العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ

جاسم مراد: عملية «استئصال اللوز» في الهند كانت مدخلي للتجارة في الخليج وباكستان

رجل أعمال وسياسي معروف بآرائه الجريئة... (1-2)

رجل الأعمال والسياسي جاسم مراد
رجل الأعمال والسياسي جاسم مراد

هو من مواليد مدينة المحرق في العام 1930، ومدينة المحرق آنذاك كما يصف محدثنا رجل الأعمال والسياسي الليبرالي المشهور بآرائه الجريئة جاسم مراد، كانت تستخدم أسماء العوائل التي تقطنها للتعريف بها. ففريج «مراد» هو ذاته فريج «المعاودة» باعتبار أن المعاودة (قبيلة)، وكذلك الحال بالنسبة للفرجان الأخرى كالصاغة والبنائين والحياك والبنعلي وبن رشدان والشواطرة... الى آخره، والطريف أن أكثر من أحيى التسميات هم الحمالية الذين ينقلون الحاجيات من السوق الى المنازل! فيقولون: خذ الحاجيات الى بيت فلان في الفريج الفلاني وهكذا، وفي فريج «مراد» أو «المعاودة» كانت مراتع الطفولة، فقد تعلم حفظ القرآن على يد المطوع محمد درويش، وكان المطوع يحفظ القرآن لكنه لا يجيد القراءة والكتابة إنما يعلم الحفظ، ويتذكر أن من بين من كانوا معه في المطوع المفكر البحريني علي فخرو، أما المرحلة الابتدائية فكانت في مدرسة الهداية الخليفية حيث كانت تشمل مرحلة الحديقة (وهي ما قبل الابتدائي)، وبعدها تأتي مرحلة الابتدائي والإعدادي، وفي المرحلة الثانوية يذهب الطلاب الى المدرسة الشرقية بالمنامة.

ومن الأصدقاء الذين كانوا معه على مقاعد الدراسة المرحومان عبدالحسين العريض ومصطفى جعفر والصيرفي، وآخرون أطال الله عمرهم كقاسم الشيخ، وجاسم يوسف الشيخ ومحمد عبدالرزاق، وكان لديه الكثير من الأصدقاء من الحد ومن سترة ممن كانوا يدرسون الثانوية بالمدرسة الشرقية. وهنا، بسؤالنا عن قصة التدرب على الغوص، نبدأ الحوار:

باللغة الانجليزية «تروحون النار»

باعتبارك تاجراً منذ صغرك وابن (طواش)، سيطيب لنا أن نتحدث عن هذا كله، لكن لنبدأ أولاً بقصة الغوص... انت طواش فكيف تغوص؟

- في فترة الأربعينات، ومنذ صغرنا، كنا نشارك في عضوية نادي الإصلاح وفي الحركة التنويرية وكنا نهتم بأمور كثيرة تناسب تلك المرحلة، لكن ميولي كانت تجارية على اعتبار أن والدي المرحوم محمد أحمد مراد كان تاجر لؤلؤ (طواش). وبالنسبة للغوص، نعم دخلت الغوص، فكما قلت لك كان والدي تاجر لؤلؤ وتجار اللؤلؤ لا يغوصون إنما كانوا يأخذوننا كتدريب في الصغر لأن الطواش لا يمكن ان يكون طواشاً الا إذا تعلم منذ الصغر لاكتساب الخبرة، وكان بعض التجار يدخلون الغوص في الصيف وفي فصل الشتاء كانوا يتوجهون الى الهند للتجارة وبيع اللؤلؤ ويستوردون ايضاً بضائع من الهند لسوق البحرين كالأحذية والنعل والقماش والغتر.

وايضاً كان جدي رحمه الله يعمل بطريقة ما يسمى آنذاك الـ «قطاع»، وهي تجارة متقطعة تنشط في فصل الشتاء، كما تعرف فإن أهل الخليج كله من البصرة الى ايران الى الكويت الى المملكة العربية السعودية، يتنقلون بلا جوازات أو تأشيرات، وعلى تواصل مع بعضهم البعض في التجارة، ومن هذه الجولات تعلمت من والدي اللغة الإنجليزية، وفي هذه النقطة تحديداً أتذكر أن والدي رحمه الله كان يرتاد مدرسة الزياني، وكان هذا قبل العام 1919 أي قبل بدء التعليم الرسمي، وقالوا لهم لا تتعلموا اللغة الإنجليزية لأنها لغة الكفار وستذهبون الى النار، وكان والدي يملك رأس مال صغيرا وكان يريد أن يعمل ويعيش، فلهذا دخل في تجارة اللؤلؤ، ولكن بعد استقلال الهند، منعوا دخول اللؤلؤ اليها، وفي ذلك الوقت، التقى والدي بعدد من التجار الكويتيين ونصحوه بأن يعمل بطريقة عكسية، أي أن يشتري الذهب من الهند ويبيعه في البحرين، وكانت تولة الذهب آنذاك بقيمة 60 روبية.

