ارشدتني إلى القوى التي تخلق التناغم الجسدي والروحي وتميز بين الغريزي والحقيقي وتوحدهما في المكان الذي وجدا فيه صدفة».
ويتدخل الكاتب ليقول: «تدخلت «الصدفة الخلاصية» (التعبير لعطر) لتوحد إرادة جيلين على رغم التمايز بينهما في هدف واحد: الخلاص من سادية «شرطي» يعهر بجسده ووساوسه وسطوته الانسان الطيب والعاجز وينتزع منه الخلايا الخيرة ويعبر على أشلائه إلى وحدانيته المظلمة».
تقول عطر: «يوم سرقت يوميات سجاني اعتقدت أنني سأجد البراهين التي ستمكنني من إدانته. خذلتني اليوميات لأنها أوحت - بأسلوب ماكر - عن شخصية أخرى (رمادية تقف بين رصيفي الأبيض والأسوَد) وهو في الحقيقة شيطان يتعاطف مع القطط فقط ولا أعرف السبب.
سأضيف إلى هذه اليوميات الجانب الواقعي من حياته الذي أهمله أو تجاهل ذكره عن قصد كما يفعل الجاني الساذج عند إخفاء معالم جريمته. «كان موظفاً عادياً وثقافته شبه معدومة... حقق انتصارات صغيرة. تحرى أثناء الوظيفة وقبض على لصوص ومهربين هواة. وتفوق على زملائه في القسوة. عندما راهن على ما تقدمه الانترنت من معلومات مجانية استعاد نشاطه كمتحر وتصالح إلى حد ما مع واقعه.. ولكن...».
العدد 3481 - الأحد 18 مارس 2012م الموافق 25 ربيع الثاني 1433هـ