تكتب الشاعرة الإماراتية نجوم الغانم في مجموعتها الجديدة «اسقط في نفسي» شعراً حاراً وليد تجربة إنسانية عميقة وغنياً بالإيحاء كأنه مهدى إلى الحياة في مواجهة الموت. وجلي أن المجموعة جاءت بعد تجربة صحية شديدة جعلت الشاعرة تقيم في منتجع الماني طلباً للشفاء والصحة. تهدي نجوم الغانم مجموعتها المؤثرة إلى منتجع ومزار في بافاريا فتقول: «إلى باد جريسباخ وملائكتها وقديسيها وأرواحها». جاءت المجموعة في 123 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان. وقالت الشاعرة إن قصائد المجموعة كتبت بين صيفي 2009 و2010. وقبل دخول عالم القصائد لابد من المرور بالمقدمة الشعرية المؤثرة التي وردت تحت عنوان «استهلال». تقول: «ذهبت إليها نصف محمولة نصف مكسورة وقلب متعب. كانت هناك أشارات للموت وأمل ضئيل في حياة ضئيلة. كان من الممكن أن أحمل وردها واستبقي رائحته زمناً أطول. من الممكن أن أحملها بين ذراعي وأعود بها... لكنها كانت أجمل في مكانها. لا صوت يرتفع في باد جريسباخ بعد أن تذهب الشمس إلى الليل سوى صراخ الجنادب وأنين الينابيع وأحياناً تكسر الأغصان تحت خطوات الطيور القادمة لبيوتها متأخرة. تعلمت في باد جريسباخ أن أغلق باب حجرتي باكراً تاركة الظلال تتحدث مع بعضها على الجدران وكأنني لست هناك. حين يفيق الصباح فإن النوم ينهض مع الكائنات سريعاً مغادراً الأسرة على عجل حتى لا ينتبه إليه أحد. هكذا يدخل الليل في النهار... يندس المطر في الصيف ثم الثلج في معطف الخريف... هكذا يأتي الشتاء ويبقى... يظل يملأنا نحن الغرباء العابرين كالكلمات. هناك ممن يجيئون بلا عكازات ترفعهم عن الأرض وبلا أحلام تطير ولهذا عليهم أن يجلسوا عند النافذة بانتظار الفصول التي تأتي مطيعة تاركة أوراق أشجارها كأعطيات لهم ليبتسموا ويسقطوا في عشقها وبعدها سينهضون ويملأون الأرض بصرخات الشكر».
ومن عنوان أول هو «قبل أن تأتي الأمكنة» نقرأ مع الشاعرة قولها: «نترك خطواتنا على الرمل/ على الثلج/ على الماء/ يا إلهي كيف أننا لم ننتبه أبداً/ في أي الاتجاهات كنا نترك أقدامنا». وفي القسم الخامس من العنوان نفسه نقرأ شعراً حافلاً بالصور والرموز حافلاً بالألم وبالأمل أيضاً على رغم كل شيء «نعبر مثل ظلال على حجر الطريق/ تتعقبنا انكساراتنا الشقية/ ويفرقنا سيف الفصول/ نمضي/ نقبض على التنهيدة الهاربة/ من صدورنا كي لا ينتبه إليها أحد/ نحمل في قفتنا كلاماً لم نفك أزراره بعد/ نمضي مذعنين لكبريائنا/ وما تشفق علينا به المصادفات/ نخشى أن نعود لئلا تختار بيننا الكلمات/ حين تقع أحداقها في أحداقنا/ لم نعد وقد لا نعود/ لأن الأزقة طوت صفحاتها عنا/ انقطعنا في حاشية الأسفار/ سقطت ظلالنا في حجر الطريق/ انكسرت/ ولم تعلمنا الأيام كيف نلملمها». وفي القسم العاشر نقرأ «كل هذا الدواء/ وعظامي مازالت تتكسر/ كأغصان تسحقها العجلات/ وحلقي يابس كبئر جفت/ سأصلي اليوم أيضاً/ لتشفيني معجزات قديسي بافاريا/ سأرتجي الممرضة أن تتركني/ أمام النافذة وقتاً أطول/ لأرى البيوت الريفية المزينة بثمار اليقطين الخريفية/ وألقي بصري على السماء قبل/ أن تداهمها العتمة/ وأصغي لحفيف الهواء وهو/ يداعب خصلات الأشجار/ سأصلي لكي أكون هناك في الحقل/ لا أفعل شيئاً سوى استنشاق رائحة/ الأرض بعد اقتلاع سنابل القمح/ سأنهمر على ركبتي كالماء/ وأتضرع لقديسي بافاريا». وفي الرقم 16 نقرأ هذه الهالة من الحزن الرومانسي الجميل أو هذه الصورة التي تبدو كلوحة اشتملت في تفاصيلها على صور صغرى متعددة. تقول: «في الشرفة المحاطة بأصوات الأيام/ تتساقط أوراق الأشجار مع شهقات الهواء/ وزفرات اليعاسيب/ تنحدر كلها بصمت/ يشبه رقصات المرجان تحت المحيط/ الإيماءات نفسها/ الألوان نفسها/ والحزن نفسه». ومن عنوان هو «المطر العالق في حواشي الأشجار» نقرأ قول الشاعرة: «اقبض على أطراف الليل بقلبي/ وأسند ظهري لضوء الشمعة/ الذي سينكسر في الإناء بعد برهة/ كما ينكسر الكلام في الحنجرة/ حين يرتفع الحزن/ سيحرق الصمت حلقي/ وسآكل الملح/ ليداوي وحدتي/ ويشفي جراح الأيام المشحونة بالموت». في القصيدة الأخيرة «ما قبل الذهاب» حزن حاد وناعم في رصد حركة الحياة والزمن يحاول أن يواجه المفجع الأكبر برواقية عميقة هادئة. تقول: «كم امرأة مثلي كسر الانتظار هيبتها/ وجعلها تقف في السنوات/ كحصان يتألم دون أن تطلق عليه رصاصة الرحمة/ انتبه الآن/ إلى أنني أصبحت/ مثل أمي في كل شيء/ وحتى عندما يثكلنا الفقد/ مضى واحد وأربعون يوماً/ على خوفنا من الوحدة/ تعلمنا فيها أن ننتظر بلا ومضة أمل/ أن ننتظر وننتظر/ الأيام تعني القليل لغيرنا/ أما نحن/ فعلينا أن ننتظر مثل رقيقها/ لتأتي لنا بالأمل أو الموت».
العدد 3520 - الخميس 26 أبريل 2012م الموافق 05 جمادى الآخرة 1433هـ