هل لنا أن نقرأ هذه الفقرة بتمعن: «... لا أحد يزايد على عروبة البحرين فهي عروبية الأصل وبحرينية الولاء وهذا واقع حقيقي يتمثل في الوحدة الحقيقية، ومن يريد أن يستخدم هذه القضية بشكل طائفي لضرب الوحدة الوطنية لأهداف سياسية أو انتخابية، فهذا لعب بالنار فالمحرق نسيج اجتماعي متجانس ومتداخل بين أطيافه، وتقسيم المناطق على أسس طائفية وعرقية أمر مرفوض، والغريب في الأمر أن من يثير هذه الأمور يتزعم الحركة السياسية في البحرين، لذلك أنا بصفتي نائباً عن هذا الشعب وعن كل من يحمل الجنسية البحرينية من دون تمييز أقول: فلنحافظ على نسيجنا الوطني وألا نستعدي أية دولة خصوصاً إيران، فجلالة الملك ووزير الخارجية والدبلوماسية البحرينية، يعملان من أجل تحسين العلاقات بين إيران لخلق علاقة احترام متبادل بين الدول». (من تصريح للنائب فريد غازي في صحيفة «الوسط» يوم أمس الخميس 7 سبتمبر/ أيلول).
السؤال الأول... الأكبر!
لعل السؤال الأكبر الذي يفرض نفسه في الساحة المحلية، متعلقاً بما أثير من وجود مخطط إيراني لـ «احتلال مدينة المحرق الزاهرة» هو :«هل بلغ الأمر بأصحاب تلك الفكرة والمروجين لها من عقاريين وصحافيين وكتاب وناشطين متخفين وآخرين ظاهرين إلى حد استغفال الحكومة، كنظام، والشعب كأمة بموضوع مهترئ المضمون من كل النواحي؟ وهل نحن كدولة، نهتز اهتزازاً بسبب خبر كاذب أو نوايا كاذبة وكأن كل ما حققناه على مدى السنوات الماضية من البناء والنهضة والمراكز الأولى في التنمية البشرية وإكمال مؤسسات المجتمع المدني وتطوير التشريعات والقوانين و... الأهم من ذلك، تدشين تجربة ديموقراطية رائدة شقت طريقها على خريطة العالم؟»... كل ذلك مضاف إلى: نظام أمني متطور وخبرات بحرينية ذات كفاءة تسهر على أمن البلاد وتراقب باقتدار كل المتغيرات حولنا... نظام ليس في حاجة إلى يحصل على معلوماته من أخبار صحافية تفتقد العناصر الرئيسية علمياً ومنطقياً!
بشكل مباغت... مخطط مزعوم
بشكل مباغت، صعد موضوع المخطط الإيراني المزعوم و... المأثوم لتملك مساحات من أراضي المحرق لأهداف مغيبة، ولأنه موضوع مباغت وصادم للأفكار والمعطيات والمؤشرات، جاء ليضيف موضوعاً جدلياً آخر إلى الساحة المحلية التي لم تنته بعد من الجدل القائم بشأن قضية «التجنيس»، وكأن «البحرين» ميدان سجال بين فريقين متناحرين! لكن في الأفق إشارات مريحة... فقد جاء قرار وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بتشكيل لجنة برئاسة محافظ المحرق سلمان بن عيسى بن هندي وعضوية بعض المسئولين المعنيين في وزارة الداخلية لتقصي الحقائق بشأن عمليات البيع والشراء لعقارات بالمناطق القديمة بالمحرق ليؤكد مجدداً أن هذا الوزير، يقرأ القضايا بمنظور العقل والمنطق ويتحرك طبقاً لما تتطلبه الظروف وترسمه القوانين، فكما كان للوزير خطوة موفقة بالالتقاء بالنواب للتباحث بشأن موضوع التجنيس على طاولة حوار يوم الجمعة الأول من سبتمبر الجاري وعرض جميع الأمور أمام الصحافة يوم السبت الثاني من سبتمبر، صدر القرار ليعيد الأمور إلى نصابها وكأن الرسالة: ليس بالتهويش تعالج قضايا تمس أمننا القومي وسلامة بلادنا، وليس بالصحافة الصفراء والبيانات المؤججة للأوضاع تظهر الروح الوطنية ويظهر الولاء!
