العدد 3509 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ

بداية حقبة اللغة العربية في البحرين

انتقل عدد من القبائل العربية الشمالية من البداوة إلى الحضارة وذلك بدءاً من القرون الثلاثة الأخيرة قبل الميلاد، وانتشروا في شرق وشمال وشمال غرب الجزيرة العربية، وبما أن الكتابة بالحروف العربية الحالية قد بدأت منذ القرن الخامس الميلادي واستقامت في نهاية القرن السادس الميلادي (البني 2001) فإن تلك القبائل لم تستخدم الكتابة العربية، وقد انقسموا إلى قسمين، قسم استخدم الكتابة الآرامية وهم القبائل التي سكنت الشمال والشمال الغربي؛ بينما القبائل العربية الشمالية التي سكنت شرق الجزيرة العربية فقد تأثرت بالعربية الجنوبية؛ حيث إنها كتبت لغتها العربية بحروف اللغة العربية الجنوبية وبالتحديد الخط المسند، على رغم معرفتهم للآرامية كما سنرى لاحقاً. ويعتقد أن هذه الكتابة سميت باسم المسند نظراً إلى استقامة حروفها، فكأن هذه الحروف مستندة إلى دعائم، وتكتب حروف المسند منفصلة لا اتصال بينها، وتفصل الكلمات في النصوص بخطوط عمودية، ويكتب المسند عادة من اليمين إلى اليسار أو بالعكس (البني 2001). وقد عرفت جميع اللغات العربية الشمالية التي لم تكتب بحروف عربية باللغة العربية البائدة كما سبق أن ذكرنا في سلسلة سابقة، وقد عرفت النقوش التي عثر عليها في شرق الجزيرة العربية، والتي كتبة بلغة عربية شمالية؛ إلا أنها نقشت بحروف المسند، باسم النقوش الحسائية (أو الأحسائية).

الحسائية والاقتباس من العربية الجنوبية

تسمى الكتابة الأحسائية أو الحسائية نسبة لمنطقة الأحساء في شرق الجزيرة العربية، وهذه الكتابة هي مزيج بين العربية الشمالية والعربية الجنوبية؛ إذ إن اللغة المكتوبة تعتبر لغة عربية شمالية تتميز بألفاظها وأدواتها وتختلف عن اللغة العربية الجنوبية؛ إلا أن نقوش تلك النصوص قد كتبت بحروف عربية جنوبية وبالتحديد خط المسند الذي تكوّن وتطوّر في جنوب الجزيرة العربية كما أسلفنا. وقد تم العثور على العديد من النقوش في شرق الجزيرة العربية والتي كتبت بالحسائية (أي لغتها عربية شمالية كتبت بالخط المسند) والتي يرجع تاريخها إلى الحقبة ما بين 350 ق. م - 100 ق. م (بوتس 2003: ج 2، ص 771). وغالبية النقوش التي عثر عليها كانت من منطقة ثاج إلا أن هناك نقوشاً عثر عليها في القطيف وعين جاوان والعوامية، وقد عثر على نقش واحد من خارج شرق الجزيرة العربية وبالتحديد من الوركاء في العراق (بوتس 2003: ج 2، ص 751 - 752). ويعتبر لوريمر أول من أشار إلى تلك النقوش في ثاج وذلك في العام 1908م عند وصف وادي المياه (بوتس 2003: ج 2، ص 751)؛ إلا أن وينت (العام 1946م) يعتبر أول باحث تعرّف على أن هذه النقوش التي كتبت بالخط المسند تعتبر مجموعة مستقلة قائمة بذاتها محددة على أساس اللغة والثقافة والجغرافية، وفي العام 1966م تم تسمية هذه النقوش بالحسائية وذلك من قبل الباحث جام (قزدر وآخرون 1984م).

لاحظ أن ظهور الكتابة الحسائية يتزامن مع ظهور العملة الخاصة بشرق الجزيرة العربية الشبيهة بعملة الإسكندر (التي سبق الحديث عنها) وهي ذاتها الحقبة التي يعتقد أن مملكة هجَر تكوّنت ضمنها في شرق الجزيرة العربية، وهذا يعزز نظرية تكوّن هوية محلية كوّنت سلطة سياسية تسلّمت الحكم في فترات متقطعة في تلك الحقبة كما سبق وأسلفنا في فصل سابق.

توافد القبائل العدنانية على البحرين

في ظل غياب دليل واضح لوجود هجرات جديدة لشرق الجزيرة العربية يمكننا أن نرجّح أن القبائل التي تحدثت باللهجة الحسائية استمرت بالوجود في شرق الجزيرة العربية وتطورت لهجتها وقد استخدمت بالإضافة إليها اللغة الآرامية واستمرت تلك الشعوب تمارس تلك اللغات حتى مجيء قبائل عربية جديدة والتي بدأت بقبائل عدنانية وذلك في نهاية القرن الأول الميلادي أو مطلع القرن الثاني الميلادي. تلا ذلك وصول قبيلة واحدة قحطانية على الأقل وهي قبيلة الأزد وبعدها استمر وصول قبائل عدنانية جديدة. وتنسب جميع القبائل العدنانية التي سكنت شرق الجزيرة العربية بعد الميلاد لمعد بن عدنان وهي تعرف بالقبائل المعدية. وقد تحدثت هذه القبائل بلغة عربية قريبة جداً للفصحى؛ إلا أنها متأثرة قليلاً بالنبطية وهي لهجة كتبت بحروف آرامية.

