نادراً ما كان للتكنولوجيات الجديدة مثل هذا التأثير على نماذج الأعمال في قطاعات عديدة وعلى الوظائف المؤسسية كما كان لظهور الوسائط الرقمية في حياتنا. ووفقاً لـ «سي تي بارتنرز (AMEX: CTP)، الشركة العاملة في مجال البحث عن الموظفين التنفيذيين وتوظيفهم، فإن الشركات الآن تعمل على إعادة صوغ سياساتها واستراتيجياتها في مجال الأعمال لكي تستفيد من الفرص الرقمية في مجال المبيعات والتسويق والتسعير والعلامة التجارية وخدمة الزبائن وإدارة الأزمات ومجالات أخرى كثيرة.
وهذا الأمر صحيح بالنسبة إلى قطاعات عديدة تتراوح ما بين الخدمات المالية والتجزئة وبالنسبة إلى الشركات التي تصنع منتجات تبدأ من الشامبو وحتى سيارات السباق وأي شيء آخر فيما بينهما. وغني عن القول، إن الشركات الرقمية ذاتها تعيد صوغ نماذج أعمالها باستمرار بحيث تطور خدمات جديدة لكي تلبي الشهية النهمة غير المتناهية لدى المستهلكين على المنتجات والخدمات الرقمية.
ويؤكد الفيض الهائل من الأدلة الواضحة بالأرقام التغلغل السريع للوسائط الرقمية في عالمنا. ففي مجال الوسائط الاجتماعية، جمعت خدمة «تويتر» نحو 6.5 ملايين حساب مسجل بينما هناك أكثر من 18 مليون مستخدم لموقع «فيس بوك». وفي العام 2011، كان لدى الإمارات العربية المتحدة أكثر من 11 مليون مشترك في خدمة الهاتف الجوال؛ الأمر الذي رفع معدّل تغلغل هذه الخدمة في البلاد إلى ما يقرب من 200 في المئة؛ أي أحد أعلى المعدّلات في العالم. ومع ارتفاع معدّلات استخدام الهواتف الجوالة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة في المنطقة، فإن نحو 40 في المئة تقريباً من مستخدمي الهواتف الجوالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا) ينفذون إلى شبكة الإنترنت عبر الهواتف الجوالة. كما أن نسبة انتشار الإنترنت في المنطقة العربية أعلى بقليل من المعدل العالمي؛ إذ بلغت 31.7 في المئة في ديسمبر/كانون الأول 2011 مقارنة بمعدل عالمي قدره 30.2 في المئة.
التجارة الإلكترونية
في حين أن التجارة الإلكترونية قد لا تكون قد انتشرت بمعدل الانتشار نفسه في الولايات المتحدة الأميركية والتي وصلت إلى نمو سنوي قدره 10 في المئة؛ إلا أنها شهدت تحركاً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط في السنتين الماضيتين. فبحسب الإحصاءات الواردة على «ديسكفر ديجيتال أريبيا»، فإن 4 من بين كل 10 من مستخدمي الإنترنت في منطقة الخليج استخدموا التجارة الإلكترونية خلال العام 2010. ويظهر استطلاع أجرته «ماستركارد» أن تجارة الإنترنت في دولة الإمارات العربية المتحدة زادت بنسبة 42 في المئة اعتباراً من 2010. ويقول موقع «ديسكفر ديجيتال أريبيا» أن بائعي التجزئة في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط باعوا سلعاً وخدمات على الإنترنت بقيمة 90 مليار دولار أميركي في العام 2010؛ أي أكثر بـ 37 في المئة عن العام السابق. كما يشير الموقع إلى أن 32 في المئة من مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشترون منتجات وخدمات على الإنترنت.
وإدراكاً منها للمتطلبات والفرص التي تنشأ عن رياح التغيير هذه غير العادية، فقد بدأت الشركات في المنطقة وحول العالم بتوظيف مديرين كبار في المجال الرقمي ومديرين للوسائط المجتمعية وآخرين للتعاون مع فريق كبار الإداريين من أجل تطوير استراتيجيات أعمال جديدة للتعامل مع الثورة الرقمية والاستفادة منها على أكمل وجه.
ويقول تقرير «ديجيتال ترند توك» الصادر عن «سي تي بارتنرز»: «إن المهنيين الذين يمتلكون فراسة قوية في مجال الأعمال وخبرات استراتيجية وفهم عميق لقدرات الوسائط الرقمية يشهدون الآن طلباً قوياً على مهاراتهم.»
إعادة صوغ نماذج الأعمال
يوضح التقرير «في الحالات التي يمكن للوسائط الرقمية أن تغيّر الركيزة الأساسية لنموذج أعمال الشركة، يكون من المطلوب توفر المهارات والخبرات الرقمية في مجلس الإدارة وفي الفريق القيادي وفي الشركة عموماً». واستخدام الوسائط الرقمية يجب أن يكون متعدد التوجهات بحيث تقوم الفرق المعنية بالوسائط الرقمية المتاحة على الهواتف الجوالة والوسائط الرقمية المرتكزة على الإنترنت بالدفع باتجاه المعاملات الإلكترونية. ومن بين الفوائد التي تتأتى للشركات كنتيجة لذلك: الزبائن الذين يرتبطون بالشركة عبر علاقات متعددة القنوات غالباً ما يكونون أفضل الزبائن.
أبعد من نقاط البيع
إن الوسائط الرقمية تتيح أيضاً إحدى أقوى الأدوات لتنمية العلامات التجارية. واستخدام الوسائط الرقمية، الذي يعتبر مجالاً جديداً بالنسبة لمعظم الشركات، هو في الوقت الحاضر في أوجه في السوق الأميركية. وقد وصل معدل الإنفاق على الإعلانات الإلكترونية على الإنترنت في السوق الأميركية إلى 8.88 مليارات دولار أميركي بحسب eMarketer. كما أنه وفقاً لبعض التكهنات، فإن سوق الإعلان على الإنترنت ستنمو 13 في المئة خلال العام 2011 لتشكل بذلك أعلى نمو في معدل الإنفاق على الإعلانات في الولايات في الولايات المتحدة الأميركية من حيث نوع الوسائط. ومع ذلك، فإن سوق الإعلان على الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط مازالت في بداياتها ولكنها تقدر بـ 150 مليون دولار أميركي في الوقت الراهن؛ إذ إن 1 من بين كل 9 دولارات تنفق على الإعلانات يتم إنفاقها على الإنترنت. وهذه الحصة البالغة 12 في المئة من معدل الإنفاق على الإعلانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر رقماً قياسياً جديداً بالنسبة إلى الإعلان على الإنترنت في البلدان العربية، وذلك وفقاً للتقرير الصادر عن فريق بحوث» نقودي دوت كوم» Nuqudy.com لعام 2011.
ويستشهد باحثو «نقودي» ببيانات من مؤسسة «نيلسن» بشأن إجمالي سوق الإعلان في العام 2010 والتي تشير إلى أن نسبة النمو من عام إلى آخر بلغ 26 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ أي أعلى معدل على مستوى العالم. وفي المقابل، سجلت أميركا الشمالية نمواً بنسبة 26 في المئة وأوروبا 8.1 في المئة وأميركا اللاتينية 21.2 في المئة.
المواهب التي تشهد طلباً
لأن الشركات في مختلف المجالات الاستهلاكية تعمل على جذب وتوظيف الخبرات التسويقية حتى تطور وتطبق استراتيجيات تساعدها على الاستفادة من إمكانيات الوسائط الرقمية، أصبحت الخبرات والمعرفة الرقمية من المهارات التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة إلى أي مدير تسويقي أو قائد تسويقي.
كما أن كبار المديرين المتخصصون في المجال الرقمي باتوا يشهدون طلباً قوياً في مجموعة عريضة من القطاعات والمناطق. وهؤلاء المديرون التنفيذيون غالباً ما يأتون من خلفية تسويقية أو كانوا يعملون في إدارة المنتجات والتي تطورت بعد ذلك إلى منصب للإدارة العامة.
وبالطبع في القطاع الرقمي السريع النمو حول العالم، قد تكون المواهب المرغوبة شابة نسبياً وباهظة الكلفة. فبالنظر إلى الطلب المتعاظم على منتجات وخدمات الوسائط الرقمية من المستهلكين حول العالم، يبدو من المؤكد أن الطلب على كبار المديرين التنفيذيين الضالعين في المجال الرقمي سيرتفع هو أيضاً في السنوات المقبلة.
نموذج السوق الناشئة
إن النقص في المواهب في الأسواق الناشئة ليس بالأمر الجديد. ولكن عندما تبحث الشركات عن مجموعة من المهارات الجديدة في السوق الناشئة، يزداد الطلب على المواهب بقدر كبير. وتقود الشركات الرقمية الركب في البحث عن المواهب في المنطقة تتبعها في ذلك الشركات الاستهلاكية التقليدية.
العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