أشار تقرير صادر عن معهد حوكمة الشركات (حوكمة) و«معهد التمويل الدولي» إلى أن تصحيح الأسعار الذي شهدته أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي، مدعومهً بالنمو المتزايد في نشاط الشركات الخليجية في الأسواق الغربية، بدأ يأخذ توجهاً صاعداً نحو تحسين معايير حوكمة الشركات في المنطقة. جاء الكشف عن التقرير خلال الاجتماع السنوي لمعهد التمويل الدولي في سنغافورة في إطار استراتيجية تسعى إلى تنسيق وتوحيد معايير حوكمة الشركات في دول الخليج وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
ويعد تقرير «حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي من منظور المستثمر» أول دراسة لقياس معايير الحوكمة المتبعة في المنطقة، وجاء بعد سلسلة من الاجتماعات مع كبار المسئولين في سلطات الأسواق المالية والمصارف المركزية والبورصات، ومديري الصناديق الاستثمارية المحليين، والمحامين والخبراء والمحاسبين والاستشاريين الإداريين المهتمين بحوكمة الشركات في مجلس التعاون.
وقال محافظ مركز دبي المالي العالمي عمر محمد أحمد بن سليمان: «ستساعد نتائج الدراسة صناع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي في تحديد مجالات الإصلاح الرئيسية ونشر الوعي بمزايا الحوكمة الجيدة بالنسبة إلى الشركات والأسواق«.
من جهته، قال المدير التنفيذي لمعهد حوكمة ناصر السعيدي: «تظهر دراسة حوكمة - معهد التمويل الدولي أن حوكمة الشركات في دول الخليج لاتزال في مراحلها الأولى من التطور. ولكن الدراسة تشير أيضاً إلى أن تقدماً حقيقياً حصل مع بدء الدول بتعديل القوانين الحالية للشركات وتعزيز آليات المحاسبة وتلبية متطلبات الحوكمة في الشركات. وإدراكاً منهم لحقيقة أن الحوكمة الجيدة تشكل عاملاً أساسياً في ضمان استدامة النمو والتطور في منطقة الخليج، نرى أن صناع القرار بدأوا يمسكون بزمام المبادرة ويلتزمون بتطبيق معايير أكثر أماناً لحوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الست«.
وعلق مدير عام معهد التمويل الدولي تشارلز دالارا: «لقد سررنا بإنجاز هذا التقرير المشترك مع حوكمة، كما أننا سعداء بالتعاون الكبير الذي لمسناه من الدول التي شملها التقرير خلال إعداده. وفي الوقت الذي لاتزال فيه ممارسات حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي دون المستويات العالمية في عدد من المجالات، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع على ضرورة نشر ثقافة أفضل في مجال حقوق المساهمين وإعطاء الأولوية إلى برامج تعزيز حوكمة الشركات. ونحن متفائلون جداً في هذا الصدد نظراً للتصميم الذي يبديه كل من حوكمة ومركز دبي المالي العالمي والهيئات العالمية في المنطقة.
وقال بيان صحافي للمعهد: إنه قد حدثت هذه التطورات الأخيرة في مجال الحوكمة في المنطقة مدفوعة بأربعة عوامل رئيسية منها أن منظمي أسواق المال يستخدمون التصحيح السعري الأخير في أسواق الأوراق المالية الخليجية من أجل «تحديث» إطار عمل حوكمة الشركات. ففي الوقت الذي تدرك فيه السلطات أن تصحيحات الأسعار ليست مرتبطة مباشرة بضعف معايير حوكمة الشركات، كان هناك ضغط من جمهور المستثمرين لكي تتدخل هذه السلطات بسبب تشجيعها لهم سابقاً على المشاركة الواسعة في الإصدارات الأولية العامة. وقد تم وضع مسودة قوانين لحوكمة الشركات وتطبيقها من قبل سلطات أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث طبقت بورصة مسقط هذه القوانين في العام 2003 وتبعتها سوق أبوظبي للأوراق المالية في العام 2006. وفي هذه الأثناء، فقد أعد المنظمون في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والكويت مسودة قوانين من المتوقع أن يتم تطبيقها في العام 2007.
كما أن النشاط المتزايد للشركات الخليجية في الأسواق العالمية يسهم في تحسين معايير القطاع الخاص وفقاً لأفضل الممارسات العالمية. فقد أنجزت الشركات الخليجية عمليات استحواذ بقيمة 25.9 مليار دولار في المملكة المتحدة وأوروبا وأميركا الشمالية خلال العام الجاري وحده. ومن المتوقع لهذا التوجه أن يستمر مع مواصلة القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي التوسع من خلال الاستحواذ على أصول أجنبية.
والقطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي يقدم مساهمة كبيرة في أعقاب التزام المصارف المركزية بتلبية متطلبات «بازل1» و«بازل2«. قامت المصارف المركزية في دول مجلس التعاون الست بتعديل أنظمتها لتتضمن متطلبات حوكمة الشركات، مثل تحقيق الشفافية والإفصاح في البيانات المالية، وإجراء تدقيق على مستوى مجلس الإدارة، وتشكيل لجان التعيينات والتعويضات، وتعزيز إدارة المخاطر.
وسيعزز فتح أسواق المال الخليجية أمام الاستثمارات الأجنبية المعايير داخل الشركات المدرجة في أسواق دول مجلس التعاون نتيجة لارتفاع سقف التوقعات من هؤلاء المستثمرين.
ولفت رئيس مجموعة استشارات حقوق المساهمين في معهد التمويل الدولي ومدير الاستثمار التنفيذي للأسواق العالمية الناشئة في ألايينس بيرنشتاين إدوارد بيكر: «لقد تم في تقرير دول مجلس التعاون الخليجي، كما هو الحال بالنسبة إلى جميع تقارير مجموعة استشارات حقوق المساهمين، مراجعة آليات حوكمة الشركات من منظور مستثمرين محترفين في الأسواق العالمية، إذ جرت عملية التقييم وفقاً لقوانين معهد التمويل الدولي الخاصة بحوكمة الشركات. ومن وجهة نظر المستثمر، فإنه من الأهمية بمكان وجود تحرك واضح في المنطقة في الاتجاه الصحيح، الأمر الذي يمكنه بناء وتعزيز الثقة. ونأمل أن القطاعين العام والخاص في المنطقة سيعملان معاً في الفترة المقبلة لإحداث تطويرات كبيرة في الإطار العام لحوكمة الشركات في دول مجلس التعاون«.
وقال رئيس لجنة الشرق الأوسط في مجموعة استشارات حقوق المساهمين، وعضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في بنك الكويت الوطني إبراهيم دبدوب: «يقوم التقرير الجديد على دراسة متميزة أجراها معهد حوكمة ومعهد التمويل الدولي عن ممارسات حوكمة الشركات، ومن شأن نتائجه أن تشكل معياراً لقياس التطور الذي تحرزه دول المنطقة في مجال تطبيق الممارسات العالمية التي باتت حاجة أساسية يسعى المعهدان إلى تحقيقها ويشجعان عليها«.
ويقدم التقرير عدداً من التوصيات التي تضمن لدول مجلس التعاون الخليجي الارتقاء بحوكمة الشركات إلى مستويات جديدة تنسجم مع المعايير المعتمدة في معهد التمويل الدولي وهي:
- هناك حاجة إلى المزيد من الالتزام بتطبيق حوكمة أفضل للشركات من قبل السلطات السياسية وكبار المسئولين الحكوميين المعنيين بتطوير أسواق المال من أجل تفعيل التغيير الحقيقي. يتعين على المنظمين تنفيذ إصلاحات حوكمة الشركات بشكل عاجل في الشركات الحكومية، والتي تعد مساهماً رئيسياً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن تسريع إصلاح قطاع الشركات من خلال مطالبة الموردين وشركات القطاع الخاص بتطبيق معايير جيدة للحوكمة.
- يحتاج المنظمون في دول مجلس التعاون الخليجي إلى التعاون بشكل أوثق لتعزيز أسواق الأسهم في المنطقة باستثناء المملكة العربية السعودية والكويت، تعد أسواق الأسهم في المنطقة صغيرة وضحلة نسبياً وبالتالي، فإن تشكيل لجنة خليجية لحوكمة الشركات، تضم المنظمين والمشاركين في السوق، سيساعد في توحيد المعايير والممارسات والأنظمة وتطبيقها في جميع أسواق الأسهم في المنطقة. وهذا من شأنه الحد من المخاطر السائدة عبر مطالبة الشركات المصدرة للأوراق المالية بالحصول على تصنيف ائتماني، وتطبيق إجراءات أكثر صرامة في تحديد أسعار الإصدارات الأولية العامة، وتشجيع تطوير قوانين التداول الخاصة بالمطلعين على بواطن الأمور، وتثقيف المستثمرين.
- تشكيل محاكم مختصة لتطبيق قوانين الأوراق المالية، ما يسرع البت في القضايا ذات الصلة بالأوراق المالية والتمويل وتقليص كلف المحاكمات.
- تعزيز الشفافية المالية من خلال توحيد قواعد إعداد التقارير المالية، خصوصاً التقارير السنوية المقدمة للمساهمين.
- فتح سجل للشركات ومطالبتها جميعاً (ابتداء من المؤسسة الفريدة وانتهاء بالشركة المساهمة العامة) بتوفير المعلومات، ما يساعد الشركات غير المدرجة في تطوير ممارسات أفضل لإعداد التقارير المالية.
وقال القائمون على المعهد إن التقرير يعد الخطوة الأولى في إطار الجهود المنسقة التي يبذلها «حوكمة» وشركاؤه لتوحيد معايير حوكمة الشركات في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام. وستتبع دراسة دول مجلس التعاون الخليجي بدراسة أخرى عن أنظمة حوكمة الشركات في غيرها من دول المنطقة عموماً وبمجرد الوصول إلى تقييم للمعايير العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سيتم تقديم التوصيات إلى صناع القرار لإيجاد مجموعة موحدة من المعايير للقطاعين العام والخاص في هذه المنطقة.
وأضاف السعيدي: «في الوقت الذي يشير فيه هذا التقرير إلى تحسن واضح في معايير حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الحاجة لاتزال قائمة إلى المزيد من التحسينات. فإذا ما أرادت السلطات المعنية في دول الخليج الارتقاء بهذه المعايير إلى مستويات عالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز كفاءة الأسواق، فإنه يتعين عليها الحزم في القيادة وتطبيق القوانين في هذا المجال بكل جدية. ونحن نعتقد بأن الإرادة السياسية متوافرة لتحقيق ذلك ونتوقع المزيد من التطور في السنوات المقبلة«.
يشار إلى أن «حوكمة» يقدم التعاون والدعم الفني لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ومملكة البحرين، ودولة الكويت، والمملكة العربية السعودية
العدد 1488 - الإثنين 02 أكتوبر 2006م الموافق 09 رمضان 1427هـ