العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

المخرج زونكه فورتمان يذكر الجميع بحكاية مونديال 2006

قصة شاعرية حصلت في صيف ألمانيا

خلال الأشهر والأسابيع الماضية حصلت حوادث كثيرة جعلت الناس على وشك نسيان بطولة العالم لكرة القدم. في الأيام المقبلة يعرض في صالات السينما بألمانيا فيلم عن المنتخب الألماني لكرة القدم وقصة النجاح التي أوقفها المنتخب الإيطالي بإزاحته ألمانيا عن الفوز للمرة الرابعة بكأس العالم. قبل ثلاثة أشهر عاشت ألمانيا حمى المنتخب الألماني وظهرت مشاعر قومية لم يعرفها الألمان من قبل فحملوا الأعلام الألمانية على السيارات والشرفات وارتدوا قميص المنتخب. هذه اللحظات صورها مخرج الأفلام زونكه فورتمان ووضعها في فيلمه(ألمانيا... حكاية صيف) من المنتظر أن تستعيد الذكريات والمشاعر كما يكشف الفيلم لأول مرة عن شخص المدرب الألماني يورغن كلينسمان كما لم يعرفه أحد من قبل.

بعد ثلاثة أشهر حصلت حوادث كثيرة منها ما مس المنتخب الألماني أيضا. فقد استقال كلينسمان من منصب المدرب الاتحادي وترشحه الشائعات لتولي منصب مدرب منتخب الولايات المتحدة إذ يعيش منذ سنوات مع زوجته الأميركية وولدهما في كاليفورنيا. لكن هذا الفيلم مرشح لتحطيم أرقام بيع تذاكر السينما في ألمانيا. كثيرون يريدون استعادة حلم صيف 2006 حين كانت ألمانيا على وشك الفوز بكأس العالم لكرة القدم ولم يكن أحد رشحها لذلك. في الغضون عاد الألمان ليغرقوا في مشكلاتهم لكن فيلم زونكه فورتمان يأتي كحلم جميل يعيد ذكريات جميلة لم يمض عليها زمن طويل. أنه الشعور الذي لم يعرفه الألمان من قبل. حتى السياسة حصلت على إجازة حين استضافت ألمانيا مباريات كأس العالم لكرة القدم. لكن المشكلة أن قصة النجاح والشعور بمبدأ كلينسمان (بوسعك تحقيق النجاح من خلال المثابرة) انتهى مع نهاية بطولة العالم. وحين سئلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن مزاج المواطنين في بلدها قالت أنها تتمنى لو تتواصل مشاعر الوطنية التي عبر عنها الألمان خلال كأس العالم. الآن يأتي فيلم زونكه فورتمان يذكر الجميع بحكاية صيف 2006.

بقدر ما تعتبر بطولة العالم لكرة القدم 2006 قصة شاعرية بالنسبة للألمان إلا أن هؤلاء ما زالوا تحت رزح صدمة قوية نتيجة خروجها في دور نصف النهائي على أيدي الطليان. لاعبو المنتخب الألماني الذين فازوا بالمركز الثالث وعنده توقفت قصة النجاح، حصلوا على شعبية واسعة في ألمانيا وخارجها. فيلم زونكه فورتمان أيضا كادأ يكون أهم فيلم يوثق قصة نجاح ألمانية لو فازت ألمانيا بكأس العالم 2006. فقد حصل على ثقة المدرب الألماني ولاعبيه وسمح له أن يدخل بعدسته غرف نوم اللاعبين ويسجل نشاطاتهم وراء الكواليس: في فندق(شلوس) البرليني الذي كان مقر المنتخب خلال البطولة، وفي غرف الملابس في الملاعب، قبل الهزيمة أمام إيطاليا وبعد الهزيمة، وعند الاحتفال، وعند البكاء. إنها الصور التي يريد الألمان الآن رؤيتها ليتذكروا قصة شاعرية جرت في ألمانيا في صيف 2006. وعلى رغم أن فوز ألمانيا لأول مرة بكأس العالم لكرة القدم العام 1954 صور بالأبيض والأسود وجزء منه بالألوان، فإنه تم قبل سنوات تصوير فيلم بعنوان (معجزة بيرن) عرضه التلفزيون الألماني خلال صيف 2006 ليذكر الألمان بالانتصار الرياضي الكبير الذي ساعد في عودة ألمانيا إلى الحظيرة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ونتائجها المدمرة لألمانيا وأوروبا والعالم.

في العام 45 أيضا كانت فرصة المنتخب الألماني ضعيفة جدا فحين خسر أمام منتخب المجر في مباريات المجموعة في الدور الأول فاز الألمان في النهائي على المجر. وفي العام 1974 تغلبت ألمانيا في ميونيخ على هولندا لتفوز بالكأس للمرة الثانية وفي العام 1990 فازت على الأرجنتين وحصلت على الكأس للمرة الثالثة. ويعتبر منتخب ألمانيا لجانب منتخب البرازيل من أكثر المنتخبات التي وصلت إلى الدور النهائي في بطولة العالم.

فورتمان يبدأ العمل

في النهاية وضع زونكه فورتمان الفيلم الوثائقي في 108 دقائق عن المنتخب الألماني لكرة القدم قبل وبعد بطولة العالم 2006. تم العرض الأول مساء الأربعاء الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المصادف يوم الوحدة الألمانية. مرة أخرى جاء أعضاء الفريق الوطني الألماني إلى برلين ومرة أخرى سارت في شوارعها منذ الصباح الباكر قوافل السيارات تحمل الأعلام الألمانية. الفيلم يعبر عن رغبة المنتخب الألماني التي تعاظمت مع الفوز بعد الآخر وعزيمة اللاعبين في الفوز بكأس العالم. كما يلقي الفيلم نظرة على ما حصل وراء الكواليس ويسجل مشاعر اللاعبين ومدرب الفريق وألمانيا كما عاشت الحلم. أنه بصورة أخرى فيلم وثائقي عن قصة أمة بأسرها عاشت هذا الحلم في صيف العام 2006.

أنه قبل كل شيء فيلم خاص بالمخرج زونكه فورتمان الذي استطاع أن يصور مشاعر الألمان، جمهورا ولاعبين ولحظات مؤثرة جدا في حياة جيل بأكمله. إن أنجز المنتخب الألماني من خلال أداءه شيئا فإنه استطهع أن ينهض بهذه الأمة لتقول (نحن هنا) ولأول مرة شعر الألمان كشعب واحد. ناهيك عن شعور الألمان بالوطنية ورفع الأعلام وترديد النشيد الوطني. في السابق كان المرء يسمع باستمرار «أشعر بخجل لأنني ألماني«. لكن أن يكون المرء ألماني كان فخرا طالما استمرت انتصارات المنتخب الألماني. وكتبت الصحافة الكثير عما أنجزه المدرب كلينسمان في وقت قصير من تغيير في هذا المجتمع الذي كان يعيش في همومه من جمود اقتصادي وأزمة البطالة وفجأة نهضت ألمانيا بفضل انتصارات المنتخب الألماني.

مستعينا بالكاميرا الصغيرة (بناسونيك ديكام) كان زونكه فورتمان أحد أعضاء البعثة الألمانية وحصل على مكان بين أعضاء البعثة وعلى غرفة في مقر إقامة الفريق في فندق(شلوس) في برلين وعلى ضوء أخضر لدخول كل مكان محظور على أي فرد لا ينتمي لهذه البعثة. كما حصل زونكه فورتمان على موافقة من الاتحاد الدولي لكرة القدم لتصوير ألمانيا كما كانت في صيف 2006. هكذا تمكن فورتمان من دخول غرفة ملابس اللاعبين وغرفهم وحضور تدريبات الفريق وتصويرهم خلال عمليات التدليك وفي الملاعب والحافلة الخاصة بالفريق. المصور الثاني فرانك غريبي تولى التصوير الخارجي فصور المشجعين في لحظات الفرح والهزيمة ووثق ما دار في المدرجات وكانت حصيلة ما صوره 100 ساعة. قضى زونكه فورتمان فترة من الوقت يجمع الصور المؤثرة في الفيلم وفي النهاية تجمع لديه مواد تكفي لفيلم مدته خمس ساعات. أنه مخرج فيلم (معجزة بيرن) نفسه وأول فيلم أنجزه كان العام 1991 لكن فيلم (ألمانيا... حكاية صيف) سيكون الأنجح.

في بداية الفيلم يسود هدوء... أنه الحزن... وجوه مذهولة... كأن قنبلة نووية ضربت ألمانيا. أنها ألمانيا بعد الهزيمة أمام إيطاليا في دور نصف النهائي (صفر/2) في الثواني الأخيرة من المباراة أنهى توتي ورفاقه الحلم الألماني وحطموا حلم الألمان بوصول فريقهم إلى نهائي كأس العالم. أنه الشعور الذي أصاب ألمانيا من الشمال إلى الجنوب وفي شرقها وغربها وجعل الألمان يستسلمون لشعور خيبة الأمل والحزن. في هذه الليلة ومع أن الألمان من عشاق الطعام الإيطالي ففي بلادهم مطاعم إيطالية أكثر من عددها في إيطاليا، تجنبوا زيارة المطاعم الإيطالية وقاطعوا لأيام البيتزا والمكرونة.

وبدأ الحلم

عودة إلى الوراء. بدأ الحلم في إيطاليا إذ أقام الألمان معسكرهم التدريبي الأول قبل سبعة أسابيع وظهرت زوجات وصديقات اللاعبين وهن يستمتعن بدفء شمس سردينيا بينما اللاعب بودولسكي وزميله شفاينشتايغر يلعبان البولينغ. يظهر اللاعبون في الفيلم وهم يتدربون على اللياقة البدنية على يد مدرب استحضره كلينسمان خصيصا من الولايات المتحدة وشكل هذا التدريب نقطة تحول في لياقة اللاعبين بالإضافة إلى جلسات مع مدير المنتخب أوليفر بيرهوف والمختص بعلم النفس هانز بيتر هيرمان كما أن طباخ المنتخب الألماني إيطالي الجنسية حصل الألمان على شهادة ولاء منه بأنه مخلص لألمانيا. شخصيات أخرى يكشف عنها الفيلم من المترجم إلى سائق الحافلة مرورا بأورس سيجنتالر الذي كان يجمع المعلومات عن لاعبي المنتخبات المنافسة لألمانيا. لكن كل هذا لم يكن كافيا لولا وجود المدرب كلينسمان المشجع الكبير الذي أعطى اللاعبين الشباب فرصة تاريخية.

قبل كل مباراة كان زونكه فورتمان إلى جانب كلينسمان وهكذا تمكن من تسجيل لحظات مهمة قبل اللقاء المهم للمنتخب مع نظيره البولندي حين قال كلينسمان للاعبين: هذه مباراتنا ولن ندع أحد يسلبنا النصر ولا حتى البولنديين. كي لا يسبب كلام كلينسمان أزمة سياسية جديدة بين برلين ووارسو قال كلينسمان الكلام نفسه قبل المباراة أمام إكوادور وكرره قبل اللعب مع السويد والأرجنتين وإيطاليا. من جملة ما قاله كلينسمان للاعبيه قبل المباراة: « أنهم خائفون منكم (يقصد المنتخب الخصم) وعلينا أن نلحق بهم هزيمة ساحقة«. قبل المباراة أمام إيطاليا كشف لاعب الوسط تورستن فرينغز أنه تعلم بسرعة من كلينسمان وقال لزملائه: «سنخرج إلى الملعب لنطيح بالخصم«. كاميرا فورتمان سجلت فرحة الجمهور بالنصر والحفلات في المدرجات خصوصا بعد الفوز على بولندا والسويد والأرجنتين وحين فازت ألمانيا بالمركز الثالث لكن الفيلم يبقى حسرة في نفوس الألمان الذين كانوا يأملون بأن تكتب نهاية سعيدة لحلم جميل بفوز ألمانيا بكأس العالم وربما كان فيلم زونكه فورتمان يكسب عندها أهمية أكبر

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً