نجحت العديد من شركات الاتصالات في الشرق الأوسط من الاستفادة من عقد كامل من النمو. فبفضل عمليات الدمج والاستحواذ، تمكنت شركات الاتصالات من توسيع استثماراتها على نطاق يشمل قارات مختلفة. ولكن كنتيجة لهذه التوسعات، فقد أصبحت المحافظ الاستثمارية لبعض المجموعات تضمن وحدات أعمال غير متجانسة لا تحسن التعاون في ما بينها ولا تتوافق مع الأهداف وأساليب العمل الخاصة بالشركة الأم. بناء على ذلك، فقد قام خبراء من شركة بوز آند كومباني بتفصيل الطرق التي تُمكّن مجموعات الاتصالات من إدارة محافظهم لتأمين النمو المستدام وضمان تحقيق هامش ربح مجمع قبل الضرائب والفوائد والإهلاك بفارق يصل إلى 10 نقاط مئوية عن الشركات النظيرة.
هذا وتناول بحث شركة بوز آند كومباني الأهمية المتزايدة التي بات يكتسبها تنويع الإيرادات بالنسبة إلى المشغلين الإقليميين الذين يجنون حصة كبيرة من إيراداتهم من العمليات الدولية والتي تتخطى في معظم الأحيان 50 في المئة من إجمالي الإيرادات.
من النمو إلى التركيز
في محاولة لعكس النمو البطئ والمتقلص في أسواقها المحلية، قامت شركات الاتصالات الكبرى خلال العقد الماضي بتوسيع نشاطها خارج حدودها المحلية ساعية بذلك إلى تحقيق النمو في أسواق جديدة ونامية. كنتيجة لهذا التوسع، نجح عدد من المشغلين في تنويع مصادر إيراداتهم لتستحوذ إيرادات العمليات الدولية على حصة كبيرة من إجمالي الإيرادات.
في هذا الإطار صرح شريك أول في شركة بوز آند كومباني، كريم صباغ، أن «المشغلين القائمين في منطقة الشرق الأوسط، وفي دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، قد شاركوا في استراتيجية دمج الشركات داخل المنطقة وخارجها. ولكن بعض هؤلاء المشغلين لم يُعِر اهتماماً كبيراً لتوافق وملائمة هذه العمليات المستحوذة مع باقي المحفظة»، مضيفاً أنه «أثناء مرحلة النمو السريع، لم يكن التركيز على أنظمة القدرات والإمكانات بأهمية اقتناص الفرص النادرة نفسها والتي تتطلب السرعة في اتخاذ القرار. ومع بلوغ النمو مستوى الاستقرار، والنضوج إلى حد ما، فتستند المنافسة من الآن فصاعداً على دواعم القدرات».
بينما يسعى المشغلون إلى تعظيم قيمة محافظهم، يمكنهم كذلك الاستفادة من تقييم عملياتهم لتحديد القدرات التي تميزهم عن منافسيهم. في الوقت نفسه، يجب على المشغلين تحديد التوجه الاستراتيجي لكل من شركاتهم التابعة، وهي الاستراتيجيات التي ستسمح لهم بتحقيق النجاح والتغلب على المنافسة في مختلف الأسواق. وتجتمع هذه العوامل المختلفة لمنح المشغلين حق الربح وتحقيق إيرادات أعلى وحصة أكبر في السوق وغيرها من النتائج التي تعكس عائداً إيجابياً للاتساق بين قدرات المشغلين واستراتيجيات عملهم (الاتساق هو ميزة متوارثة تقضي بتركيز شركة بأكملها حول مجموعة من القدرات). وإلى جانب عائد، أو علاوة الاتساق هذه، فهناك أيضاً غرامة عدم الاتساق والتي قد تتفاقم مع مرور الوقت وتوسّع الشركات في أسواق جديدة مع توسّع تركيزها الاستراتيجي. لهذا شكّل هذا الترابط بين الاتساق والربحية موضوع دراسة تحليلية أجرتها شركة بوز آند كومباني أظهرت وجود تفاوت يبلغ 10 في المئة على هامش الربح المجمّع قبل الضرائب والفوائد والإهلاك بين مجموعات الاتصالات التي تقوم ببناء محافظها استناداً إلى مجموعة القدرات الخاصة بها من جهة، والشركات التي لم تنظر في عملية التوسّع من عدسة الاتساق من جهة أخرى.
بحثاً عن حق الربح
تستطيع الشركات أن تقيس علاوة الاتساق الخاصة بها من خلال مؤشر اتساق تحدده عملية حسابية تأخذ بالاعتبار مختلف العمليات التي تتضمنها محفظة مجموعة ما والقدرات اللازمة لتحقيق النجاح لكل منها. فكلما ازداد التطابق والتجانس بين قدرات شركات المحفظة الواحدة، كلما ارتفعت نتيجة هذا المؤشر.
ولا توجد معادلة نجاح واحدة تضمن للمشغلين كافة حق الربح. فعلى النحو الأمثل، يتمتع المشغل بمجموعة واحدة من القدرات التي تؤمن علاوة الاتساق في الأسواق التي يعمل بها، ولكن على المشغل أن ينظم نفسه في بعض الأحيان ضمن ما يسمى بتكتلات، وهي دول أو مناطق متناسبة من حيث القدرات الخاصة بأسواقها. وتمثل هذه التكتلات مجموعات من الاستثمارات ذات أوجه تشابه نسبية كالموقع الجغرافي ومرحلة نضوج الأسواق ومستوى الملكية ونوع العمليات والمكانة في السوق.
وقد أظهر نهج التكتلات المبنية على القدرات استنتاجات ساعدت على تكوين منصات نجاح لبعض المشغلين؛ ما يرجح للآخرين السير على النهج نفسه لقياس درجة اتساق تكتلاتهم الفردية.
إدارة المحافظ لاتساق أفضل
لقد شرع عدد من المشغلين العالميين في عمليات فض الاستثمارات، بهدف التركيز على القدرات التي تميزهم عن غيرهم. وقد علق مدير أول في شركة بوز أند كومباني، شادي سميرة، على هذا التوجه قائلاً: «عندما تقوم مجموعة اتصالات ببيع شركة ما لا تتوافق مع نقاط قوتها الاستراتيجية، فلا يعتبر هذا بالضرورة درباً من الحكمة أو العملية، ولاسيما في حال كان أداء هذه الوحدة جيداً على المستوى المالي. لذا ننصح المشغلين بأن يضعوا أهدافاً طموحة أو أن يسعوا إلى فهم أفضل لمساهمة كل الوحدات التشغيلية لشركاتهم، عبر تقييم يشمل كل من الاعتبارات الاستراتيجية والمالية».
ومن شأن التقييم الاستراتيجي تحديد ما إذا كانت وحدات المشغّل أو استثماراته المتوقعة تتوافق مع قدراته ومنهاجية عمله. أما التقييم المالي فيأخذ بالاعتبار احتياجات الشركة من حيث النمو والربحية. يزوّد هذان التقييمان المشغل الأداة التشخيصية التي تسمح له بإجراء تقييم مستمر لمحفظته وتحديد وحدات التشغيل التي يجب الإبقاء عليها، وكذلك الوحدات التي يجب فصلها. وبهذا تشكل هذه المنهجية أداة متطورة لتقييم فرص الاستحواذ المستقبلية عبر اختبار وقعها المسبق على اتساق المحفظة والأداء المالي.
التقييم الاستراتيجي
حتى يتسنى للشركات معايرة مجموعة قدراتها بصدد القدرات اللازمة للنجاح في كل الأسواق والتكتلات، فعليها طرح سؤالين أساسيين للتقييم الاستراتيجي: «هل تعتبر السوق مناسبة لعمليات الشركة؟» و»هل تتمتع الشركة بالقدرات المطلوبة للنجاح في السوق؟».
ستساعد هذه الأسئلة المشغل على تحديد ملاءمة عملياته لتكتل ما من حيث القدرات اللازمة للنجاح، أو على تحديد اتساق التكتل ضمن المحفظة ذات المناطق الإقليمية المتعددة.
سيؤدي التحليل إلى فهم واضح لمجموعة القدرات التي تحتاجها الشركة لتحقيق النجاح في جميع الأسواق، وإذا أظهر التحليل نقصاً في بعض القدرات الرئيسة، حينها يمكن للشركة أن تقيّم إمكانية استحواذ أو تطوير هذه القدرات، أو الخروج من السوق أو من التكتل كلياً.
العدد 3535 - الجمعة 11 مايو 2012م الموافق 20 جمادى الآخرة 1433هـ