التأثر باللغة الآرامية

بلا شك، كان يتوجّب على شعوب شرق الجزيرة العربية تعلم الآرامية لتسهل التعامل مع مراكز التجارة في بلاد الرافدين؛ إذ استقر عدد من الشعوب السامية التي تتحدث باللغة الآرامية في بلاد الرافدين وقد أصبحت اللغة الآرامية لغة الدولة الرسمية منذ الحقبة الأخمينية، كما سبق أن أشرنا في الفصل السابق؛ إلا أننا لا نعلم بالتحديد منذ متى بدأ التعامل بالآرامية في شرق الجزيرة العربية فأقدم ما عثر عليه من لغة خاصة بشعوب هذه المنطقة هي لغة النقوش الحسائية والتي لا نعلم كم بقيت محكية في هذه المنطقة. ويحتمل أن استعمال اللغة الآرامية كلغة مكتوبة حل تدريجياً محل اللغة المدونة بها النصوص الحسائية مع بقاء الشعوب على عربيتهم. وفي فترة زمنية ما أصبحت اللغة الآرامية والحسائية متزامنتين؛ إذ عثر على نقشين اعتبرا مزدوجي اللغة، مكتوبين بالحسائية والآرامية (بوتس 2003: ج2 ص 981).

أما في ما يخص استعمال اللغة الآرامية فقد عثر على العديد من النقوش التي كتبت بالآرامية في جزر البحرين وجزيرة فيلكا وشرق الجزيرة العربية وحتى في الإمارات العربية المتحدة، وقد قام كل من Healey و Ben Seray بنشر تلك النقوش مجموعة في بحث واحد حول وجود اللغة الآرامية في الخليج العربي (Healey and Ben Seray 2000).

وهناك بيّنة أخرى تدل على استعمال اللغة الآرامية في شرق الجزيرة العربية وهي بيّنة أدبية لا نقشية (إبيغرافية)؛ إذ كانت اللغة السيريانية لغة الطقوس الدينية عند السكان النصارى الذين يمثلون الغالبية في البحرين وشرق الجزيرة العربية. ويمكن تتبّع أصول هذه اللغة في الحد الأدنى حتى آخر القرن الرابع الميلادي، ويفترض أن استعمالها استمر ما دامت النصرانية ممارسة في تلك المنطقة (بوتس 2003: ج2 ص 984). وقد سبق وتناولنا تاريخ الديانة المسيحية في البحرين وشرق الجزيرة العربية بصورة مفصلة في سلسلة سابقة.

عرب الشمال وبداية الكتابة

كان عرب الجنوب سبّاقون في ابتكار أبجدية تكتب بها لغتهم بينما لغة عرب الشمال كانت لغة غير مكتوبة وعندما استقرت جماعات من عرب الشمال وتركوا حياة البداوة واجهوا مشكلة الكتابة فاختاروا لأنفسهم أبجدية اللغات المتداولة عند الجماعات المستقرة بقربهم ويتعاملون معهم فاختار النبط حروف اللغة الآرامية واختارت الجماعات التي سكنت شرق الجزيرة العربية حروف اللغة العربية الجنوبية (بالإضافة للآرامية). ويخلص عدنان البني في بحثه عن بداية الكتابة العربية إلى أن الكتابة بالحروف العربية والتي تطورت للأبجدية الحالية بدأت منذ القرن الخامس الميلادي واستقامت في نهاية القرن السادس الميلادي (البني 2001). ولا يتفق العلماء على رأي واحد حول أصل الكتابة العربية، فثمة مدارس تجتهد في هذا الموضوع، الأولى مدرسة الأخباريين وقدامى الكتاب التي تقول بأن أول كتابة عربية عرفت في مدينة الحيرة في العراق وإن أهل مدينة الحيرة تعلموا الكتابة من أهل الأنبار، وبعضهم رأى أن الكتابة العربية أتت من اليمن، أما المدرسة الثانية فهي في الواقع المدرسة الحديثة التي تعتمد على دراسة موضوعية للخطوط ومقارنتها؛ أي على علم النقائش (الابيغرافيا) وعلم المخطوطات القديمة (الباليوغرافيا) وتقول هذه المدرسة إن الحروف العربية استقت من الحروف الآرامية المتطورة وخاصة من الكتابة الليّنة. ويتفرع القائلون بهذا الرأي إلى منحيين الأول نحو الخط السرياني بأنواعه والثاني نحو الخط النبطي وكلا الخطين السرياني والنبطي متفرع من الآرامية (البني 2001).

العدد 3509 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً