لا يخفى على احد أن كرة القدم بشقها الدولي كانت في منافسة مباشرة مع الشق الآخر المتمثل في نشاطات الأندية، وتحولت هذه المزاحمة في فترة من الفترات إلى عداء حقيقي مرده شعور الأندية المالكة عقود اللاعبين الدوليين بما يشبه الاستغلال لمواردها.
ولطالما اشتكت الأندية من تجاهل الاتحادات الوطنية والاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» التنسيق معها في مناسبات عدة، إذ على رغم تحملها كلف أجور اللاعبين وقفت عاجزة عن منعهم من الالتحاق بمنتخبات بلدانهم التي تطوف غالبيتها العالم طوال الموسم، ما يلحق الإرهاق بهؤلاء أو يعيدهم مثقلين بالإصابة التي تبعدهم لفترات متفاوتة عن الملاعب وسط تحمل الأندية كلفة علاجهم ومواصلة تأمين أجورهم من دون الاستفادة من خدماتهم، الأمر الذي يؤثر عليها ماديا وفنيا.
علماً أن كرة القدم الحديثة باتت تعتمد على وفرة العملة التي تؤمنها الأندية عبر استقدام النجوم الدوليين أصحاب الشأن الرفيع الذين يترجمون الطموحات إلى نجاحات وبالتالي إلى زيادة العائدات المالية، لكن هذه الأندية لم تتقبل يوما تعرض احد لاعبيها الأساسيين للإصابة خلال تأديته واجبه الدولي، على رغم إدراكها أن هذا الأمر جزء من اللعبة لا يمكن تحاشيه أبدا.
وبدا واضحا أن الأوضاع تفاقمت في الأسابيع القليلة الماضية وسط التصريحات النارية لمدربي الأندية والقيمين عليها حتى ظهرت بوادر أزمة مرتقبة مفادها تهديد الأندية بمقاضاة الاتحادات الوطنية والقارية إضافة إلى «الفيفا» لاستعادة ما اعتبرته حقوقا مهدورة.
وقص المدرب البرتغالي لفريق تشلسي الانجليزي جوزيه مورينهو شريط افتتاح دورة صراع أخرى بين الأندية والاتحادات عندما شن حملة شعواء على مدرب منتخب فرنسا ريمون دومينيك متهما إياه بمعاملة لاعب الوسط كلود ماكيليلي «كما لو كان عبدا»، وإجبار الأخير على الالتحاق بالمنتخب المثلث الألوان على رغم نيته الاعتزال دوليا.
وحيث كان مورينهو في عداء شبه دائم مع مدرب الغريم أرسنال الفرنسي آرسين فينغر، فإنهما التقيا على الخط عينه عندما صعد الأخير من لهجة الهجوم على مدربي المنتخبات مشبها إياهم بسارقي السيارات «الذين يأخذون سيارتك عنوة ثم يرمونها مهشمة إلى جانب الطريق بعد نفاد الوقود منها، فيما يحتم عليك تحمل كلف إصلاحها قبل أن يعيدوا الكرّة مرة بعد أخرى».
وبعيدا عن انجلترا برز موقف اتلتيكو مدريد الاسباني الذي انضم إلى قافلة المعارضين اثر إصابة لاعبه الارجنتيني ماكسي رودريغيز خلال مباراة منتخب بلاده الودية مع نظيره الاسباني وابتعاده لفترة طويلة، ما دفع ناديه إلى الاتجاه نحو المطالبة بتعويضات كونه سيخسر الكثير ماديا وفنيا، إذ سبق أن ضاعف راتب اللاعب بعد تألقه في نهائيات كأس العالم.
«استخدام اللاعبين» هي العبارة التي أطلقتها الأندية المتضررة لشرح معاناتها وإظهار الاتحادات بشكل وحش ضار بعدما كانت هي نفسها قبل «قانون بوسمان» الشهير (أعطى القانون اللاعبين الحرية في اختيار وجهتهم المستقبلية بعد انتهاء عقودهم) الجلاد الذي يتربص باللاعبين، مصرة على المضي في معركتها لمنحها الحق في المطالبة بتعويضات حتى من «الفيفا» نفسه في حال إصابة احد لاعبيها أثناء وجوده مع منتخب بلاده.
ويبرز توجه خفي مفاده أن مجموعة الـ 14 التي تضم ابرز وأغنى الأندية الأوروبية على الإطلاق، أوعزت إلى وسائل الإعلام تسليط الضوء على قضية الخسائر التي ستلحق بنيوكاسل يونايتد جراء غياب نجمه مايكل أوين 9 أشهر اثر إصابته مع انجلترا في المونديال، وذلك لمساندة النادي الانجليزي الذي قرر رفع القضية أمام المحاكم الأوروبية العليا.
ويحظى نيوكاسل بدعم المجموعة على رغم عدم انتسابه إليها، إلا أن الأخيرة وجدت في القضية ورقة ضغط مهمة بالنظر إلى حجم نجومية أوين التي قد تكون عاملا حاسما بعد فشلها في التوصل إلى نتيجة ايجابية بمساندتها نادي شارلروا البلجيكي الذي سبق أن رفع دعوى قضائية بحق «الفيفا» لإصابة لاعبه المغربي عبدالمجيد اولمرس خلال مشاركته منتخب بلاده في مباراة ودية أمام بوركينا فاسو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، ما قلص بحسب قوله «حظوظه في المنافسة على لقب الدوري البلجيكي وتكبده خسائر مالية جمة».
وربما اجتمعت الاتحادات خفية أيضا لمعالجة الأزمة قبل تفاقمها وانعكاسها سلبا على تطلعاتها المستقبلية، إذ تردد أن الاتحاد الانجليزي أبدى استعداده تحمل نصف الأجر المدفوع إلى أوين مدة عام، إلا أن نيوكاسل ادعى انه رزح تحت دين قدره 20 مليون جنيه إسترليني لاستقدام أوين من دون الاستفادة من خدماته، وأضيف إللى هذا المبلغ 10 ملايين أخرى لتعويض غيابه عبر التعاقد مع النيجيري اوبافيمي مارتينز، لذلك جاء رفضه العرض واتجاهه لرفع القضية إلى المحكمة الأوروبية في بلجيكا حيث أبصر «قانون بوسمان» النور ليغير وجه اللعبة.
وفي موازاة ولادة تيار يدعو الأندية إلى تناسي ما اعتبر قضية خاسرة لأنه يمكن للدفاع المجاهرة بأن كرة القدم لعبة جماعية وغياب لاعب معين لا يمكن أن يؤثر جذريا على مسيرة الفريق. كانت هناك دعوة لإيجاد الحلول الشافية عبر اقتراح دفع الاتحادات الوطنية نصف اجر اللاعب خلال مشاركته مع منتخبه الوطني وتحمل كل الكلف في حال إصابته معه.
لكن هذه الدعوة بقيت غير منطقية نسبيا لأنه لا يمكن حتما لكثير من الاتحادات العالمية وخصوصا الإفريقية منها تحمل نفقات نجومها المنتشرين بكثرة في الأندية الأوروبية الكبرى ويتقاضون أعلى الأجور، إذ سيجد الإفلاس طريقه إليها بسرعة هائلة كون الواقعة لا تستطيع تحملها حتى شركات التأمين التي مهما بلغ شأنها لن تكون قادرة على تغطية كلفة اجر مرتفع للاعب في مستوى أوين مثلا لمدة طويلة. وأيا يكن أمر، فإن اتجاه الاتحادات إلى رفع سقف التحدي بمقاضاة الأندية في حال إصابة احد لاعبيها الدوليين على أبواب بطولة دولية مهمة، ما سيحرم منتخب بلاده من خدماته، فإن الاتجاه الآخر يصب نحو تهدئة الأوضاع وإيجاد حل جذري ودائم للمعضلة بتوافق الأطراف كافة، لكن مما لاشك فيه انه إذا ما قدر لنيوكاسل أو شارلروا إقناع المحكمة الأوروبية أن للقضية جوهراً وأساساً فإن وجه كرة القدم لن يكون أبدا مشابها لما هو عليه الآن
العدد 1505 - الخميس 19 أكتوبر 2006م الموافق 26 رمضان 1427هـ