العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ

كتاب «شعر مصطفى جمال الدين»... انحراف عن مصطلح السياق

يعود به آل ربح إلى ما قبل مدرسة النقد الجديد

صدر قبل عدة شهور كتاب عبدالله فيصل آل ربح بعنوان: «شعر مصطفى جمال الدين دراسة فنية» عن دار الانتشار العربي في بيروت، ويعد هذا الكتاب الدراسة الأكاديمية الأولى - بحسب ما أعلم - عن الشاعر جمال الدين، ونال آل ربح درجة الماجستير عن هذا الكتاب الذي هو في أساسه أطروحته التي قدمها لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك سعود في الرياض.

ويقع الكتاب في 300 صفحة من الحجم الكبير، وقسمه الكاتب إلى ثلاثة فصول جاءت كالآتي: الروافد المشكلة للذاكرة الإبداعية للشاعر، المضامين الشعرية، الخصائص الفناية، إضافة للتمهيد والمقدامة والخاتمة.

اضطراب منهجي

في صفحة 29 يقول الكاتب «لكل مبدع شاعرا كان أو غيره روافد كونت فيه ذاكرة إبداعية استطاع فيما بعد أن يستغلها ليخرج إنتاجه مستفيدا منها بحسب قدرته على تشرب تلك الروافد وإخضاعها لمصلحة نصه، من هذه العبارة بنى الكاتب على أساسها مصطلح السياق وهذا لا خلاف عليه لكنه انحرف عن مصطلحه حينما استخدم عبارة عبدالله الغذامي في كتابه الخطيئة والتكفير إذ يقول «معرفة السياق واداركه عملية ضرورية لتذوق النص وتفسيره»، «فالسياق إذاً هو الرصيد الحضاري للقول وهو الطاقة المرجعية بحسب تعريف الغذامي أيضاً... نجد الاضطراب المنهجي هنا في استخدام مصطلح السياق إذ يستخدمه الكاتب بمعنيين، فالسياق في العبارة الأولى هو المصطلح الذي بلورته المدارس السياقية (الاجتماعية، النفسية، التاريخية) في حين ان الاستخدام الثاني والذي توجه بعبارة الغذامي فهو المصطلح الذي بلورته المدارس الألسنية (البنيوية، مدرسة الاتصال واستجابة المتلقي، التفكيك)، وعندما نعود لكتاب الخطيئة والتكفير الذي اعتمده الكاتب في الهوامش واستشهد بعبارة الغذامي عن السياق نجد الغذامي يقول في صفحة 10 فالسياق ضروري لتحقيق هذه الهوية، كما أن السياق لا يكون إلا بوجود نصوص تتجمع على مر الزمن لينبثق السياق منها. وهذا يعني اعتماد السياق والشفرة على بعضهما لتحقيق وجودهما ويقول الكاتب: يجدر بنا أن نفرق بين السياق الخاص والسياق العام بناء على تفريق الغذامي إلا اننا نجد الغذامي يقول في صفحة 11 نحتاج إلى سبر هوية (السياق) الرئيسي للكاتب لنعرف من ذلك كيف نفسر نصوصه ونرتبها داخل سياقها الخاص وهو السياق الأدبي الموروث. وسياقها الخاص وهو مجموع أعمال الأديب الذي أنتج نصوصا تداخلت مع بعضها في علاقات متشابكة»... ومن هذه العبارات وما ذكره الكاتب في صفحة 29 ندرك الخلل المنهجي في استخدام مصطلح السياق، وبنى الكاتب على عدم وضوح هذا المصطلح الفصل الأول كاملا...

البعد المقدس للأسطورة

في صفحة 56 من الكتاب يستشهد الكاتب بأنس داوود اذ يقول في سياق تعريفه للأسطورة «تلك المادة التراثية التي صيغت في عصور الإنسانية الأولى، وعبر بها الإنسان في تلك الظروف الخاصة عن فكره ومشاعره تجاه الوجود، فاختلط فيها الواقع بالخيال وامتزجت معطيات الحواس والفكرة واللا شعور واتحد فيها الزمان كما اتحد فيها المكان»... يقول ميرسيا ايلياد في كتابه «ملامح من الأسطورة» ترجمة حسيب كاسوحة تروي الأسطورة تاريخا مقدسا، وتخبر عن حدث وقع في الزمن الأول، زمن البدايات العجيب وسبق عبارته بقوله عن التعريف بأنه الأكثر شمولا بين سائر التعريفات لذلك هو الأقل كمالا، ونجد أن تعريف أنس داوود قد استبعد المشترك العام بين جميع التعريفات التي اقتنص منها ايلياد التعريف العام للأسطورة وهو البعد المقدس في الأسطورة، ونجد أن الكاتب قد أدخل ألف ليلة وليلة ضمن الأسطورة والتي لا ينطبق عليها أبرز أبعاد الأسطورة وهي الزمن الذي صيغت فيه، زمن الإنسانية الأولى، إضافة للمقدس...

استبعاد لأدوات نقد حديثة

لو تأملنا في المنهج الذي قام الكاتب باستثماره في قراءة النصوص، فسنرى أن هذا المنهج ينتمي لحقل الدراسة البلاغية لا النقدية، فباستثناء (التناص، التشكيل بتراسل الحواس) نجد الكاتب اعتمد في دراسته أدوات بلاغية كالتجريد والتشخيص والتمثيل والتجسيم، مستبعدا الأدوات النقدية الحديثة كـ «تحرير الإشارة، الوحدة أو الجملة الشعرية، إنتاج النص، انفتاح الدلالة أو إغلاقها، الفراغات، التشتت الدلالي، الاختلاف» فالدراسة تعتمد بحسب وجهة نظري على منهجية شبه الشاعر هذا بذاك التي نجدها بكثرة في صفحات الدارسة خصوصا في الفصل الثالث الذي عنونه بــ «الخصائص الفنية»...

يعود بنا آل ربح في كتابه إلى ما قبل ظهور مدرسة النقد الجديد على يد ريتشارد، وت. إس. أليوت في الثلث الأول من القرن العشرين، وذلك لأن الدراسة تتعامل مع جزئيات العمل الشعري لا مع النص كبنية لغوية متكاملة إذ لا يوجد في الدراسة أي تعامل وقراءة لنص متكامل، وهذه المنهجية هي المنهجية السائدة عند النقاد العرب في القرن التاسع والعاشر الميلاديين حتى المدارس السياقية التي تمت القطيعة معها منذ دشن سوسير مفاهيم مغايرة لطبيعة اللغة وعمل الإشارة في فضاء النصوص والوقائع اللغوية..

العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً