العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ

من تراث المعجم الزراعي: «منجور الزاجرة»

تناولنا في الفصل السابق أصل مسمى «الزاجرة» وقد رجحنا أن أصل اللفظ أكدي. بالطبع هناك من يرى أن أصل اللفظ عربي. هناك خلاف قائم بين مدرستين الأولى متشددة وتحاول دائماً إيجاد أصول عربية للألفاظ العامية ونادراً ما تعترف بوجود أصل أكدي أو آرامي، وعلى نقيض ذلك، هناك مدرسة أخرى شديدة الانفتاح وهي تميل في الغالب إلى ترجيح الأصل الآرامي أو الأكدي، وهناك بالطبع المدارس الوسطية. وهناك عامل مشترك بين جميع تلك المدارس وهو اعترافها بوجود ألفاظ في العربية والآرامية والأكدية تتشابه لفظاً ومعنى، وجميع هذه المدارس تعترف بوجود تقارض من الآرامية والأكدية في اللغة العربية، إنما الخلاف على نسبة ذلك التقارض وليس أصل التقارض، أما تشابه عدد من الألفاظ العربية لفظاً ومعنى مع ألفاظ آرامية أو سريانية أو أكدية بأنواعها كالآشورية والبابلية فقد أرجعته أكثر المدارس تشدداً للعربية إلى وجود لغة سامية هي اللغة السامية الأم التي تفرعت عنها تلك اللغات وأن نسبة اقتراض العربية من تلك اللغات قليلة جداً (السامرائي 1985، ص 23). أما من يرفض فكرة التقارض ويرفض وجود تشابه في الألفاظ العربية والآرامية والأكدية بصورة قطعية فإني لا أجد أسباباً واضحة لمثل هذا الرفض غير التعصب.

ما بين الأصل السامي

والأصل الفارسي

في الفصول السابقة كررت عبارة الترجيح إلى»الأصل الأكدي والآرامي» لعدد من الألفاظ، وقد انتقدنا البعض لكثرة هذا الترجيح، لكنه ترجيح له أسبابه، فلم أشأ أن أردد العبارة التي يحب أن يرددها الآخرون وهي «الكلمة من أصل فارسي» حتى أسمى البعض هذا الترجيح باسم «الشماعة الفارسية». وعندي أن أرجع أصل لفظة ما إلى أصلٍ آرامي أو أكدي (وهي لغات سامية) أهون من أن انسبها للغة غير سامية، أي التعويل على «الشماعة الفارسية»، ونظرة بسيطة للكتب التي عولت على هذه «الشماعة» يبين خطأ التعويل عليها، على سبيل المثال يذكر حسين قورة في كتابه عن تداخل الألفاظ الأجنبية عند المواطن البحريني، أن أصل لفظة «سكان» (بمعنى مقود) فارسية (قورة 1993، ص 92) وقد سبق أن ذكرنا أن اللفظة وردت في اللغة الأكدية والآرامية ومعاجم اللغة العربية. وكذلك عبدالأمير زهير في كتابه «تطور اللهجات البحرينية» يرجع أصل لفظة «زبيل» إلى الفارسية (زهير 2021، ص 81)، وهي أيضاً لفظة ذكرت في اللغة الأكدية والآرامية ومعاجم اللغة العربية فهل أخذ الآشوريون والبابليون ألفاظهم عن الفرس؟! وقد ظهرت «شماعات» غريبة يلجأ لها البعض وهي الهندية والأردية وحتى اليونانية والإيطالية، على سبيل المثال، يذكر زهير في كتابه أن أصل لفظة «عكار» (أي أكار بمعنى فلاح) يونانية (زهير 2021، ص 97) وقد سبق الحديث عن أصل هذه اللفظة في فصل سابق وقد ذكرنا أنها وردت في الأكدية والآرامية ومعاجم اللغة العربية. ويذهب سعد مبخوت في كتابه «أصول لهجة البحرين» إلى أبعد من ذلك؛ حيث يرجح أن لفظة «جص» من إيطالي (مبخوت 1993، ص 85)، وقد سبق أن قلنا في فصل سابق أن هذه اللفظة وردت في اللغة الأكدية و المعاجم العربية. وهناك العديد من الترجيحات الغريبة والتي نتجت من عدم تحديد منهجية علمية رصينة في التحقيق، نحن لا نرفض وجود ألفاظ دخيلة في اللهجة من تلك اللغات الأجنبية ولكننا نحتاج إلى منهجية صحيحة ورصينة في تحقيق ألفاظ اللهجات في البحرين، وهذا موضوع سنتناوله بالتفصيل في فصول مقبلة.

خلاصة الأمر أننا في الفصل السابق قلنا إن لفظة «زاجرة» أو «جازرة» من المرجح أنها أكدية الأصل، وبنسبة أقل، قد تكون من أصل عربي أو أنها لفظة سامية تطورت بصور مختلفة في الأكدية وفي العربية. وما يجعلنا نذهب إلى ترجيح الأصل الأكدي أن أهم جزء في الزاجرة وهو البكرة يعرف باسم «المنجور» وهو اسم من المرجح أنه من أصل أكدي.

المنجور والمحالة والبكرة

البكرة هو الاسم العربي العام لآلة على شكل عجلة بها تجويف يمر بداخله حبال وتساعد في عملية رفع الأشياء. وللزاجرة بكرة خاصة تعرف باسم المنجور في اللهجات الحضرية في البحرين وشرق الجزيرة العربية، بينما في اللهجات الأخرى في الجزيرة العربية؛ إذ تعرف الزاجرة باسم السانية فإن بكرة السانية تعرف باسم المحالة؛ أي أن المنجور مرتبط بلفظة الزاجرة بينما المحالة مرتبطة بالسانية. والمنجور أو المحالة، هو عبارة عن بكرة خشبية كبيرة تثبت في الزاجرة بواسطة خشبة تسمى (حطبة المنجور) أو المحور وذكرها الناصري باسم محوار (الناصري 1990، ص 10). و يوجد على طرفيه 15 أصبع يسمون الواحدة لعبة أو لسان. ويكون المنجور هو مصدر الصوت الذي يطرب له صاحب الزاجرة، ويكون له لحن معين وينتج الصوت من جراء حركة المنجور وكذلك عن احتكاك الحبل الذي يجره الثور والذي يكون مربوطاً بالدلو ويمر على المنجور.

وتعتبر التسمية «محالة» من الألفاظ الأكثر شهرة وهي المستخدمة في كتب اللغة وفي أشعار العرب، جاء وصفها في معجم «تاج العروس» (مادة محل). «المَحالَة: البَكْرَةُ العظيمةُ التي يَسْتَقي بها الإبلُ، كالمَحالِ بغيرِ هاءٍ، وكثيراً ما تَسْتَعملُها السَّفّارَةُ على البِئارِ العميقة، وهي مَفْعَلةٌ لا فَعالَةٌ، بدَليلِ جَمْعِها على مَحاوِلَ، سُمِّيَتْ لأنّها تدورُ فتنْقُلُ من حالةٍ إلى حالةٍ».

وكذلك لفظة منجور وردت في كتب اللغة العربية ولكنها من النوادر وكل من ذكر هذا الاسم أرجعه لمصدر واحد وهو ابن دريد الذي انفرد بذكر هذا الاسم في معجمه «جمهرة اللغة»؛ إذ جاء في (مادة جرن) من هذا المعجم: «المنجور، في بعض اللغاتَ المَحالة التي يُسْنَى عليها».

المنجور أكدي أم عربي

لاحظ أولاً ارتباط الألفاظ، فالجماعات التي يشيع عندها مسمى الزاجرة هي ذاتها التي تسمي بكرة الزاجرة بالمنجور، بينما الجماعات التي يشيع عندها اسم السانية تسمي البكرة المحالة. والأسماء سانية ومحالة هي الأسماء العربية التي لم يختلف عليها. بينما اسم زاجرة غير وارد في كتب اللغة واسم المنجور من النوادر في اللغة. ونرجح هنا أن المنجور من اللفظة الأكدية مَگرُّ magarru بمعنى عجلة (CAD 2004، v. 10، part 1، p. 32)، وقد سبق أن تحدثنا عن المغايرة بإضافة حرف النون في الألفاظ الآرامية والأكدية، وبذلك تحولت اللفظة إلى منجور بالمغايرة وبإشباع الضمة واو.

صوت المنجور

يسمى صوت البكرة عند العرب القعقعة (المخصص، ج 9 ص 170)، ويبدو أنه اشتق اسم للبكرة من صوتها وهو الاسم الذي ذكره ابن الأعرابي في كتابه البئر وهو القعوقب (طبعة الهيئة المصرية 1970، ص 71) وقال عنه «خشبة مدورة عظيمة لها أسنان فيها كأسنان الرحى. قال الشاعر:

كأن صوت نابه الأذب

صريف خطاف بقعوقب»

ويختلف تشبيه صوت المنجور من شخص إلى آخر بحسب التجربة الإنسانية التي عاشها، فيكتب حمدي عبدالله (في الشبيبة) وهو يشاهد منظر العاملين ويستمع لصوت المنجور:

«صوت المنجور قصة أخرى من أساطير ألف ليلة وليلة وسمفونية تدغدغ كل الحواس وتشد كل من يسمعها ليتابعها باهتمام فهي تشد الهمة وتفجر الإرادة وتدفع للمزيد من العطاء».

بينما يكتب الشاعر المصري الأبنودي متذكراً حياة الصغر عندما عمل جازراً يجر الجاموسة التي تحرك الساقية، فوصف صوت الساقية بالأنين فالساقية «تئن مصدرة لحنها الأساسي وهي تدور، ويئن «الجازر» معها بأغنية تعبر عن شكوى حارة يطلقها غلام فقير، يتيم غالباً، يضطر إلى العمل وحيداً ليلاً في الحقول الموحشة». ووثق الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» العديد من مواويل الزاجرة (الناصري 1990، ص 17 - 39) منها:

منجورنا صاح ومنجور العشگ غنى

اوحس مجنون ليلى صاح ما غنى

وفراگ لحباب منا للضلع حنى

وايدنا نجلت من قلت الحنا

والدهر غدار فرقنا ولا ونه

لا صيحة منا سمع أبدا ولا ونه

والحزن بحشاي تسمع له الإذن ونه

ومنهاب لگروم من أهل الفزع حنا

العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:09 ص

      صوغة عشك

      الحان جميلة تعيدنا الى الماضي الجميل ( وللتوضيح الماضي مؤلم ولكن دكرياته حلوة اذا ما قارنه بهذا الزمن ) فهذه مواويل العشق الصادق يعشقها الخواص من اخيه الفلاح عبر سيبان العيون بعد ان تسقي الزرع لتزهر الوديان وتثمر الشجرات لتلامس شواطئ البحرين لتهدي الغواص صوغة عالية من اخيه الفلاح ، وبمناسبة الصوغة اهدي للقراء اغنية جميلة جدا للفنان الكبير فاضل عواد ، ينجوم صيرن كلايد يا كمر شدره صوغة عشق للولف يضون على صدره فنقول جمال الماضي من هذا المنطلق لانحرم فيه الكلمة الحرة ولا اللحن الجميل

اقرأ ايضاً