ثروة تقدر بمليون روبية

هذه تجربة فريدة، لكن يقال ان عملية استئصال اللوز في الهند هي المدخل لاتساع افكارك التجارية؟

- في العام 1950 أنهيت المرحلة الثانوية، وكانت الحكومة ترسل المتفوقين في الدراسة الى الجامعة الأميركية في بيروت، لكنني في ذلك العام سافرت مع والدي الى الهند لإجراء عملية استئصال اللوز فلم يكن في البحرين طبيب يجري هذه العملية مع أن الدكتور سنو الذي كان مسئولاً عن الصحة العامة طبيب شاطر وتمكن من القضاء على المستنقعات والملاريا وكان يشرف على الكثير من الأعمال الصحية.

وبعد أن أجريت العملية، عدت الى البحرين وقد اشترينا بضائع متنوعة وكانت الرحلة والعلاج والبضائع كلفتنا مبلغ 800 روبية، ودخلنا مجالاً جديداً حيث عملنا مع بعض التجار الكويتيين في تجارة بيع التمور في باكستان وخصوصاً لموسم شهر رمضان المبارك حيث كان المسلمون هناك يشترون التمور بكميات كبيرة للإفطار وكانت أغلب التمور تأتي من البصرة، ثم لثلاث أو أربع سنوات عملت في مجال الصرافة، وكنت مهتماً بتطوير لغتي الإنجليزية في ذلك الوقت وخصوصاً بعد أن تحسنت الأحوال المادية، حتى أنني مع والدي كنا من أغنى الناس في تلك الفترة، فترة الخمسينات أعني، وكان لدينا ثروة تقدر بمليون روبية لكننا لم نطورها ولم نستثمرها بالشكل المطلوب، ثم عملت بين البحرين ودبي في الصرافة، وكان لدي خال صراف هو محمد احمد الباكر تعلمت منه الكثير، وكانت البحرين تعتمد في الصرافة على المملكة العربية السعودية لأن الكثير من الوافدين كانوا يعملون هناك، وكانت معظم البضائع للتجار السعوديين تصل الى فرضة المنامة ويتم نقلها اليهم فيما بعد.

منازل الجيش البريطاني

وماذا عن شركة آسيا للتجارة... الأثاث والمنازل والجيش البريطاني... قصة متشابكة؟

- في العام 1958، اشتركت مع صديقي عبدالرحمن تقي وأسسنا شركة آسيا للتجارة بمساهمة بقيمة 50 ألف روبية لكل منا، وبدأنا عملنا في تجارة الأثاث وفي تأثيث البيوت وتأجيرها، وكنا نؤجرها على الجيش البريطاني، ففي ذلك الوقت لم يعرف أهل البحرين البناء بالطوابق، وكان الجيش البريطاني يريد مساكن لجنوده فكان يستأجر منا المنازل المؤثثة وكان ربحها طيباً، ولكن في العام 1960، وبسبب عضويتي في هيئة الاتحاد الوطني، دخلت السجن لمدة عشرة أيام بتهمة توزيع منشورات تحث على القومية، ولأنني ذو اتجاه قومي، اتهمت بكتابة وتوزيع المنشورات، ثم تم تسفيري الى الكويت لمدة عام كامل حيث التحقت بي زوجتي فيما بعد واستأجرت شقة بقيمة ألف روبية وكان هذا المبلغ كبيراً وكأنه يعادل ألف دينار، فلم استطع العيش في الكويت، لكنني بعد انقضاء العام عدت الى البحرين في العام 1961 وواصلت العمل مع شريكي وصديقي عبدالرحمن تقي حتى العام 1972.

وتر «القومية العربية» الحساس

زيارتكم الأولى لمصر كانت في مطلع الخمسينيات، هل أسهمت هذه الزيارة في تشكيل الأفكار فيما بعد تحت مظلة عمل هيئة الاتحاد الوطني؟

- زرت مع مجموعة من أصدقائي وهم محمد الجامع ومحمود المردي وأحمد عبيدلي مصر في العام 1952، وهذه الرحلة هي التي تفتحت فيها عقولنا على القومية العربية والتي كانت الإذاعة المصرية تشحذها، ومن طبيعة الإنسان العربي، بمجرد أن تذكر له القومية العربية، يضرب فيه الوتر الحساس، وأنا لم يكن اتجاهي اسلامياً مطلقاً منذ البداية، وبالنسبة لنا كان الزعيم جمال عبدالناصر يمثل المد القومي العربي ولو أن هذا المد كان موجوداً من قبل في سورية، ودعني أقول، انه في مرحلة تشكيل هيئة الاتحاد الوطني ونشاطها في العام 1954، كان الزعيم جمال عبدالناصر مؤيداً للهيئة ونصح قادة الهيئة بالتفاهم مع الحكم، وفتح الجامعات المصرية للطلبة البحرينيين وكذلك كان حال المؤتمر الإسلامي، وقد ارسلت الهيئة بعثات طلابية الى مصر لإيمانها بضرورة التزود بالعلم الذي ينور العقول، وقد كان ما كان، ودرس العديد من أبناء البحرين وعادوا وعملوا في بلادهم، وكانت البحرين تسع الجميع والكل يعمل فيما كانت نسبة العمالة الوافدة قليلة.

