صفة لليل عابر، جغرافية الفردوس، شيء من السهو في رئتي، موهبة الخراب، مبثوث في مرافىء الغبار، تعب شاغر، أدير إلى النوم ظهر النعاس، حين يندم الذئب.
ذلك مجموع ما أنتجه الشاعر البحريني جعفر علي الجمري من مجموعات شعرية حتى الآن. وهي منذ المجموعة الأولى وحتى الأخيرة «صفة لليل عابر» ذات عناوين ذي جرس وعبارة مثيرة مهيجة لمكامن الفكر. فعنوان المجموعة الأخيرة للجمري يفتح الشهية على مصراعيها لتتساءل عن أي ليل يتحدث الشاعر وعن أية صفة يبحث؟
ان الشاعر يدعو المتلقي هنا كي يحيل ما يقرأه من قصائد شعرية إلى عنوان المجموعة وهو «صفة لليل عابر». فعنوان المجموعة منفذ نلج منه إلى ما يفكر فيه الشاعر وما يحاول التعبير عنه من دون أن يترك للقارئ أن يتصور أن العنوان مجرد جملة شعرية. وانما هي جملة تحمل من التعابير والانحياز إلى وجهات شعرية أخرى الشيء الكثير.
فجملة «صفة لليل عابر» مدخل نلج منه إلى زوايا النصوص الأخرى التي هي بالضرورة تؤكد ما تسع المجموعة من آفاق ومساحات شاسعة للتأمل. وهنا لا تعود قراءة المجموعة قراءة أحادية بمعنى أن نقرأ النصوص واحدة اثر واحدة. وانما نص يستنفر طاقته ومحاسنه من أجل نص جميل آخر. نصل به إلى الفضاء أو الليل الذي يتحدث عنه الشاعر وعن الصفة التي يحاول وصفه بها.
حتى اذا وصلنا إلى هذه المعرفة تسألنا عن أي ليل يتحدث الشاعر؟ هل يحاول الجمري في مجموعته الأخيرة أن يصف لنا شيئا من سيرته الذاتية؟! أم ماذا؟ وهل جعل عنوان المجموعة واضحا من أجل تحقيق تلك الغاية؟ رغبة منه في اكتشاف صفات جديدة من ليل سيرته. لتكون النصوص طريقة يتلمس بها اضاءة شيء من ملامح تلك السيرة؟. انه لا يبرح يكرر عباراته التي تشي بالبيت والأب والأم.
يقول في نصه ابن ماء الأرض «سلاما أينما كانت رؤاك/ سلاما أيها الأب في اعتزالك/ لا ضغينة/ أذكر المفتاح حين تدس أمي/ دفئها تحت المخدة/ كي أفر إلى الصباح الرحب/ من ليل العصا». ويقول في نص آخر بعنوان قل لي يا أبي «هل أجفو قليلا/ حين لا أغفو قليلا؟/ حين لا أغفو على صوت/ تكاد تكون فيه/ أفز من موتي/ أعاين غرفة الجلد المقدس فيك/ ... شمس الله باكية علي/ ووجه أمي اذ يميل إلى العذاب/ كأنه يوم القيامة».
غير أننا سرعان ما يتلاشى أمامنا هذا التصور. فنحن لا نجد في تلك النصوص ما يشي بالهدوء والاسترخاء عند مفردات تلك السيرة بل ان النفس المحتدم في تلك النصوص يكاد يلغي تلك التعابير ويحيلها ضمن بوتقة الشعور إلى نصوص ملتهبة المشاعر وقادرة على زعزعة الثقة في ذائقة المتلقي التي ترى ذلك التصور. فهي ليست سيرة سردية اذاً وإلا لحكمها منطق ورغبة حثيثة من الشاعر في الوضوح.
والوضوح عدو مقيت عند الجمري الذي يرفض دائما هذا الزائر الثقيل في كل ما كتب فالجمري شاعر يوغل في مشاكساته ويرفض أن يحصر قارئه «بين حجرين» فهو وان خاطب الحجر في مجموعته بقوله «يا أيها الحجر المعلق بين فاتحتين/ لا تترك مفاتيح الجهات/ تعيد ترتيب البيوت هناك/ في نثرية المنفى». الا أن مدلول ذلك الحجر هو رغبته في أن يترك لقارئه حرية اختيار المنطق الذي يحقق له التواصل مع تلك النصوص
العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