في هذه الحلقة من الحوار مع رجل الأعمال والسياسي الليبرالي جاسم مراد، سنتجول في محطات سياسية واجتماعية عديدة بدءاً من مرحلة مطلع السبعينات، أي منذ الاستقلال وما تلاه من تحول إلى أول تجربة ديمقراطية بتشكيل المجلس التأسيسي ومن ثم الانطلاق نحو عمل المجلس الوطني.
ولا شك في أن محدثنا جاسم مراد له الكثير من الآراء ولا سيما فيما يتعلق بالأزمة التي تعيشها البحرين، فهو يرى أننا في حاجة إلى مجلس برلماني من التكنوقراط وليس من «المطاوعة»، وفي الوقت ذاته يعتقد أن الأزمة المتكررة في البلاد والمستمرة منذ سنين هي ذات مسببات اقتصادية أكثر منها سياسية، وذلك بقوله انه في أي بلد تضيق المعيشة بالناس تحدث ثورة! مذكراً بأنه فيما يتعلق بـ«مشكلة السكن»، فإنه هو من اقترح المادة التاسعة من دستور 1973 وهي المادة (9- واو) ونصها: «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين». وفي الحقيقة كان في الأمر لعبة من الحكومة فقد استخدمت كلمة (تضمن) بدل (تعمل)، وفي ذلك الوقت، لم نركز كثيراً على معاني المفردات وصياغتها.
في حلقة اليوم سنرى ماذا يقول ضيفنا جاسم مراد بخصوص مجازاة شعب البحرين الذي قدّم موقفاً تاريخياً في الدفاع عن عروبة البحرين، وأيضاً بخصوص تكدس الأزمات ووقوف الحكومة وراء هذا التكدس وكيف يمكن أن تنتهي الأزمة بتطبيق العدالة الاجتماعية ليحصل جميع المواطنين على حقوقهم.
هي مرحلة تاريخية مهمة يستحق عليها شعب البحرين من حكومته الجزاء العادل لبناء الدولة... حدثنا في هذا العنوان؟
- شاه ايران لم يكن يريد البحرين ولكن الشعب الإيراني تربى على أن البحرين جزء من ايران، والكل يعلم ببدهية أن البحرين عربية، واذا كان هناك من الاخوة الإيرانيين يعيشون في البحرين فهذا شأن آخر، فالبحرين عربية وكل شيعتها من بني عبدالقيس ومنهم جزء أيضاً من بني كعب. وحتى بالنسبة للمحرق، فليست كما يقال ان اسمها يعود الى أنها كانت محرقة كبيرة! المحرق سميت بذلك لأن هناك (قبيلة المحرق) وثقها الباحث والمؤرخ جواد علي في كتابه: «العرب قبل الإسلام»، والباحث رأى أن قسماً كبيراً من أهالي المحرق كانوا من تلك القبيلة الأصلية، ولكن من أهلها السنة البستكية والعوضية فهم من العرب الذين استوطنوا الساحل الإيراني الذي يكاد يكون كله عربيا، فالخليفة عمر بن الخطاب عندما فتح فارس كانت بعض القبائل العربية تحاول الهجرة منها لكنه ابقاهم هناك كحماة للخليج العربي، ونحن نسميهم (هولة) بحرف الهاء لكن الصحيح (حولة) بحرف الحاء حيث جاءوا من (لنجة) باعتبار أن لنجة كانت مدينة حاضرة وميناء كبيراً لتصدير البضائع وتجارة اللؤلؤ الى الهند قبل ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني وكساد تجارة اللؤلؤ.
بيدي.. لا بيد عمرو!
أما عن الجزاء، ففي العام 1972، أراد المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان أن يجازي أهل البحرين لموقفهم ودفاعهم عن عروبة البحرين، فلابد من أن يكون هناك دستور، وكان هناك اتجاه لصياغة دستور من خلال لجنة تأسيسية، وكنت من ضمن المترشحين حيث رشحت نفسي في فريق مراد والحالة فانتخبوني، ولم نكن نعرف الكثير آنذاك، لكننا كنا ندرس الدساتير ونطالع ونقارن فلسنا خبراء دستور ولسنا قانونيين، وقدمنا دستوراً اشبه بدستور الكويت فأقر من قبل المجلس التأسيسي ومن قبل الأعضاء المعينيين من قبل الحكومة، وفي العام 1973 رشحت نفسي للمجلس الوطني، وفزت لأنني أحظى بثقة الناس.
وقتذاك، لم نتوجه لأن نرشو أحدا كي ينتخبنا! ولم نلتمس ونتقرب من الحكومة لأن تعطينا أي شيء! وكنا مخلصين والحكومة آنذاك كانت مخلصة لكن موازنة الدولة آنذاك كانت قليلة لا تتجاوز 25 مليون دينار، إلا أنه بعد ذلك انتعشت الدولة وارتفعت ايراداتها النفطية، واصبحت وكأنها تقول – أي الدولة - بيدي لا بيد عمرو!
تركيبة المجلس كانت بين اليسار المتطرف والتيار الديني ونحن كنا من العقلانيين والمعتدلين مع المرحوم عبدالرسول الجشي وحمد أبل ورئيس مجلس النواب الحالي خليفة الظهراني، فنحن كنا ننتهج منهجاً أكثر تسامحاً وكانوا يعيبون علينا أننا لا نقف مواقف صلبة لكن جزءا كبيرا من الخذلان كان من التيار الديني. فالتيار الديني الشيعي كان يحمل الكثير من الأفكار المتحفظة طبقاً لبيئة المجتمع القروي، وهم لا يريدون التجديد اما نحن الوسطيين فكنا نعيش في السوق ونتابع الأحوال وافكارنا اقرب الى الفكر المعقول، فيما اليسار يريد التقدم بسرعة كبيرة ويطرح افكاراً لا تريدها الحكومة! فعلى سبيل المثال، موضوع القاعدة الأميركية، وهو الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المجلس عندما رفض الموافقة على انشاء قاعدة اميركية، لأننا بذلك نخلق لنا عدواً قوياً لسنا نقوى على مواجهته! فقلت للاخوة: «تركوا عنكم هالكلام يولي وانا ضدكم»، والغريب أنه بعد ذلك الكل وافق دون أن يعرفوا أصلاً ماذا سيستفيد البلد من هذه القاعدة؟
الأمر الثاني زيادة النفط شجعت الحكومة على أنها لا تريد المجلس الوطني، والسبب في ذلك لم نكن نعلم من أين يأتي الضغط وتعرف جيرانك ويتابعون في الصحف فإنك توعي الناس وهذا ما يحدث الآن، فتوصلوا الى نتيجة ان المال عندنا والقوة عندنا ونحن دولة مستقلة ولا نحتاج الى المجلس.
الحكومة «كدست» الأزمات
اذاً، نستطيع القول اننا أمام مسار مستديم من الأزمات سببه الحكومة؟ ولكن، كيف ستنتهي هذه الأزمات؟
- الحكومة احضرت أحد القضاة المصريين ممن كان يعمل في المحكمة وكتب لهم قانون أمن الدولة واسقطوا على رؤوس الناس ذلك القانون الذي يجيز حبسك 3 أو 5 سنوات ويتم تجديد مدة السجن، فلم نوافق على ذلك القانون حيث نرى أن كل سياسي يخطئ، وحين يخطئ يمكن أن يعاقب وفق خطئه ليراجع افكاره ويعيش واقعه، لكن هذا لا يعني قبول الظلم، ومع الأسف حلت الحكومة المجلس الوطني، وبحسب دستور 73، كان يتوجب اجراء الانتخابات بعد مرور 3 أشهر، لكن كما تعلم، فإن الشعب يتأثر بالإعلام وخصوصاً مع قلة الوعي آنذاك ولم نكن نفهم. نعم حتى نحن كأعضاء في المجلس الوطني لم نكن نفهم خبايا الكثير من القرارات والخطوات التي اتخذتها الحكومة، ولو استمر عمل المجلس لكنا الآن في هذا الوقت أمام الكثير من المشاكل التي تلاشت ولما تكدست وتحولت الى أزمة سياسية يواجهها البلد بين حين وحين تكبر وتزداد.
الثورة حين تضيق المعيشة
وأنا اعتقد أن الازمة اقتصادية اكثر منها سياسية، ففي أي بلد تضيق المعيشة بالناس تحدث ثورة! اولاً مشكلة السكن، وانا اقترحت المادة التاسعة من دستور 1973 وهي المادة (9- واو) ونصها: «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين». وفي الحقيقة كان في الأمر لعبة من الحكومة فقد استخدمت كلمة (تضمن) بدل (تعمل)، وفي ذلك الوقت، لم نركز كثيراً على معاني المفردات وصياغتها، ولم يهمنا الفرق بين المفردتين: تعمل او تضمن ما المشكلة؟ لكن، لو رجعنا الى كلمة (تعمل). هل نعني أن الحكومة (تعمل) بيوتا وتبيعها على المواطن أو هو سكن واجب على الحكومة للمواطن ان يعيش فيه دون أن يدفع ايجاره. وهذا ما قصدته، فقد يعيش المواطن في المنزل. وربما لا يمكن ان يملكه لكن يعيش فيه الى أن يفرج الله له كأن يبني بيتاً، وأنا أكرر، اذا لم تحل الحكومة مشكلة السكن، ستعود المشكلات السياسية من جديدة حتى لو وضعت لها حدودا.
وسأوضح أكثر... اذا أرادت الحكومة أن يهدأ الشعب، فعليها أن تمنحه سكنا كريماً حتى لو يأكل فيه خبزاً و «شاي أحمر» كعشاء له كل ليلة، وهذه واحدة من المشاكل الكبيرة، ثم ننتقل الى التعليم، فنحن في البحرين أبناؤنا يتعلمون ويتخرجون لكن أي علم وأية دراسة لا تنمي الأنامل وتكبر العقول فهذه لا نريدها. لابد من المدارس المهنية والحرفية، فنحن نريد محترفين ومهنيين، وخذ مثلاً استراليا. اليوم هي تعلن حاجتها وتفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يعملوا فيها كبنائين. لم تطلب مثقفين ولا أطباء ولا مهندسين. لم نتربّ على شغل اليد واعتمدنا على عمالة رخيصة تزاحم العمالة البحرينية، ونحن نحتاج الى عمالة والى ناس مهنيين محترفين، لكن من المفروض أن يكون البحريني محترفاً مهنياً. واذا منحته العدالة الاجتماعية وتوزيعا عادلا للثروة ومسكنا ملائما حتى لو كان يعمل بأجر بسيط فإن معيشته ستستقر.
الأطفال يخرجون «متريقين»
حتى على مستوى الدعم الحكومي، أرى أن هناك الكثيرين ممن يعترضون على الغاء الدعم الحكومي في جوانب محددة، وهؤلاء المعترضون هم من الأقطاب واصحاب النفوذ المستفيدون، لأن العملية تجري في صالحهم! وإلا هل من المعقول أن يتم انشاء مصنع ويتم استقدام عمالة اجنبية له ثم أقدم له الدعم؟ الدعم يجب أن يتوجه بالكامل الى المواطن وليس عبر بطاقة أو ما شابه لا... لا... ما اقصده هو دعم الأسرة البحرينية بعدد أفرادها وما اذا كان عائلها موظفاً أم عاطلاً واقدم الدعم على هيئة سيولة مئة او مئتي دينار وتتسلمه الزوجة. نعم تتسلمه الزوجة وببساطة أقول ذلك لأن المهم لدي ألا يخرج الأطفال من منازلهم الى مدارسهم من دون تناول وجبة الإفطار... «لازم يبه ما يطلعون من البيت الا متريقين».
الحل لما تمر به البلاد هو بترسيخ عنوان ومفهوم وممارسة «العدالة الاجتماعية» للجميع، فإذا الدولة أرادت الحل فالحل في يدها. فهي تملك المال والقوانين وتملك القوة العسكرية التي يجب أن تكون في (خدمة العلم)، وثق تماماً أنه لا توجد ديمقراطية من دون عدالة اجتماعية! فالديمقراطية المؤسسة على مرشحين جاءت بهم الأموال والرشا وشراء الأصوات لا ينفع البلد في شيء ذلك أن نائب الشعب جاء مرشياً بشراء أصوات! أنا يا أخي مع مقترح أن يكون المترشح للمجلس النيابي من حملة الشهادات الجامعية لأننا نحتاج الى مجلس تشريعي من التكنوقراط ولسنا في حاجة الى مجلس مطاوعة.
مجلس مطاوعة... ما يصلح!
مجلس تكنوقراط وليس مجلس (مطاوعة)... في عبارتك يا استاذ جاسم ما يبعث على اثارة العقل؟
- وهل يعلق مطوع أو رجل دين (مشنقة)؟ رأينا مشانق معلقة، فهل يعلق من يقول انه يعبد الله ويوحده ويقوم بفعل مناف للدين والأخلاق... لابد أن يحترمنا كبشر، لهذا اقول ان الانتخابات بهذه الطريقة لا يمكن أن تسير بالطريقة الصحيحة وهي عندنا (ما تصلح).
وكيف (نخليها تصلح)؟
- يجب أن يكون الصندوق الانتخابي تحت اشراف لجان قضائية أجنبية محايدة، وتجرى لمدة اسبوع والمترشحون لهم الحق في ترشيح أنفسهم من أطباء ومهندسين والمهنيين والقطاعات ترشح لها مترشحين فالتجار يرشحون من يريدون. العمال يرشحون من فيه يثقون. ويكون الاختيار من ذوي الخبرة والتجربة حتى لا يصطدمون مع الحكومة بالشكل الهزيل المضيع للجهود، وأن يعمل الجميع لصالح البلد بدلاً من التناحر والصدام مع الحكومة على (لا شيء)! فذوي الخبرة يستطيعون أن يطرحوا البدائل حين تقول لهم الحكومة جوابها المعتاد في الكثير من المشاريع: لا توجد موازنة؟! هذا على سبيل المثال... وكذلك اصلاح احوال الشعب... يا أخي، بدلاً من تقديم دعم بقيمة نحو 180 مليون دينار سنويا، وما لا نعلم عنه (أكثر)... فلتأخذها الحكومة وتصلح بها احوال شعبها وتطيل أمد الاستقرار.
إذا قررت المنطقة شيئاً آخر...
يبدو الركن الأكثر تهديداً للاستقرار هو غياب العدالة الاجتماعية... أليس هذا صحيحاً؟
- هذا صحيح... فنحن تحكمنا عائلات، والخليج تحكمه كله عائلات ووجودها مصلحة، لكن مهما كانت تطلعاتنا وماذا نريد، نحن لا ننجح بسهولة حين تكون المنطقة لا تريد ما نريده، أما اذا قررت المنطقة شيئاً آخر والتحول الى (شيء آخر) فهذا ممكن. وكما نريد أن تعيش العوائل الحاكمة في عزة وكرامة، نحن أيضاً نريد ان نعيش بعزة وكرامة والناس تريد أن ترى توزيعاً عادلاً للثروة! الناس تريد أن تعيش بعزة وكرامة وليس صحيحاً هدراً لثرواتنا.
هل انت ضد المعارضة ومطالبها؟
- أنا لست ضد المعارضة، وهناك في المعارضة من يريد مصلحة البلد، لكن ليس كل ما نريده (تمام)؟! وليس كل ما نريده يعني أننا نفهم فيه؟ ولهذا أقول واشدد على أن أكبر اسباب أزمتنا هو سبب رئيس اقتصادي وليس سياسيا... فأي سياسة لا تطعم عائلتي ولا تضمن لها الاستقرار هي سياسة مرفوضة... هكذا يريد المواطن.
العدد 3502 - الأحد 08 أبريل 2012م الموافق 17 جمادى الأولى 1433هـ
اتفق مع زائر رقم 1 نعم الرجال
استمعت كثير بقراءة الحلقتين أمس واليوم... نحن نقرأ كلام يستحق كما قال الزائر رقم 1 ان يكتب بماء الذهب.. الشكر لصحيفة الوسط وشكر خاص للإعلامي والصحفي سعيد محمد على هذا الحوار الجميل الرائع.. نحن نحتاج الى امثال هؤلاء لنقرأ الأفكار البحرينية النيرة عن العدالة الإجتماعية.. لا لمجالس المطاوعة والمفتنين والطائفيين.
الفساد السياسي والإداري هو سبب مشاكلنا
الفساد الإداري والإقتصادي والإجتماعي سببه الفساد السياسي أولا ويمكن إصلاحه بصلاح النظام وصلاح النظام يصلح بإستقلالية القضاء وإنتخاب مجلس كامل الصلاحية وقضاء نزيه وحر ومستقل. إذا صلح الحاكم صلح المحكوم والسلام.
هل هذا الكلام خطأ؟ وهل هذا غير ما يطالب به الشعب؟
أجيبونا يا محترمين!
الفكر الحر
نعم الرجال
كلام يجب ان يكتب بماء الذهب
هكذا رجال نحن بحاجة اليهم، شجعان و مستقلين
نعم بامثالك سوف تسلم لنا البلاد وتطمئن فيه النفوس.
شكرا للوسط لهذا العمل المتميز المثمر ذو الفوائد العظيمه