وبعد صدور الحكم على قادة الهيئة (عبدالرحمن الباكر، عبدعلي العليوات وعبدالعزيز الشملان) في العام 1956 وترحيلهم الى جزيرة سانت هيلانة، تم ايصال القضية الى المحاكم البريطانية بالتعاون مع مجموعة من المحامين الإنجليز لكن العمل يحتاج الى تمويل ولم يكن لدينا آنذاك في الهيئة المال الكافي، والحكومة المصرية هي من تكفلت بالمصاريف الى أن حكمت المحكمة لصالح قادة الهيئة وعوضتهم بمبلغ يصل الى 14 ألف جنيه للثلاثة، وكان الجنيه آنذاك له قيمة، فتفرق القادة حيث عاش الباكر في بيروت، واختار الشملان سورية فيما استقر العليوات في العراق. فالمصريون لهم فضل كبير علينا وكانوا يرسلون البعثات لأبناء الخليج بحيث تتكفل الحكومة المصرية بنصف كلفة الدراسة وتتكفل الحكومة الخليجية بالنصف الآخر.

الشاه والإيرانيون والبحرين

أنت من الناس الذين كانت لهم متابعة دقيقة لمرحلة سياسية خطرة هي مرحلة مطالبات الشاه بضم البحرين لإيران. كيف وثقت تلك المرحلة بدءاً من قبل مرحلة الاستفتاء على عروبة البحرين؟

- كنا في فترة الستينات وبكل صراحة، تحت إرهاب أن تضم إيران البحرين اليها، ونحن كعرب لا نرغب في الانضمام الى ايران! لا سنة البحرين ولا شيعتها ولا اتباع أي مذهب آخر فهذا الأمر لا يتوافق مع قومية الإنسان العربي، وكانت حكومات الخليج ومعهم الإنجليز يتفاوضون مع شاه ايران الذي كان يقول بأن الشعب الإيراني لن يقبل التنازل عن البحرين، فكان العرض المقدم هو التنازل عن طنب الكبرى وطنب الصغرى (وكانت تعرف باسميها الفارسيين: تونب كوجيك وتونب بوزورك) وكذلك التنازل عن نصف بترول جزيرة ابوموسى وهي جزيرة عربية تابعة لإمارة الشارقة.

جزيرة ابوموسى جزيرة عربية وسكانها عرب الى الآن. المهم أن الشاه قبل العرض، على أن يقبل أيضاً بإجراء استفتاء على عروبة البحرين، وبالفعل، اجري الاستفتاء كما هو معروف في العام 1970، وصوت كل شعب البحرين لصالح عروبة البحرين، وكنت أمثل نادي البحرين في ذلك التصويت ومعي الفنان راشد العريفي وعضو مجلس الشورى عبدالرحمن جمشير، و(يضحك)... ماذا تريد من عربي أن يقول في استفتاء حول عروبته؟ وكل شعب البحرين صوت لعروبتها ونالت استقلالها وانضمت لهيئة الامم المتحدة وانتهى الأمر! فأي ادعاء ايراني بشأن ضم البحرين هو (كلام فاضي).

العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:53 ص

      الله يحفظك يابقية الناس الطيبين

      اي والله ذكرتنا بطيبة اهل البحرين الاصيلين ..........
      للاسف البحرين تتعرض لغزو فكري وسياسي وديني و اقتصادي.....

      الله يعين اهل البحرين الاصيلين من هذا التيار الجارف

    • زائر 2 | 1:01 ص

      نعم سترااااااوي

      كلامك صحيح ستراوي.. الحوار ممتع وفي انتظار الحلقة القادمة بس ياريت تكون هاليومين وليس الأحد القادم.. هذا امنية لإدارة التحرير ومثل ما قال اخينا ستراوي ترى هذا الرجل صريح وشجاع والى الآن يزور المجلس ومجلسه يوم الأحد ليلة الاثنين في المحرق مثل هاليوم على ما اعتقد بعد مستمر وما عنده وحدة ثنتين رايه يطلقه ولا يفتكر وخصوصاً آراءه ضد بعض اتباع التيار الديني المتشددين... ياكلهم أكال بالحقائق.
      والشكر للدكتور منصور الجمري على هذا الحوار الجميل والرائع

    • زائر 1 | 11:13 م

      سترااااااااااوي

      هذا الرجل كان كثير الترد على مجالس ستره وكان متواضع وعلى خلق عاليه

اقرأ ايضاً