العدد 3618 - الخميس 02 أغسطس 2012م الموافق 14 رمضان 1433هـ

لا نهاية سعيدة في سورية مع تحول الصراع إلى حرب بالوكالة

مقاتلو الجيش السوري الحر في استراحة من القتال في مدينة حلب
مقاتلو الجيش السوري الحر في استراحة من القتال في مدينة حلب

تغدق قوى إقليمية المال والسلاح على مقاتلي المعارضة وينضم إليهم جهاديون في معركتهم للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بينما ترد قواته التي تتمتع بتسليح جيد لكنها تعمل تحت ضغوط شديدة بقسوة وتقاتل مستخدمة الطائرات الحربية والمدفعية.

وأصبحت المشاهد المروعة للقتلى من المدنيين أو مقاتلي المعارضة الذين أعدموا لقطات يومية للصراع المتفاقم في سورية. وتشير لقطات مصورة تظهر فيما يبدو معارضين وهم يقتلون بدم بارد أفراداً من الميليشيا الموالية للأسد رمياً بالرصاص إلى أنهم قادرون على ارتكاب أعمال لا تقل فظاعة عما يفعله أعداؤهم. وبعد مضي ما يقرب من 17 شهراً على بدء الانتفاضة المناهضة لدكتاتورية الأسد يتحول الصراع في سورية إلى حرب إقليمية بالوكالة بين طوائف إسلامية قد تقسم البلد على أسس طائفية ما لم تبرز قيادة موحدة للمعارضين لحكم الأسد كمعارضة جديرة بالثقة.

ولا يرى المراقبون لسورية أي علامة على وجود معارضة جاهزة لإدارة البلاد إذا أفلت زمام السيطرة من الأسد وعائلته اللذين تستند قوتهما إلى الأقلية العلوية. ويخشى البعض أن يتحول الوضع إلى حرب على النمط اللبناني تجتذب الجميع حيث تقاتل جماعات مسلحة من مختلف الأطياف العقائدية والطائفية طلباً للسيطرة على الأرض فتحول سورية إلى شظايا تلقي بها في مستنقع الدول الفاشلة. ومع مساندة جمهورية إيران الإسلامية الشيعية للأسد وتأييد السعودية ودول عربية سنية أخرى للمعارضة قد تصبح سورية ساحة تتحول فيها الحرب الإقليمية السنية-الشيعية الباردة الى حرب أهلية مفتوحة يمكن أن تزعزع استقرار جيرانها لبنان وتركيا والعراق والأردن. ويقول أيهم كامل مؤسسة «أوراسيا جروب» لاستشارات المخاطر السياسية إن الوضع في سورية هو بشكل شبه مؤكد حرب بالوكالة. ويضيف قائلاً «في هذه المرحلة من الصراع من الصعب عدم القول إن البعد الدولي للصراع في سورية يطغى على البعد الداخلي». ومضى يقول «سورية الآن ساحة مفتوحة. في اليوم الذي يسقط فيه الأسد ستجد كل هذه الجماعات المختلفة ذات الأهداف والأولويات المختلفة والولاءات المختلفة والتي تؤيدها دول مختلفة ومع ذلك فهي عاجزة عن تشكيل قيادة متماسكة».

وبدأت الانتفاصة السورية في 15 مارس/ آذار 2011 كحركة داخلية مناهضة لحكم عائلة الأسد المستمر منذ 40 عاماً على غرار الانتفاضات التي أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن لكنها تحولت الآن إلى ساحة للتدخل الخارجي. ويعتقد كامل أن سورية تتفكك الآن بالفعل وأن الجيش السوري الحر -وهو التنظيم الجامع للكثير من المجموعات المسلحة التي تقاتل للإطاحة بالأسد- لا يعدو أن يكون وكيلاً لجماعات سنية. ويقول «الجيش السوري الحر مجرد شعار. فلا وحدة بين هذه المجموعات المتمردة. لكي يكون هناك جيش سوري حر ينبغي وجود هيكل قيادي وأن يتبع الجميع هذا الهيكل القيادي». ويضيف أنه بدلاً من ذلك «هناك مجموعات مختلفة تزودها بالمال والعتاد العسكري دول مختلفة وهي شبه مستقلة». ويقول كامل «المناطق المختلفة تسيطر عليها مجموعات مختلفة سواء كانت ذات مرجعية عقائدية أو طائفية وسواء ظل نظام بشار طرفاً مؤثراً لدينا بالفعل أطراف أكثر من ذي قبل». وتابع قائلاً «لا أهون من احتمال أن تصبح هناك مجموعات مختلفة من قوات المعارضة تصارع بعضها البعض للسيطرة على الأرض».

