اجتمع القادة الأوروبيون مساء الأربعاء (23 مايو/ أيار 2012)، مجدّداً في بروكسل للبحث في النمو؛ لكن الخلافات بين الثنائي الفرنسي الألماني بشأن الإصدار الجديد للسندات الأوروبية المشتركة والإفلاس الذي يهدّد اليونان وهشاشة المصارف الإسبانية كل ذلك ينذر بمناقشات متوترة.
وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لحظة وصوله إنه «ينبغي التحرك من أجل النمو على الفور»، مضيفاً أن السندات الأوروبية تشكّل «جزءاً من النقاش».
وردّت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي وصلت بعده بدقائق بقولها إن «السندات الأوروبية ليست مساهمة في النمو»، داعية إلى إصلاحات بنيوية والى تعميق السوق الأوروبية الداخلية.
وأمام هذه التصريحات فتح رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي القمّة غير الرسمية بدعوة القادة إلى إبداء «ارادة قوية للتفاهم». ودعا إلى مناقشة الأفكار كافة من دون قيود للمساهمة في النهوض بالنمو تمهيداً لقمة 28 و29 يونيو/ حزيران 2012.
واحتدم النقاش خلال الأيام الأخيرة بشأن السندات الأوروبية؛ إذ سعى كل طرف إلى الحصول على تأييد خلال اجتماع قادة الدول الأعضاء الـ 27 حول مائدة العشاء.
وبعد سعيه إلى طمأنة ألمانيا بشان عزم فرنسا احترام التزاماتها في مجال الانضباط في الموازنة، أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إصراره الدفاع عن السندات الأوروبية المتمثلة في تجميع الديون وهو ما ترفضه ألمانيا بشدّة.
وكرّر وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله ذلك الأربعاء مؤكداً «طالما هناك بلد يتبنّى سياسته المالية الخاصة، فمن المستبعد توفير ضمانات مشتركة للسندات» معتبراً أن ذلك لن يحفز الدول الضعيفة على الانضباط في الموازنة.
ويحصي كل معسكر مسانديه في هذه المواجهة بين فرنسا وألمانيا التي لم يعهدها الأوروبيون في عهد الثنائي «مركوزي» (ساركوزي - ميركل).
وقد انحازت هولندا وفنلندا إلى موقف برلين في حين تدعم لوكسمبورغ وإيطاليا الموقف الفرنسي. كما يدافع المستشار الاجتماعي الديموقراطي النمسوي ورنر فايمن أيضاً عن موقف باريس؛ لكن وزيرته للمالية المحافظة ماريا فيكتر تدافع عن موقف برلين.
وانضمت أطراف اقتصادية أخرى الثلثاء (22 مايو الجاري) إلى النقاش موحية بأن السندات الأوروبية قد تكون الحل واقترح الاقتصادي بير كارلو بادوان رئيس منظمة التعاون والتنمية في أوروبا على الأوروبيين إصدار «سندات جديدة تضمنها كل الدول بالإجماع».
من جانبها دعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إلى بذل «مزيد من الجهود؛ وخصوصاً عبر تقاسم المسئوليات المالية».
ولكن يبدو من المستحيل التوفيق بين نقاط الخلاف الفرنسية والألمانية مساء الأربعاء. ولإرضاء الجميع، يبدو الحل في تشكيل مجموعة عمل برئاسة فان رومبوي ورئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو لتحديد جدول زمني توافقي لوضع تدابير انضباطية وتدابير للنمو، كما أفاد دبلوماسيان أوروبيان.
وخلال العشاء، سيشدّد باروزو على المسارات الأخرى للنهوض بالنمو التي تدافع عنها المفوضية بدءاً بزيادة رأس مال البنك الأوروبي للاستثمار التي تؤيدها باريس وبرلين وكذلك استعمال صناديق بنيوية أوروبية؛ أو الضريبة على التحويلات المالية.
وأفاد مصدر في باريس أن هولاند يعتبر أن السندات الأوروبية مهمّة وضرورية وأن ألمانيا لن تعارضها على المدى المنظور، مشدّداً على ضرورة تحديد خريطة طريق من الآن بشأن تلك المسالة.
وأشار دبلوماسي أوروبي إلى أن «ألمانيا حوّلت تدريجياً خطوطاً حمراء عدّة إلى خطوط وردية منذ سنتين» لكن من السابق لأوانه أن تغيّر رأيها من السندات الأوروبية، كذلك بشأن فكرة السماح لصناديق إنقاذ في منطقة اليورو، «آلية التضامن الأوروبية» بمنح المصارف قروضاً مباشرة.
وأضاف الدبلوماسي «إذا اتجه السيناريو اليوناني نحو الخروج من اليورو فيجب وضع آليات دفاع من العدوى» ولاسيما أن «الأسواق ستصر على المطالبة برد على السؤال الآتي: ما هي الدول التي ستدعم بعضها البعض؟».
وقال دبلوماسي أوروبي لـ «فرانس برس»، إن دول منطقة اليورو ستناقش التدابير الواجب اتخاذها في حال خروج اليونان من المنطقة بهدف تنسيق مواقفها حتى وإن كانت لا تعتقد أن هذا السيناريو سيتحقق ولا تتمناه.
وقال إنه تمّت مناقشة ضرورة التفكير في التدابير التي ستتخذ على المستوى الوطني تحسّباً لمثل هذا الاحتمال، خلال اجتماع لكبار المسئولين الاثنين.
وأضاف «علينا أن نكون مستعدين، هذا طبيعي، ولكن هذا لا يعني أننا نعتقد أن الأمور ستسير في هذا الاتجاه».
وسيكون مصير اليونان من أهم موضوعات النقاش الأربعاء. وأعلن هولاند الأربعاء تصميمه على بذل كل ما بوسعه لإقناع أثينا بالبقاء في منطقة اليورو واقناع الأوروبيين بضرورة إبقائها، في ختام لقاء مع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي.
واستقبل باروزو بعبارات مماثلة رئيس الوزراء اليوناني بالوكالة بنايوتيس بيكرامينوس، مؤكداً أن المفوضية «تأمل بشدة ببقاء اليونان داخل اليورو. سنفعل كل ما هو ممكن من أجل ذلك».
وسيعرض بيكرامينوس تقييماً للوضع قبل أقل من شهر على الانتخابات التشريعية المقررة في 17 يونيو المقبل التي قد تنتهي بفوز الأحزاب الرافضة التقشف وفتح المجال أمام إفلاس البلاد وخروجها من اليورو.
كذلك يحتمل أن يتناول النقاش وضع المصارف الاسبانية الهشّة الذي يثير مخاوف المصارف؛ على رغم أن حكومة مدريد شدّدت مؤخراً على أنها ليست في حاجة إلى مساعدة خارجية لتسوية أوضاعها.
العدد 3548 - الخميس 24 مايو 2012م الموافق 03 رجب 1433هـ