في هذا التحقيق، سنحاول إلقاء الضوء على ما سماه البعض «صمت الحكومة» وعدم توضيحها للأمر برمته، لكن هذا الكلام انتفى مع صدور قرار وزير الداخلية الذي يعتبر من القرارات التي تدخل تحت إطار المعالجات الموضوعية للقضايا الحساسة وهو أمر واضح ومفهوم... لكن الأمر غير الواضح هو: تلك النوايا الكاذبة التي تتصدر الأجندة الموبوءة.
الخطاب المثير المبني على «سراب»
ويجمع الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين ورموز وطنية حكومية ومعارضة، على أن البحرين اليوم، مهما تنوعت فيها الملفات ومهما بلغ الخلاف في بعض القضايا بين الحكومة والمعارضة، إلا أنها محفوظة ومصانة من أية فكرة للنيل من أمنها واستقرارها إذ يجد الأفراد أنفسهم اليوم كالحرس المناط اليهم مسئولية حماية البلاد، لكن حين أثيرت قضية استملاك أراضي المحرق بشكل يوحي أو يكشف المؤامرة، تبينت هشاشة المروجين الذي كانوا يستخدمون عبارات مسبوقة بألفاظ مثل: «إذا صحت... إذا تأكدت المعلومات... إذا كان ما نشر صحيحاً... إذا افترضنا صحة ما يشاع»، وكلها ألفاظ تبنى على شرط وقوع صحة المعلومة... ولم نجد أحداً تحدث قائلاً لدي وثائق وبراهين وأدلة تدين تدخل إيران دعماً لجمعيات موالية لها في مؤامرة شراء الأراضي بمدينة المحرق، وإذا كان القول كذلك، فإنهم الناشطون يستخدمون الأسلوب ذاته: «إذا ثبت تورط أولئك بالأدلة والقوانين، فإن العدالة يجب أن تأخذ مجراها».
الموضوع فوق حجمه
ويتحدث بعض المتابعين للقضية من المحامين والعقاريين فيقول الوسيط العقاري عبدالرحمن الحدي: «الموضوع فوق حجمه، ويمكن أن أشرح لك الوضع بوجود مخطط قسائم جاهزة للبيع، ووجود مجموعة من الراغبين في الشراء وأموالهم في جيوبهم.. تم عرض القسيمة فهب أولئك المشترون ومنهم مثلاً أفراد من عائلة واحدة أو من حي واحد واشتروا جميعاً من تلك القسائم لأن سعرها مغر، فهل سنقول إن العائلة الفلانية أو الحي الفلاني يريد احتلال المنطقة! ثم يا أخي هناك قوانين في البلاد، وحينما تحدث سمو رئيس الوزراء عن إيقاف بيع الأراضي في المحرق، فقد كان ذلك ضمن تصور لإعادة التخطيط الحضري والحفاظ على المدينة من الناحية العمرانية والديموغرافية أيضاً، وأعتقد أن هذه القضية أثيرت من جانب البعض الذي يريد تحقيق مكاسب انتخابية أو شيء من هذا القبيل، لكن المؤسف بالنسبة إليّ شخصياً هو أن هناك من يسخر منها كشعب... هناك صحافيون وكتاب وخطباء وعلماء دين... يريدون فعلاً تسفيه أفكار المواطن، وهناك شريحة من المواطنين البسطاء الذين يمكنهم تصديق أي شيء لطالما (المثقف) أصبح يصدق من دون تفكير».
ما حقيقة الأمر؟
وفي حديث الحدي إشارة إلى تصريح صحافي لمحافظ المحرق سلمان عيسى بن هندي باعتباره رئيس لجنة التجديد الحضري لمدينة المحرق القديمة الذي أكد أن قرار وقف عمليات البيع والشراء في عقارات مناطق المحرق القديمة جاء تماشياً مع عدم انتهاء لجنة التجديد الحضري من دراسة جميع الجوانب المتعلقة بالتطوير المعماري والتخطيط الملائم في تلك المناطق التراثية.
ومن باب المسئولية والأمانة، فإن كل من المحافظ وعضو مجلس بلدي المحرق ممثل الدائرة الرابعة إبراهيم الدوي قدماً للرأي العام حقيقة الوضع بلا لبس ولا تلوين ولا نفخ في نار التخوين والتخويف التي تتغذى على الطائفية والتضخيم، وتلقى الكثير من أهالي المحرق خصوصاً والبحرين عموماً تلك التصريحات بعقل واع.
وبحسب المحافظ، تمت مخاطبة جهاز المساحة والتسجيل العقاري لوقف التداول العقاري تنفيذاً لتوجيهات سمو رئيس الوزراء خلال زيارة سموه الأخيرة للمحافظة، وذلك في إطار اهتمام الدولة بالحفاظ على الأماكن التراثية والفرجان القديمة بهدف تحويلها إلى مواقع ومراكز تراثية وثقافية متميزة، وتأكيداً للتواصل مع ماضي البلد العريق، وهو الأمر الذي يتعارض مع السماح في الوقت الحالي بإجراء عمليات شراء تسعى إلى هدم الكثير من المناطق التاريخية والبناء على أنقاضها من دون مراعاة لما تمثله من قيمة حضارية وإنسانية لا تقدر بثمن، وأن مشروع التجديد الحضري يتضمن الكثير من التوصيات المهمة من خلال مد جسور التعاون بين الوزارات والجهات المعنية من أجل معالجة جميع المشكلات والصعوبات التي تواجه عمليات التطوير والتجديد في هذا الشأن.
بحريني من أصل ايراني!
ويشارك في الحديث قريب له فضل عدم ذكر اسمه مكتفياً بالإشارة إلى كنيته «بوناصر»، بالقول: «قرأت في الصحف عن الموضوع، وللأسف الشديد نريد من الصحافة ألا تسبب البلبلة بين الناس... فكيف تتحول قضية مخطط لاستملاك أراضي لنوايا سيئة وأغراض مقلقة إلى قضية البحث عن المخالفين للإقامة! مخالفات الإقامة مستمرة منذ عشرات السنين في البلد، لكن يقولون لنا إن هناك مخططاً وتضطرب البلد ثم يتحول الحل إلى البحث عن مخالفي الإقامة... هذا الأمر مضحك يا صحافة وطنية»!
ثم، والحديث لـ «بو ناصر»، تعالوا إلى ما يمكن اعتباره مسيئاً للمجتمع البحريني... وهو ما جاء على لسان أحد الخطباء من مدينة المحرق استخدم مصطلح السكان الإصليين... وبالنسبة إليّ، وأنا أقول صراحة إنني من أصول إيرانية ولا أقارن أبداً بين البحرين وإيران من ناحية ولائي لبلادي ولآل خليفة، وإن إيران ليست سوى جارة مسلمة، أقول إن مثل هذا الكلام لن يكون في صالح البلد إطلاقاً ولابد من الوجهاء الذين لم يمسهم تلوث الطائفية من الفريقين أن يتحركوا في الوجهة الصحيحة».
«العجم» يعبّرون عن الاستياء
وعلى حال «بو ناصر»، يبدو الاستياء بادياً على وجوه البحرينيين «المحرقاويين» من الأصول الإيرانية الذين أبدوا تذمراً كبيرا، فمع أن حادثة مقتل مهدي عبدالرحمن رمضان فجر يوم الأحد 20 أغسطس/ آب الماضي جعلتهم يشعرون بالكثير من الاعتزاز والفخر للانتماء إلى البحرين من خلال متابعة القيادة وكبار المسئولين وجميع شرائح الشعب البحريني وتضامنهم مع أهل القتيل وحضور مجلس العزاء، وكذلك الكتابات والبرقيات التي وردت إلى عائلة القتيل، كلها تزيل أي شعور بالفارق «التاريخي» الذي يلون أصل المواطن، حتى مع ظهور تحول في موضوع التجنيس، لكن كل ذلك يهون أمام قضية المخطط الإيراني في المحرق لأنهم سيكونون متهمين حتماً... فهم إيرانيو الأصل لكنهم بحرينيو الجنسية، ومثل هذه الاتهامات تستوجب من المدعي إبراز البينة مشفوعة بالأدلة والقرائن.
ويتحدى بعضهم المدعين والمروجين بالقول: «تقولون إذا ثبت تورط بعض المواطنين من أصول إيرانية في المخطط فيجب أن يعاقبوا! فحسب تصريح أحدهم في صحيفة محلية أمس قال: (خصوصا إذا كانت لهم أيادٍ في المعلومات التي نشرتها تلك الصحيفة وضلوعهم في المخطط الإيراني لتغيير التركيبة السكانية الديموغرافية في المملكة ومحافظاتها)... نحن نتحداهم ونتحدى الصحيفة أن يثبتوا قولهم وعلى من يتضح تورطه فإن في بلادنا قانوناً ونظاماً، ولسنا نكترث لمثل هذه الافتراءات، ولسنا في حاجة إلى أولئك لكي نثبت لهم حبنا لآل خليفة الكرام».
وفي هذا الصدد، يجمع قانونيون على أن من حق المواطنين، أياً كانت أصولهم، شراء الأراضي والعقارات، وإذا كان هناك مخطط مثير للقلق ومضر بالأمن الوطني، فإن أجهزة الدولة قادرة على كشف مثل هذه القضايا الخطرة وثقة المواطنين في أجهزة الأمن، وعلى رأسها وزارة الداخلية ووزيرها المحنك، كبيرة.
دولة قرارات... لا دولة فقاعات!
وحفاظاً على الأمن الداخلي، فإن الكثير من الرموز تتمنى أن تحفظ الساحة المحلية من الفقاعات والبالونات والإشاعات المغرضة التي تنتشر بسرعة مع شديد الأسف في المجتمع البحريني وتتضخم إلى أن تصبح قضية كبير جداً من لا شيء وهو أمر مقلق في المجتمع المثقف! فالدولة دولة قرارات لا دولة فقاعات تتسبب فيها صحيفة هنا أو شخص مستنفع هناك، وفي هذا الصدد، من المهم الإشارة إلى تصريح النائب فريد الغازي في صحيفة «الوسط» أمس (الخميس) وهو تصريح مهم ألمح فيه إلى أن القضية لا تعدو كونها قراراً صادراً عن سمو رئيس الوزراء منذ أشهر طويلة بمنع البيع والشراء في بعض مناطق المحرق القديمة، من أجل التنظيم الحضري والحفاظ على البيوت الأثرية والفرجان التي هدمت من دون مبرر، وأنشئت بنايات بين زقاق ضيقة بدلاً عنها ما شكل ضغطاً على الخدمات في تلك المناطق، معتقداً أن القرار المذكور لم يكن له أي طابع طائفي وهو ما أكده المسئولون في المنطقة.
وبشأن وجود تحركات إيرانية من خلال أطراف ذات أصول إيرانية لشراء عقارات، فإن الأمر لا يعدو سوى حديث يفتقر إلى البرهان ويجب أن تقدم الأدلة والبراهين على هذا الكلام، ومن لديه في نفسه شيء بشأن من لهم أصول إيرانية فليتحدث بصراحة ولينتقد من منحهم الجنسية وليس أن يطالب بحرمانهم من التمتع بها، فهذا شرف منحه جلالة الملك لهؤلاء وهم أبناء البحرين المخلصون الذين خدموا المملكة في جميع المجالات، والشبهة التي أثيرت في الصحافة تخرب النسيج الاجتماعي المتعارف عليه، وأنا شخصياً أستغرب استعداء البحرينيين ذوي الأصول الإيرانية فيما إذا تملكوا في تلك المناطق، فمن يملك عقاراً بأسماء آخرين وعندما أصبح بحرينياً سجل هذا المُلك باسمه، فهل يعتبر عميلاً لأنه حصل على ملك يأويه؟ ثم ان ذوي الأصول الإيرانية وهم بحرينيون إذا سكنوا في مناطق معينة، هل يجوز أن نطلق عليهم اتهاماً بالعمالة لصالح دولة أجنبية؟ وهل نطلق مصطلح العمالة على كل جنسية أخرى حصلت على الجنسية البحرينية، أليس هذا لعباً بالنار؟ فلندمج المجنسين في النسيج الاجتماعي وليس عزلهم في كانتونات مغلقة تضرب الوحدة الوطنية في البحرين.
ضمن بحث تاريخي، يحدد الباحث أحمد المنيسي من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية العلاقات البحرينية الإيرانية بمراحل مرت بين الطرفين شملت الكثير من المحطات المهمة منذ حصول البحرين على استقلالها في العام 1971، فقد عارضت إيران استقلال البحرين بعد رحيل الاستعمار البريطاني وأصرت على تبعيتها لها، وانتهت هذه المشكلة بإجراء استفتاء شهير على استقلال البلاد صوتت لصالحه الغالبية الكاسحة من الشعب البحريني، بمن فيهم الشيعة، ولعل ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية في هذه التجربة الديمقراطية الرائدة التي عرفتها البحرين بعد الاستقلال.
وكانت المرحلة الأهم في تاريخ العلاقة بين البلدين بدأت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، إذ كان للثورة وبحكم علاقات الطرفين تأثيرات كبيرة على الوضع في البحرين وخصوصاً بالنظر إلى شعار تصدير الثورة الذي رفعته الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال العقد الأول من الثورة، والتي كانت البحرين أول هدف له. ومنذ هذا الحدث الضخم مرت العلاقات البحرينية الإيرانية بالكثير من العواصف.
بيد أنه مع وصول خاتمي إلى السلطة واتساع رقعة المشروع الإصلاحي في إيران بدأت العلاقة بين البلدين تشهد انفراجاً واضحاً، وذلك بعد أن تخلت إيران عن شعاراتها الخاصة بتصدير الثورة وبدأت في انتهاج سياسة فض الاشتباك مع دول الجوار، لكن التطور الأهم في هذه المرحلة الجديدة جاء مع تولى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم في مارس/ آذار العام 1999 خلفاً لوالده الراحل الشيخ عيسى بن سلمان وإطلاقه للمشروع الإصلاحي الذي كان من أهم نتائجه لجهة العلاقة مع إيران حدوث انفتاح سياسي سمح لجميع التيارات السياسية بأن يكون لها تنظيماتها الشرعية وبحق العمل العلني على الساحة السياسية.
وفي سياق هذه المرحلة الجديدة من العلاقات بين البحرين وإيران جاءت الزيارة التي قام بها عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لإيران والتي تدخل في إطار هذا الصنف من الزيارات الموصوفة بالتاريخية، وذلك استناداً إلى عدة اعتبارات، يأتي في مقدمتها أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم البحرين إلى إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية بها في العام 1979، إضافة إلى طبيعة العلاقة بين الدولتين والتوقيت الذي تمت فيه هذه الزيارة سواء فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية الحالية أو التطورات الداخلية التي يشهدها كلا البلدين.
وفي الواقع، فإن زيارة الملك حمد لإيران كانت لها أبعاد أخرى خاصة بالجانب الذي يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين بشكل صرف، إذ جاءت هذه الزيارة في سياق الأزمة التي شهدها المشروع الإصلاحي في البحرين بين الحكومة والمعارضة الشيعية خصوصاً من جانب آخر على خلفية التعديلات الدستورية ونصت على منح المجلس المعين في السلطة التشريعية صلاحيات تشريعية متساوية مع المجلس المنتخب مع مساواة عدد الأعضاء في كل منهما بواقع أربعين عضواً لكليهما، اعتبرتها القوى السياسية المؤثرة في البلاد بمثابة ردة عما جاء في الميثاق الوطني الذي تم التصويت لصالحه في فبراير/ شباط 2001 بغالبية كاسحة والذي كان ينص على أن المجلس المعين سيكون دوره استشارياً فقط، وفي سياق هذه الأزمة التي خلفتها التعديلات الدستورية قاطعت جمعيتا الوفاق والعمل الإسلامي وكلتاهما تمثلان القطاع العريض من الطائفة الشيعية فضلاً عن جمعية العمل الوطني الديمقراطي وجمعية التجمع القومي وكلتاهما تمثلان القطاع المتنفذ من القوى اليسارية الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومن هنا، فقد هدفت الزيارة إلى إبعاد تأثير العامل الإيراني عن مجريات الأمور الداخلية في البحرين، بكونها أكدت أن علاقة الحكومة البحرينية بالقوى الشيعية داخل البحرين هي شيء مختلف عن علاقة البحرين بإيران.
وفي الواقع، فإن المزيد من الإصلاحات السياسية في البحرين وأيضاً في إيران التي بدأ النظام السياسي فيها يعاني من أزمة كبيرة خلال السنوات الأخيرة يمهد لتمتين العلاقات بين المنامة وطهران، إذ إن المزيد من الإصلاحات في البحرين يمهد الطريق أمام تكريس مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع طوائف المجتمع بما يعني انصهار الشيعة في المجتمع البحريني، الأمر الذي ينفي وجود الادعاءات باضطهاد الشيعة، ويكرس في الوقت نفسه ولاء الشيعة للنظام الحاكم في البحرين. ومن ناحية أخرى، فإن تواصل عملية الإصلاح في إيران من شأنه أن يساهم فى خلق سياسة متوازنة تجاه العالم الخارجي بما فيه طبعاً البحرين
العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