ويقول من يراقبون سورية عن كثب إن الخطر الحقيقي هو أن ينزلق الوضع إلى حرب أهلية طويلة ودموية للغاية وصراع طائفي يفاقمه غياب معارضة موحدة وجديرة بالثقة. وقال جورج جوف وهو خبير في شئون الشرق الأوسط بجامعة كامبردج «لا أعتقد أن ثمة من يمكنه أن يتولى المسئولية. المشكلة الكبيرة في حقيقة الأمر أنه لا وجود لمعارضة جديرة بالثقة». وأضاف قائلاً «كيف يمكن الجمع بينهم... كيف يمكن جعلهم يتعاونون في هذه المرحلة المتأخرة لأنهم مختلفون جذرياً بشأن ما ينبغي عمله». ويقول سركيس ناعوم الذي ينتقد دكتاتورية الأسد منذ أمد طويل ويكتب في صحيفة «النهار» التي تصدر في بيروت إن المعارضة منقسمة فبعضها في الخارج وبعضها في الداخل وبعضها إسلاميون وبعضها علمانيون لكن ليس من السهل تكوين معارضة منظمة لديها حكومة جاهزة بعد حكم شمولي مستمر منذ 40 عاماً. ويصر أيمن كامل على أن «أي تصور بأن سورية بعد الأسد ستشهد انتقالاً سلساً ليس في محله».

وتعاني المعارضة السياسية في الخارج الممثلة في المجلس الوطني السوري الذي يضم الإخوان المسلمين ونشطاء يطالبون بالديمقراطية وجماعات يسارية من التنافس العقائدي والديني الذي يعوق محاولتها لتكوين بديل سياسي للأسد. ويمثل المجلس الوطني السوري صوتاً دولياً للمعارضة لكن قادة قوات المعارضة في الميدان يقولون إن القيادة في الخارج ليس لها صلة تذكر بما يحدث في سورية.

وتتبدى الخلافات في صفوف المعارضة في التصريحات المتعارضة بشأن كيفية التعامل مع الصراع حيث تطالب بعض الجماعات بمزيد من السلاح، بينما تدعو جماعات أخرى إلى التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وما أن أعلن بعض الأعضاء البارزين في المجلس الوطني السوري تشكيل ائتلاف سياسي جديد يخطط لإقامة حكومة انتقالية بعد الأسد حتى تعرض للهجوم من جانب رئيس المجلس الوطني، عبد الباسط سيدا وقائد الجيش السوري الحر، العقيد رياض الأسعد. وقال سيدا إنه إذا خرجت كل مجموعة بمفردها تعلن تشكيل حكومة جديدة دون إجراء محادثات فسينتهي الأمر إلى وجود سلسلة من الحكومات الضعيفة التي لا تمثل أحداً. ووصف الأسعد الائتلاف الجديد بأنه مجموعة من «الانتهازيين» يسعون للاستفادة من مكاسب قوات المعارضة.

وفي الميدان تزداد الصورة قتامة. فسلطة الدولة تتفكك بالتدريج وببطء. وباتت كثير من مناطق سورية خارج سيطرة الحكومة وتحل النزعة الإقليمية محل الوحدة الوطنية وتتكاثر مجموعات المقاتلين المعارضين ذات القيادات المختلفة وبرامج العمل المختلفة. وصعدت الحكومة حملتها العسكرية منذ وصل المقاتلون المعارضون بمعركتهم إلى دمشق وحلب الشهر الماضي ونفذوا تفجيراً استهدف الدائرة الضيقة المحيطة بالأسد قتل فيه زوج اخته وثلاثة آخرين من كبار قادته العسكريين.

وتفيد بيانات الأمم المتحدة والنشطاء بأن الصراع أودى بحياة 18 ألف شخص وأدى إلى نزوح مئات الآلاف. وتزيد الانقسامات الدينية في سورية تعقيد الصراع إذ ينتمي الأسد ووحدات النخبة العسكرية إلى الطائفة العلوية وهي أقلية في بلد غالبية سكانه من السنة. ويمثل العليون 12 في المئة من سكان سورية الذين يبلغ عددهم 23 مليون نسمة لكن من المعتقد أنهم يمثلون 40 في المئة من الجيش وغالبية ميليشيا الشبيحة الموالية للأسد. أما السنة فهم 75 في المئة من السكان ويشكلون غالبية المعارضة. وللسلطات اليد العليا في الصراع بفضل تفوقها في قوة النيران ووحدات النخبة ذات الولاء للنظام لكن المعارضين في الميدان مقاتلون شديدو الحماس والهمة يزدادون قوة بتحسين التسليح والتدريب والتنظيم. ومع استمرار الصراع دون حل يقول بعض السوريين إن مجموعات من الإسلاميين الجهاديين المحليين ومقاتلي «القاعدة» تضطلع بدور نشط. ويتفق معظم المحللين على أنه لا وجود «لسيناريو جيد أو سار» وأن فرصة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض تحت رعاية مبعوث الأمم المتحدة، كوفي عنان منعدمة. ويكشف نجاح قوات الأسد في استعادة السيطرة على المناطق التي سقطت في أيدي المعارضة في دمشق باستخدام القوات الجوية وحملتها الضارية في حلب عن أن الحكومة ما زالت لديها القدرة على القتال والصمود لكن معظم المحللين يعتقدون أنها ستجد صعوبة شديدة في الاحتفاظ بالقوة الدافعة في المدى الطويل. ويعتقد البعض أن السلطات أعدت خطة طوارئ تحسباً لانهيار حكم الأسد وهي التراجع إلى الجيب العلوي على الساحل الشمالي الغربي بعد توسيعه من خلال التطهير العرقي لبعض المدن بما في ذلك حلب وحمص. وقال جوف «أعتقد (أن النظام) بدأ بالفعل التخطيط لمثل هذه النتيجة النهائية لكن هذا سيفجر صراعاً أوسع كثيراً داخل سورية نفسها».

وأضاف قائلاً «حلب جزء من النطاق الذي يركزون عليه لتطهير هذه المنطقة الساحلية... تطهيرها تماماً حتى الحدود التركية. أنا واثق من أن هذه هي الخطة لكني لا أعرف أن كانوا يستطيعون تنفيذها أم لا». وقد يكون لإقامة مثل هذا الجيب مع اقترانه بنزوح اللاجئين عبر الحدود واشتداد التوتر الطائفي في المنطقة أثر يتجاوز سورية إلى لبنان وتركيا والعراق وهي دول لديها خليط طائفي وعرقي من علويين وسنة وشيعة وأكراد ولا تخلو من توتر شديد بالفعل. ومع عزوف الدول الغربية عن التدخل العسكري وغياب فرص التوصل إلى حل سياسي من خلال الوساطة الدولية يتوقع كثيرون أن تنتشر الحرب الأهلية وتمزق البلاد إرباً. وقال جوف «تفكك سورية احتمال قائم والمشكلة هي أنه لا يمكن أن يستمر فسيخلق فراغاً في القوة يجتذب آخرين كحال العراق. إنه احتمال مخيف للغاية».

ويرى المحلل والكاتب السياسي اللبناني راجح خوري أن «سورية قد تذهب إلى حرب أهلية طويلة ربما تستمر لسنوات. نحن نعرف أن لبنان بلد الخمسة ملايين نسمة وبسبب التدخلات الخارجية استمرت الحرب فيه 15 عاماً فكيف بالتدخلات الدولية والإقليمية المعروفة في سورية وكيف بعد كل هذه الفواتير الكبيرة من المآسي والدماء. «أعتقد أن انزلاق سورية إلى حرب أهلية أوسع وأشنع ستحول البلاد إلى حرب كبيرة وهو احتمال سيئ للغاية».

العدد 3618 - الخميس 02 أغسطس 2012م الموافق 14 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:43 ص

      وانه اقول

      ليست طائفية كا واحد يدولا مصلحته بزور يبون يسونه طائفية

      وزير الدفاع الجديد من غير الطائفة العلوية بما انا اكره ان اسمي هذه المسميات

      الذين ماتوا في التفجير كانوا يشملون كافة الاطياف

      يبون يسونه طائفية و فتنة مذهبية لمصلحة اسرائيل لكي ترى المسلمين يقتتلون و هي تترتاح يا اسد ارحل بدل ما تحترق المنطقة.

اقرأ ايضاً