يخلص التونسي نور الدين بن مختار الخادمي إلى أن المقاصد الشرعية «هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها، سواء أكانت تلك المعاني حكما جزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين». يرى الخادمي أن المقاصد تتنوع وتختلف باختلاف الاعتبارات والحيثيات.
فباعتبار محل صدورها تنقسم إلى قسمين هما مقاصد الشارع ومقاصد المكلف. مقاصد الشارع «هي المقاصد التي قصدها الشارع بوضعه الشريعة، وهي تتمثل إجمالا في جلب المصالح ودرء المفاسد في الدارين. أما مقاصد المكلف فهي «المقاصد التي يقصدها المكلف في سائر تصرفاته، اعتقادا وقولا وعملا، والتي تفرق بين صحة الفعل وفساده، وبين ما هو تعبد وما هو معاملة، وما هو ديانة وما هو قضاء، وما هو موافق للمقاصد وما هو مخالف لها».
أما باعتبار مدى الحاجة إليها فتنقسم المقاصد الشرعية، حسب الخادمي، إلى ثلاثة أقسام:
أ- المقاصد الضرورية : وهي التي لابد منها في قيام مصالح الدارين، وهي الكليات الخمس: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والتي ثبتت بالاستقراء والتنصيص في كل أمة وملة، وفي كل زمان ومكان.
ب- المقاصد الحاجية: وهي التي يحتاج إليها للتوسعة ورفع الضيق والحرج والمشقة، ومثالها: الترخص في تناول الطيبات، والتوسع في المعاملات المشروعة على نحو السلم والمساقاة وغيرها .
ج- المقاصد التحسينية: وهي التي تليق بمحاسن العادات، ومكارم الأخلاق، والتي لا يؤدي تركها غالبا إلى الضيق والمشقة، ومثالها الطهارة وستر العورة وآداب الأكل وسننه وغير ذلك.
يقسم الخادمي المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوصها إلى ثلاثة أقسام هي:
أ- المقاصد العامة : وهي التي تلاحظ في جميع أو أغلب أبواب الشريعة ومجالاتها، بحيث لا تختص ملاحظتها في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها الكبرى .
ب- المقاصد الخاصة: وهي التي تتعلق بباب معين أو أبواب معينة من أبواب المعاملات، وقد ذكر ابن عاشور أن هذه المقاصد هي: مقاصد خاصة بالعائلة.. بالتصرفات المالية.. بالمعاملات المنعقدة على الأبدان كالعمل والعمال.. بالقضاء والشهادة.. بالتبرعات.. بالعقوبات.
ج- المقاصد الجزئية: وهي علل الأحكام وحكمها وأسرارها.
أما باعتبار القطع والظن فيقسمها إلى قسمين هما:
أ- المقاصد القطعية : وهي التي تواترت على إثباتها طائفة عظمى من الأدلة والنصوص، ومثالها: التيسير، والأمن، وحفظ الأعراض، وصيانة الأموال، وإقرار العدل ...
ب- المقاصد الظنية: وهي التي تقع دون مرتبة القطع واليقين، والتي اختلفت حيالها الأنظار والآراء، ومثالها: مقصد سد ذريعة إفساد العقل، والذي نأخذ منه تحريم القليل من الخمر، وتحريم النبيذ الذي لا يغلب إفضاؤه إلى الإسكار، فتكون تلك الدلالة ظنية خفية.. ومثالها أيضا: مصلحة تطليق الزوجة من زوجها المفقود، ومصلحة ضرب المتهم بالسرقة للاستنطاق.
وهناك المقاصد الوهمية: وهي التي يتخيل ويتوهم أنها صلاح وخير ومنفعة، إلا أنها على غير ذلك .. ولا شك أن هذا النوع مردود وباطل .
وبحسب الخادمي، فإن المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وأفرادها، تنقسم إلى قسمين هما:
أ- المقاصد الكلية: وهي التي تعود على عموم الأمة كافة أو أغلبها، ومثالها حماية القرآن والسنة من التحريف والتغيير، وحفظ النظام، وتنظيم المعاملات، وبث روح التعاون والتسامح، وتقرير القيم والأخلاق...
ب- المقاصد البعضية: وهي العائدة على بعض الأفراد، ومثالها: الانتفاع بالمبيع، والأنس بالذرية، وغير ذلك ...
أما باعتبار حظ المكلف وعدمه، فيقسم الخادمي المقاصد إلى قسمين هما:
أ- المقاصد الأصلية: وهي ليس فيها حظ ظاهر للمكلف، ومثالها: أمور التعبد والامتثال غالبا...
ب- المقاصد التابعة: وهي التي فيها حظ ظاهر للمكلف، ومثالها: الزواج والبيع...
المقاصد الشرعية و والمصالح الشرعية
أما السوري وهبة مصطفى فيرى أن هناك فرقاً بين المقاصد الشرعية والمصالح الشرعية، فالمقاصد هي «المعاني والأهداف أو الغايات الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها. فهي إذاً الغاية من الشريعة، والأسرار التي وضعها الشارع الحكيم (المشرع) عند كل حكم من الأحكام». أما المصالح فيذكر الدكتور مصطفى تعريف الغزالي لها بأنها «المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلْق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة». ويوجز الباحث الفرق بين المصلحة والمقصد في أن المصلحة تمثل «حكمة الحكم الشرعي» في حين أن المقصد هو «ما يوجد في الفعل من نفع أو ضرر».
يذكر مصطفى أنه لابد من توافر أربعة شروط لاعتبار المقاصد في توجيه التشريع «وهي أن يكون المقصد ثابتاً، ظاهراً، منضبطاً، مطرداً.ويراد بالثبوت: أن تكون تلك المعاني مجزوماً بتحقيقها أو مظنوناً ظناً قريباً من الجزم. ويراد بالظهور: الاتضاح بحيث لا يختلف الفقهاء في تشخيص المعنى المقصود منه، مثل حفظ النسب الذي هو المقصد من تشريع الزواج، فهو معنى ظاهر، لا يلتبس بشبيه له وهو العلاقات غير المشروعة. ويراد بالانضباط: أن يكون للمعنى حد معتبر لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، كحفظ العقل الذي هو المقصد من تحريم الخمر وتشريع الحد بسبب الإسكار الذي يزيل العقل. ويراد بالاطراد: ألا يكون المعنى مختلفاً باختلاف الأحوال والأزمان والأماكن، مثل وصف الإسلام، والقدرة على الإنفاق في اشتراط الكفاءة في عقد الزواج في قول جمهور الفقهاء». ويخلص «فإذا تحققت المعاني بهذه الشروط، حصل اليقين بأنها مقاصد شرعية». أما المصالح فيشترط لاعتبارها - بحسب مصطفى - «كون المصلحة حقيقية لا وهمية، بحيث يُجْلَب بها نفع، أو يدفع بها ضرر، وألا يعارض العمل بهذه المصلحة حكماً أو مبدءاً ثبت بالنص أو الإجماع، وأن تكون المصلحة عامة، بحيث تجلب النفع لأكبر عدد من الناس».
ويرى الباحث أنه إذا قورنت شروط اعتبار المصالح «بشروط اعتبار المقاصد، تبين أن حقل المقاصد أوسع وأشمل وأكثر تجرداً وإحكاماً، وأما نطاق المصالح فهو أضيق مجالاً، لأنه يقصد بها علاج مسألة توافر المصلحة في مظلة المقاصد، فهي أي المصلحة بمثابة غصن أو فرع يعيش في ظل شجرة وارفة، تعبر عن كيان الشريعة، وهي المقاصد».
وبعد عرضه للفروق بين المقاصد والمصالح يطرح مصطفى ملاحظة هامة مفادها أن «كتابات الأصوليين القديمة والمعاصرة حول المقاصد والمصالح، دمجت بينهما، حتى لتكاد تقرأ المعلومات نفسها في كل منها، مع أن هناك فروقاً بينها، وتراهم يذكرون أنواع المقاصد وأنواع المصالح وهي سواء، والمسوغ لهذا الدمج أن أنواع المقاصد المعتبرة التي هي غاية الشريعة، يصلح كل واحد منها ليكون هادياً للحكم الشرعي، فتكون المصلحة إما ضرورية وإما حاجية وإما تحسينية»
العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